الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسييس الدين و أسلمة السياسة

صلاح اميدي

2014 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل بداية الاكتشافات العلمية في اوروبا مع بداية في القرن الرابع عشر, كانت سلطة الكنيسة هي المتنفذة على المجتمع وفي جميع المجالات .. وبظهور التكنولوجيا وعلم الفلك الحديث , ظهرت بوادر فكرعلمي يشكك بل و يفند بعض ما كان شائعا من " حقائق كنيسية " ومن اهمها دفن الفرضية الدينية حول مركزية الارض في الكون وثم بظهور ( غاليلو القرن السابع عشر ) و اكتشاف حقيقة ان الارض في المجموعة الشمسية ليست هي المرتكز بل هي الشمس ، وان الارض ليست الا جرما تدور حول فلكها ,وليس العكس..
وجد "غاليلو" نفسه قد طعن في المؤسسة الكنسية في وقت حيث كان التسلسل الهرمي للكنيسة قد ارتبط مع السلطة الزمنية .. تزامنت هذه الاحداث مع ظهور" مارتن لوثر" بافكاره الاصلاحية و ثم التصادم مع الكنيسة الكاثوليكية و الانفصال عنها , ثم تطورت الاحداث مرورا بعصر الثورة الصناعية وماادت اليه الى ضعف اكبر في سلطة الكنيسة . وبظهور هذه العوامل مجتمعة ، بدا الكثيرون يميلون الى فصل سلطة الكنيسة عن ادارة البلاد في اوروبا و تمخضت بالتالي عن بدء الثورة الفرنسية وانهاء الحكم الملكي المطلق والامتيازات الارستقراطية والاقطاعية وما جاء بعدها ايضا من متغيرات فصل الدين عن الدولة ..

الامر كان مختلفا في سلطة الخلافة الاسلامية العثمانية وفي المرحلة ذاتها .. فالخليفة والوالي كان بمثابة الرئيس المنتخب الذي ينفذ و يحكم بشريعة الاسلام ولم تكن هناك بوادراية حركات علمانية تشكك في سلطة الخلافة و الخليفة , الامر الذي لم يتغيير كثيرا الى هذا اليوم ...
لكن القرن التاسع عشر والقرن العشرين شهدا انتهاء الخلافة العثمانية التي كانت ترمز ومع وجود جميع اعراض الخلل والمرض فيها , كانت ترمز في ما ترمز اليه ,الى ادارة الدولة كاملة ، من قبل السلطة الثيوقراطية الاسلامية ...
شهد دخول الاستعمارالاوربي على الساحة بالمقابل تحولا من السلطة الدينية الى المدنية /العلمانية ... وبعد دخول اوروبا على الخط في معظم الدول الاسلامية ، افسح هذا المجال ,او, اوكل للسلطة المدنية ادارة شؤون البلاد ، بغض النظرعن كونها كانت اكثر ام اقل سلبية ام ديموقراطية من سابقتها .
ومع فقدان هيبة وسلطة الدين ، كان لابد من ظهور مفكرين اسلاميين يشكلون النواة الاولى للحركة الدينية المتطرفة , تاخذ على عاتقها محاولة اعادة هيكلة السلطة المفقودة .. ظهر امثال محمد عبدو ، رشيد رضا ، حسن البنا ، جمال الدين الافغاني , سيد قطب و قبلهم مؤسسا الحركة الوهابية السلفية محمد بن عبدالوهاب و محمد بن سعود ..
اما "روح الله الخميني " فهو مثال اخر من الطائفة الشيعية ..

ان محاولة اعادة بسط النفوذ السياسي الديني واجندته على الحياة العامة من جديد ، كما يحدث في الاسلام السياسي الحالي عن طريق ( القاعدة و داعش والاخوان ) ليست الا محاولة اعادة سلطة الثيوقراط الديني و باي شكل من الاشكال .. العديد من المهتمين ومنهم الكثيرمن المثقفين يودون ان يبسطوا الامر بانها اي ( داعش مثلا ) لا تمثل الا مجرد عصابات همجية وجمع من المجرمين لا يبتون بصلة بالاسلام و الدين الحقيقي ...
مغالطة كبرى بالتأكيد .. فجمع من حثالة الخلق , ليس بامكانه تجنيد الشباب المتعلم من جميع الدول العربية والاسلامية واوروبا .... الحقيقة هي ان هؤلاء المحاربين يمثلون فقط (ادوات) حركة متطرفة يستمدون قوتهم من قوى تنفيذية كبرى ومن مخططين لفكرة دينية اعظم ,, واكبر منهم بكثير ..

محاولة بسط النفوذ يتم بمراحل عديدة و تتطلب كل مرحلة رجالها و منفذيها ...
__اولا : طريقة الحركات المتطرفة
كتب" هوفر" ان بروز اية حركة متطرفة جديدة سواء اكانت سياسية ام دينية ، و تجنيد العامة اليها ، يتم عبر ثلاث مراحل ( شروط مطلوبة) اساسية وتتضمن كل مرحلة مراحل ثانوية يتم فيها الاستعداد والتهيؤ للمرحلة الاساسية اللاحقة ، و تعتمد مدة كل مرحلة على الظروف الذاتية و الموضوعية المساعدة للانتقال الى المرحلة القادمة ..
وبالرغم من قلة الدراسات العلمية حول هذا الموضوع ، فان من حاول تناوله بشكل تحليلي , خارج سياق التنبؤ و التخمين هوهذا الفيلسوف, اريك هوفر , (21 مايو 1883 25 يوليو 1902) ، فيلسوف الأخلاقية والاجتماعية الأمريكي ، الذي الف العديد من كتبه عن هذا الموضوع قبل تبلور الاسلام السياسي بعقود من الزمن ...
كانت مجمل كتاباته محاولة منه لدراسة وتحليل الحركات المتطرفة في اوربا كالفاشية و النازية و الماسونية واخرى كالبلشفية والصهيونية العالمية والثورة الفرنسية ...
تطبيقات و ادلة افكاره نراها اليوم بالحرف في ما يسمى ( الاسلام السياسي / التاسلم / الاسلاموية / الهوس الديني ,او سميه ما تشاء/ داعش و القاعدة ...الخ ) ... الاحداث التي تجري على الساحة في الشرق الاوسط , تمثل مادة خصبة ايضا لكل من يحاول تحليل ودراسة الحركات المتطرفة والاستفادة من كتابات "هوفر" في تناول التطرف بجميع انواعه , وبشكل علمي مقرون بادلة علمية , بعيدا عن التاويل الذاتي ...
يقسم هذا المفكر الشروط المطلوبة الى :
مرحلة التشريع او كتابة الفكر الجديد عن طريق ما يسميهم "رجال الكلمة Men of Word" :
اي المفكرون او دعاة الدين ، وفي حالة الحركات الدينية المتطرفة ، يكون ما شرع في" الكتاب والسيرة والاحاديث " هي النواة التشريعية الاولى التي بموجبها ,يقوم هؤلاء بأثارة مشاعر الناس لتلبية النداء الديني وتنبيه الناس بما حل بالدين من تشويه , وما وجب على المؤمنين فعله لاعادة الهيبة المفقودة وهكذا ...
وفي حالة الاسلام السياسي فان امثال محمد عبدو ، سيد قطب ، حسن البنا والقرضاوي والظواهري ,الخميني ثم وصولا الى خطباء الجوامع ودعاة المسلمين على الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية يمثلون هذه النخبة الاولى,التي تبدأ منها سلسلة الحركة المتطرفة الدينية .

** "الرجال التنفيذيين Men of Action ":
امثال بن لادن و الزرقاوي و حسن نصرالله وقياديي حماس والبغداي وان اختلفوا في المنهج , ولكن هؤلاء يمثلون هذه الشريحة الثانية في الهرم الثلاثي . هؤلاء ليسوا بمهمشين وعادة ينحدرون من عوائل مثقفة ومتوسطة الاحوال المعيشية ، وغالبا يحملون شهاداة دراسية مرموقة من الجامعات ( بن لادن كان مهندسا و البغدادي خريج جامعة الخ )... مهمة هؤلاء ,الذين هم رجال تنفيذيون وليسوا بمفكرين ، مهمتهم ان يجندوا العامة المهمشين والقيام بتطبيق الارشادات والمستوجبات النظرية للمفكرين , و ترجمتها الى واقع حال ... يجب عدم نسيان ملوك و رؤساء و انظمة الخليج فهم في طليعة هذه الفئة ولكن طبعا بشكل خفي .
هؤلاء يتوفر لديهم صفات القيادة الميدانية ، وبتوفرعوامل أخرى مساعدة , تتكون لدى هؤلاء نوع من الكاريزما وقوة التاثير .. ففي حالة بن لادن كان "الثراء المادي " يشكل العامل الاكبر لنجاحه ،، و في حالة هتلر كانت قابليته في تسويقه افكار النازية كنوع من الخلاص للمجتمع الالماني .... وفي حالة البغدادي , ربما كان "الحظ" في خروجه من سجن الامريكان وكذلك نجاحه في التخطيط لبعض العمليات الارهابية اوالاهم من هذا , حالة التشرذم الامني الذي عاشهاعراق بعد "صدام" ..

*** وقود "ادوات الحركة المتطرفة Fanatics ":
وهؤلاء هم العامة التي اثبتت تحاليل "هوفر " انهم لكي يكونوا مستعدين للتضحية بارواحهم , فانهم يجب ان يكونوا مهمشين متطرفين ( وليس بمعنى الفقير لان الفقر المدقع يولد عبيدا وليس ثائرا كما يراه هو ) , واعتبر هوفر أن الحركات الثقافية المتعصبة والمتطرفة ، سواء كانت دينية أم سياسية، تنشأ في ظل ظروف يمكن التنبؤ بها: عندما يعتقد أعداد كبيرة من الناس بأن حياتهم الفردية لا قيمة لها ومدمرة ، وأن العالم الحديث فاسد لا يمكن إصلاحه ، والأمل الوحيد يكمن فقط في الانضمام إلى مجموعة أكبر والتي تهدف إلى تغييرات جذرية .
اعتقد هوفر أن تقدير الذات والشعور بالرضا تجاه الحياة هي واحدة من أهم مرتكزات الشعور بالمعافاة النفسية وحاجزا امام عدم الانخراط في هكذا حركات متطرفة .. (بقول اخر كلما ازداد الرضا عن الذات الفردية والقناعة بالحال الحاضر, قل احتمالية تضحية الشخص للذات والاستجابة للحركة المتطرفة ) , ومن واجب و خصائص رجال التشريع و الرجال المتنفذين , قدرتهم في تضخيم الإحباط لدى المهمشين والعامة ، وراى هذا في أدولف هتلر في أوروبا القرن العشرين و نراه اليوم في "داعش " و" قاعدة "القرن الواحد والعشرين ..

__ثانيا ، الحركات السياسية "الاقل تطرفا " :
وتتمثل باحزاب الاسلام السياسي التي تمارس اجندتها في السرا والعلن على مدى عقود في البلدان العربية و تمثل حركة الاخوان المسلمين بؤرتها الرئيسية بالنسبة للسنة ... اما حزب الله و حزب الدعوة و سلطة ملالي طهران و احزاب اخرى طائفية المنهج فهي امثلة اخرى على هذا القول لدى شيعة الاسلام ..
هؤلاء وان لم تتسم فعالياتها في الظاهر وفي البدايات بدموية وهمجية الحركات الاولى مثل داعش و غيرها ، فان تاثيرها في اسلمة المجتمع على طريقتهم الخاصة اكبر بكثير ...
الحركات الدموية المسلحة كالقاعدة وداعش محكوم عليها بالفشل , ليس لانها تفتقر الى القوة بل لانها تفتقر الى عوامل الديمومة لقيادة المجتمع , ولان امرها مؤكد منه والاستجابة لها محسوم من قبل الشعب ... هذه حركات غزو ان افلحت ابان الفتوحات الاسلامية, فلن تفلح في القرن الواحد والعشرين , لسبب بسيط الا وهو, ان عجلة التأريخ تسير الى الامام و ليس الى الخلف , ولا يمكن اجبار الناس على شرب بول البعير الى ما لا نهاية , ولايمكنك اقناع الناس بان الارض ليست كروية وان هذا القول ليس الا احدى تخاريف العلم الحديث ....
الصينيون قالوا لقائد التتر الغازي ""بامكانك ان تغزونا من على ظهر الحصان ولكن يستحيل عليك ان تحكمنا بالطريقة نفسها "".....

بالمقابل فان العظمة و الجاذبية هي دائما "" لللاموجود او الخفي او اللامعلوم ، والذي لم .. ، مقابل الذي .. "" .. والخطرعلى المجتمع المدني اقل بكثير من حركة متطرفة محسوم امرها كداعش ، مقارنة باخرى تدعي الاعتدال و تتوعد بالكثير وبمستقبل من نوع اخر للشباب المجاهد مقارنة بوضعهم المزري ، و بذلك تتلاعب بمخيلة الشباب والعامة ..اي ان اجندتها تتسم بالاستمرارية و اللانهاية ...

المشكلة تكمن اكثر بكثير في هذا النوع من الحركات (اي حركات شاكلة الاخوان المسلمين ) ,لانها تقوم بنشر اجنداتها من على المنابر والمساجد و ليس من على ظهر الدبابات , وبموافقة ، بل و تصديق شريحة كبيرة من الشعب الذي في غالبيته بريئ من وغافل عن نوايا اجنداتهم المستقبلية الحقيقية ...
حركة الاخوان تعبرعن نفسها بانها تهدف الى اصلاح سياسي و اجتماعي واقتصادي شامل ...هذا هو المعسول من الكلام ، ولكن هل يعلم الشباب المتأثر بافكارهم بانها ايضا (تسعى الجماعة في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، ثم الحكومة الإسلامية ، فالدولة فأستاذية العالم وفقاً للأسس الحضارية للاسلام ...... كل شيء مسلم لاغيره ...... وان شعار الجماعة "الله غايتنا ، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا ، و(((الجهاد سبيلنا))) ، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"....
فماذا يفعل غير المسلم يا ترى ؟....دفع الجزية ربما !!!؟ اذا لم يذهب الى الجهاد ؟؟ او مواجهة ضرب فوق الاعناق ؟؟؟ .....الاسلام اوالسيف اوالجزية !!! , نفس اهداف داعش وان اختلفت الطرق والتكتيكات المتبعة ..

هذه الحركات تصبغ نفسها لون صبغة المجتمع ,, بعكس "حركات مثل داعش" .... هذا ""الكاموفلاج Camouflage -اي طريقة تغيير بعض الحيوانات لون جلدها تجنبا للمخاطر "" هي السمة الرئيسية لهذه الحركات , وتنجح فيها غالبا لسببين
اولا : عامل الدين حيث ليس هناك من يشك في مصداقيتهم و ثانيا طريقة شرائهم لذمم الشباب بطرق ملتوية بواسطة صرف الاموال الكبيرة عليهم واساليب اخرى ذكرناها سابقا ...
لاشك ان ما يساعد على تسهيل مهمتم هو وجود طبقة مهمشة ,سهلة الانجراف نحو التغيير وكذلك وجود عدم المساوات الاجتماعية وعدم تكافؤ الفرص و...الخ من عوامل اجتماعية سلبية تمثل وقودا للتطرف ... فيقوم هؤلاء بنجاح , بشحن الشباب بافكار دينية منافية للمدنية , دون بذل الكثير من العناء ...

__ثالثا القائد المتأسلم :
كلما ازدادت الصلاحيات الدستورية الدينية في بلد ازدادت احتمالية وجود دكتاتورية سياسية فيه .. في المجتمع المتمدن فان الحريات المدنية تتصادم دائما مع التشريعات الدينية ..
لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر ، الحد من النسل .. تحديد النسل بكل انواعه ناهيك عن الاجهاض , كما هو معلوم ممنوع ليس في الاسلام فقط , بل في الكنيسة الكاثوليكية ايضا ... شهدت البدايات تعارض شديد من قبل الكنيسة لمسالة تحديد النسل وبكل اشكالها .. العقاقير والحقن واستعمال الواقيات الفيزيائية وانتهاءا بالاجهاض ... لكن في المجتمع المتمدن عنما تحصل مباراة بين مشروع قرار اصلاحي واخر متكلس قديم و ديني , فان حظوظ اقرارالمشروع الاول في البرلمان اكبر بكثير و بعكس البلدان التي تحكم بالشرعية الدينية .. اي عكس بلداننا ...
بمرور الوقت لم يصبح تحديد النسل مشروعا ودستوريا في الدول المتقدمة فحسب , بل وصل الحد الى تشريع قوانين تسمح لزواج المثليين في الكثير من البلاد الغربية ... كل هذا حصل و يحصل امام انظار الكنيسة ..

لكن الامر مع النظم الدكتاتورية هو العكس .. الدكتاتور يستمد قوته من التشريع الديني و بالمقابل دعاة الفكرالمتطرف يستغلون الدكتاتور لفرض اجندتهم على المجتمع ..
في بدايات الثمانينات و مع توريط "صدام حسين " الشعب العراقي في الحرب مع ايران ، كان من المتوقع ان يغيير خطابه من قومي اشتراكي صرف الى ديني صرف .. فاصبح يرمز لنفسه برموز مثل صلاح الدين و القعقاع وابن الوقاص .... ثم بدأ باصدار اوامر مثل منع تناول الاغذية في الاماكن العامة في رمضان (هذا الامر كان جديدا ) , وبحبس المخالفين ، بداية ليوم واحد ثم اصبح لثلاثة ايام ،، ثم تطور مع الوقت العقوبة لنهاية شهر الصيام مع الغرامة و التعذيب ...
كان يغازل أئمة الجوامع و الخطباء في لقاءات و استقبالات متكررة بغية تحريض هؤلاء للقيام بالدعاية للحرب مقابل السماح لهم بقول ما يشائونه عن الدولة و المجتمع ..
لم يقصر هؤلاء الاخيرين ايضا اطلاقا .. فلم تمر طويلا حتى وانتشرت في سنوات معدودة من سنوات الحرب ، ظاهرة الحجاب بشكل طاغي على الشارع ( و لا يحتاج المرء لاثبات هذا الا ان يرى صورة شارع او صورة تخرج لجامعة عراقية في السبعينات مقارنة بنفس الجامعة وصورة التخرج في اخر التسعينات ) ...
وما ساعد ايضا على هذا التغيير السريع ، كان حالة الدمار و الكآبة التي عاشها الشارع من اعداد القتلى الذين كان يفقدون ارواحهم في الحرب .. مع عدم نسيان كما اسلف ، بان هذه الظاهرة كانت جزءا من بروز ظاهرة اعم من الاسلام السياسي الذي بدأ يتبلور في الوطن العربي و الاسلامي عامة (تركيا و باكستان كامثلة لغير الدول العربية) ، بتمويل السعوديين و نشاط مكثف من شبكات اخوان المسلمين ...
صدام حسين كان نائب الامين العام في الحزب البعثي الذي كان يسمي نفسه قوميا عربيا و"ااشتراكيا" وكان يدعي حزبه حزبا علمانيا ... اصبح بمرور الوقت يتفقد تكرارا على الحج , وثم مالبث وان اصبح سيف الدين البتار في معركة القادسية الثانية ... وصدام لم يكن لوحده , فالشيء ذاته ينطبق على علي عبدلله صالح و القذافي ,وبن علي وبو تفليقة و برويز مشرف وقبله ضياء الحق , ومبارك الذي خاطر بالكثير على حساب الشعب المصري ، بعدم التعرض لنشاطات الاخوان ، مقابل البقاء اطول مدة ممكنة في السلطة ..

ما هي النتائج :
حسب قانون ستارلينغ للفيزياء الطبي , فان الشد الزائد على عضلة القلب المطاطية والى الدرجة التي تتعدى فيها حدود مرونتها , اوعندما يتجاوز الطول البدئي الحدود الفيزيولوجية (تمدد مفرط) تنكسر المعاوضة وتصبح هناك حالة قصور( عجز) قلب , حيث يكون القلب غير قادر على التقلص ...
النتائج الطويلة الامد التي تتركها افعال داعش والاخوان و القاعدة ، ومثاليات صدام لا تزول بمجرد تواريهم عن الانظار . وكلما ازداد فترة وجودهم ازداد الخطر ، لسبب وجيز ، الا وهو :تحويل بعض هذه التشريعات (الدينية ) الى قيم اجتماعية ..
اصبح شهر رمضان مرتبطا الى اجل غير مسمى بفكرة "صيام الجميع" ,, بحيث اصبح بعض الذين يترددون على كل ما هو "منكر - بالمسمى الديني" ، يصوم هو الاخر في شهر رمضان .. تحولت القيم الدينية الى ظاهرة اجتماعية .. كذلك هي ظاهرة الحجاب .. وغيرها الكثير ..

الاستخلاصات :
حرية المعتقد هي احدى الحقوق الرئيسية التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .. لكن التطرف الديني شيء اخر وعلى المجتمع المتدمن عدم التهاون معه .. المشكلة لكن هي في كيفية التعامل مع التطرف الديني ..
من جهة اثبت علم سايكولوجيا المجتمع ان الرد بالمثل ( عن طريق العنف او القوة المفرطة ) على اية مجموعة متطرفة يودي الى ما يسمى الكيد المرتد (Boomerang Effect) اي زيادة تشبثها بالفكرة .. والادلة يمكن استقرانها من حالة القوة الاسرائيلية المفرطة على ارهابيي "حماس" في غزة ، و كذلك من نتائج تصويت السويسريين على حظر المأذن في سويسرا ....
ولكن في الوقت نفسه فان الوقوف مكتوفي الايدي يؤدي بالمتطرف الى الاكثارمن التطرف و رفع سقف المطالب الرجعية والتطرف اكثر فاكثر ... وما نراه من رفع رايات السلفية الجهادية في دول اوروبا من قبل الشباب المسلم ليست الا ادلة على ذلك , وكذلك فترة حكم الاخوان ومحاولتهم منع و تحريم الافلام القديمة والكتب العلمانية وغلق القنوات الفضائية, وغيرها كانت ستاتي ، ما هي الا امثلة اخرى بسيطة ...

افضل الادلة توكد الى ان مقارعة التطرف الديني اوالطائفي اوغيره ( بعد ازالة ثلاثي الفقر والجهل والتهميش) ، يتم بافساح المجال للحريات المدنية ان تصارع و تعادل تأثير التطرف السلبي ... حرية المعتقد يقابله حرية النقد ، ثم عدم المساومة مع الظواهر الشاذة والعنف الديني كالهجوم مثلاعلى محلات الخمرلغير المسلمين في الكثير من البلاد العربية و كوردستان , تحت مشاهدة و تفرج السلطات , اوالسماح بوصف الخطباء و المؤذنين لكل من لا تلبس الحجاب باوصاف التبرج والتقبيح وهكذا .. يجب تذكير هؤلاء بان (افضل الاشعار كتبت بالخمر في زمن عصر الخلافة الذهبية كما تودون انتم تسميتها او كنتم معتدلين ) , وصور طلبة الجامعة كانت اجمل و ارقى 40 سنة من قبل مقارنة باليوم , وان الالتزام الديني يجب ان يكون اختياريا وليس اجباريا وعدا ذلك لا يمكن ان يسمى , الا, "بالعنف والدكتاتورية" ....
واماان يسمح للمؤذن اوالداعية ان يقول ما يشاء و يحرض على ما يشاء , ويحرم على المقابل الرد عليه بدعوى التكفير والردة ، سيؤدي هذا الى ترسيخ الثيوقراطية الرجعية ....

السلطة السياسية , اية كانت, لوادعت , بالديمقراطية , يجب ان تنأى بنفسهاعن التدخل لتقييد الحريات المدنية لخدمة المظاهر الدينية , كما فعلها صدام , بل يجب التصدي لكل ما هو شاذ , بالجرئة الكافية لمنع اعتداء فئة على اخرى باسم الدين ، والا فان النتائج ستكون كارثية و ستكون هي شريكا في الفعل والجريمة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah