الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قليلٌ من السخرية

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من أكثر الأجناس ترديداً لنظرية المؤامرة هم العرب..حقيقةٌ تحتمل الصواب و الصواب و لكن لا يتفوق عليهم فيها إلا العربي المسلم..فالمسلم يسخر من كل شيء و أي شيء..و لكنه لم يُجرب يوماً أن يسخر من نفسه كنوعٍ من النقد الذاتي الذي قد يؤدي إلى إصلاح الاعوجاج و ما أكثره تواجداً في الشخصية المسلمة عامةً و المسلمة من المذهب السني بشكلٍ خاص.

قد يكون أحد أهم أسباب تمادي المسلم-السني في السخرية من الآخرين هو إيمانه المطلق بأنه يملك الحقيقة المطلقة..تلك الحقيقة التي يستند في إثباتها عند حديثه مع الآخرين على أمورٍ غيبيةٍ كثيرة قيل له أنها حدثت فآمن هو بحدوثها!!..لا بأس أغلبنا يؤمن بأمورٍ لم يشاهدها فالمشاهدة لا تنفي وقوع الحدث..و لكني ذكرت هذا الأمر لأوضح أن الجميع يمارسه و من كل الطوائف و الأديان و لكن المسلم يعتقد أنه على حق عندما يفعله و الآخرون حمقى عندما يفعلونه.

فالمسلم-السني يسخر من الشيعة لأنه يعلم أنه باستثناء بلدين أو ثلاث فهم أقليةٌ مقارنةً بالمذاهب الأخرى و القانون يكتبه السني لينفذه هو كسيفٍ مسلطٍ عليهم..و هكذا نجده يسخر من ممارساتهم الدينية و شعائرهم بنكتٍ مبتذلة و مقاطع فيديو ساخرة غير عالمٍ أنه يعكس صورةً سيئة عن نفسه..فإن كان غرضه من السخرية منهم هو هدايتهم -كما يدعي دائماً و أبداً- فلن يهتدي أي شخص تبدأ الدعوة بهدايته بالسخرية من معتقداتٍ و شعائر يُقدسها..فالسخرية هنا أصبح الغرض منها هو إثبات التفوق الأجوف و هو ما يتعارض بشدةٍ مع الرُقي في الخطاب و قوة الحجة في إثبات وجهة النظر.

المسلم-السني يسخر أيضاً من البوذي لأنه يطوف حول بناءٍ حجري أو يٌقدس تمثالاً من الحجر بالرغم من أنه هو الآخر يفعل ذات الأمر!!..سيخبرني الكثيرون أن المسلم يملك الدين الحق بينما الآخرين لا يؤمنون إلا بالتُرهات..و لكن بالمناسبة هم أيضاً يفكرون بذات الكيفية..أي أنهم يرون المسلم مجرد أحمق يطوف حول بناءٍ حجري مُقدساً له و إن قال لهم أنا لا أعبد البيت و لكن رب البيت سيخبرونه أنهم لا يقدسون بوذا بل تعاليمه و ما تمثله شخصيته..فالجميع هنا يُمارس ذات الأمر بطريقةٍ أو بأخرى.

المسلم-السني يسخر من أتباع أي طائفةٍ يؤمنون بالأولياء و معجزاتهم كالصوفيين -على سبيل المثال لا الحصر- متناسياً أنه يفعل ذات الشيء عندما يؤمن بمعجزاتٍ لم يرها و لكنه سمع عنها..فهنا يتساوى الطرفان في الإيمان بما روي لهم و بما لم يروه..هو يؤمن بما قيل له أن حدث و هم يؤمنون بأن ذلك الشخص المتوفي ما زال يملك هباتٍ إلهية لا تنقطع.

المسلم-السني يسخر من الهندوسي لأنه يؤمن أن اغتساله في نهر الغانج سيمحو عنه جميع خطاياه متناسياً أنه هو الآخر يؤمن أنه بعدة كلماتٍ يرددها يومياً أو حتى بتأديته لطقسٍ ديني واحد سيمارسه ربما لمرةٍ واحدة في العمر أن كتاب خطاياه سيُعاد إرساله إليه و قد تمت إعادة تدويره.

و رغم كل ذلك نجد أن المسلم بشكلٍ عام يجد أن سخريته تلك لا تمثل إلا نقطةٍ من بحر كراهية الآخر له..تلك الكراهية التي وجدت أنها تتمثل في رسمٍ كاريكاتيري هنا أو هناك أو في فيلمٍ مسيءٍ لرسوله..المسلم يؤمن أن الآخر يمقته دونما أسباب!!..قد يحدث ذلك الأمر فالعنصرية داءٌ قد يعاني منه أي شخص و لكنه -أي المسلم- لا يريد أن يعترف أنه هو الآخر يمارسها و دون رسم كاريكاتيري.
المسلم يسخر و يسخر و يسخر و يتفاجأ عندما يرى أن الآخر يسخر منه كذلك و لكن بطريقةٍ أقل تطرفاً "قليلاً" منه..فعندما يسخر أحدهم من الرسول الكريم أو من آيات القرآن الكريم لا يحتمل قلبه "الرقيق" ذلك الأمر و لكنه في ذات الوقت يمارسه تجاه معتقدات الآخرين و مقدساتهم و دون أية رحمةٍ بهم..و حتى إن ترفع و لم يسخر منهم ظاهرياً فهو يمارس السخرية بطريقةٍ أشد خبثاً كأن يُعامل الآخر باحتقارٍ لا يليق به فقط لأنه يختلف عنه أو عن طريق مجازر جماعية يقول أن من يقومون بها لا يُمثلون الإسلام!!.

لعل أحد أكبر المشاكل الفكرية التي يعاني منها المسلم-السني ليس إمعانه في السخرية من الآخرين و المسارعة في ذات الوقت إلى لعب دور الضحية..و لكن إيمانه بأن الآخر يستحق تلك السخرية التي يراها "قليلة" مقارنةً بما يفعله الآخرون تجاهه و الذي يمارس هو أضعافه تجاههم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على وقع الحرب في غزة.. حج يهودي محدود في تونس


.. 17-Ali-Imran




.. 18-Ali-Imran


.. 19-Ali-Imran




.. 20-Ali-Imran