الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقادُ الدينِ ومِحَنُهُم (5)

مبارك أباعزي

2014 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في رصيده الفكري عشرة كتب خصصها لمحاورة الجماعات الإسلامية وتحليل الظواهر السياسية ذات الأصول الدينية، نذكر منها: "قبل السقوط"، و"الوفد والمستقبل"، و"حوار حول العلمانية"، و"نكون أو لا نكون"، و"الحقيقة الغائبة"، و"الإرهاب"، يتعلق الأمر بالمفكر المصري المغتال فرج فودة.
كان الرجل يعتبر الكلمة أقوى من الطلقة، والخطاب أقوى من السيف، والحوارَ السبيل الأوحد للتعايش بين أشخاص مختلفين في معاني القرآن. لكن خصومه كان لهم رأي آخر، فهم يعتبرونه خارجا عن الملة، لا قارئا آخر للنص الديني. اعتبروه ملحدا ومرتدا، وليس مجتهدا ممتلكا لرؤى جديدة. لهذا اغتنموا فرصة اغتياله عندما خرج من مكتبه رفقة ابنه بواسطة شابين منتميين إلى جماعة الإخوان المسلمين، أعدما بعد ذلك، بعد محاكمة دامت ستة أشهر، وأفرج عن الذي وفر لهما السلاح، بعد اعتلاء مرسي لكرسي الحكم، واستقبل في منبر تلفزي كان يفتخر فيه بقتله لفرج فودة.
لقد كانت مشكلة الخطاب الديني، على مر التاريخ، أنه يعتقد نفسه صورة طبق الأصل عن الإسلام ومقاصد الله منه، ومن ثمة فكل من ينتقد الخطاب الديني يعتبر عدو الدين نفسه. وكل من استحضر الجرائم التاريخية للحكام المسلمين ضد المعارضين يعد مجترئا على الإسلام وليس على التاريخ. فكانت النتيجة تبرير القتل من خلال القرآن، وتحريف كلمة الله عن مقاصدها، وانتشار فوضى الفتاوى، وزرع الفتنة بين أطراف الوطن الواحد.
ومن سوء حظ المفكر فرج فودة أنه عاش في بلد يستطيع فيه كل واحد أن يفتي على هواه، بلدٍ يؤدي فيه الاختلاف في الأفكار إلى هدر الدم، والتصفية، والاختطاف، بلد تمكنت منه الأصولية الإسلامية وتجذرت في اللحم والعظم. فكان من الطبيعي أن يحوِّل الأصوليون وجوده الفكري إلى عدم مادي، وبريقه في الحياة إلى خبو في الممات. لكن الأكيد أن فودة ما زال يؤثر فينا، وما زال حاضرا بيننا بأفكاره وطروحاته الجريئة التي نحاجج بها في كل مناسبة مرتبطة بمواضيع من قبيل العلمانية والدولة المدنية، ودليل ذلك أيضا ذيوع كتبه في صفوف القراء في أصقاع المشرق والمغرب.
لقد كان الرجل يريد لوطنه دولة مدنية علمانية متأسسة على حرية المعتقد والفكر، دولةً لا يستأثر فيها رجال الدين بالوصاية الدينية على الناس، دولة لا يحتكر فيها الفقهاء الحديث باسم الله، دولة يُفصل فيها بين الديني والسياسي لكي لا تتلطخ كلمة الله بأوساخ السياسة.
لكن أحلام فودة وطموحاته حطمتها رصاصة شباب لا يعرفون من القرآن سوى ألفاظه، شباب اعتبروه خارجا عن الملة مع أنهم لم يقرؤوا حرفا مما كتب، وكانت فتاوى التكفير التي كانوا يسمعونها من طائفة من المتزمتين كافية لكي يوهموا أنفسهم أن إحقاق كلمة الله منذور لهم، فعلوا ذلك وكلهم يقين أنهم طبقوا ما أراده الله، وحتى اللحظة، ما زال الشخص الذي أمدهم بالسلاح يعتقد، وقد اشتعل رأسه شيبا، أن ما قام به كان إحقاقا لكلمة الله في الأرض.
في كتابه الموسوم بـ"نكون أو لا نكون" يقول متحدثا عن المناخ السياسي المحتقن في مصر: "إن ما أسجله في هذا الكتاب شديد الأهمية في تقديري، لأنه يعكس واقع المعارك التي نعيشها، وهو سجل هام للأجيال القادمة، أكثر بكثير من أهميته لجيلنا، لأنه وثيقة شرف لجيل آبائهم، ولعلهم لن يصدقوا أننا كتبناه ونحن غارقون في اتهامات التكفير، ومحاطون بسيوف الإرهاب والتهديد، ويقينا سوف يكتب البعض من الأجيال القادمة ما هو أجرأ وأكثر استنارة، لكنه سوف يصدر في مناخ آخر، أكثر حرية وانطلاقا وتفتحا" .
ولعل اتهامات التكفير، وسيوف الإرهاب والتهديد التي تحدث عنها فرج فودة، هي التي أودت بحياته، عندما أعوزتها قوة الحجة، وافتقدت إلى القدرة على الإقناع. وقد أكد الكثير من الباحثين، ومنهم المنظر الفرنسي "تزفيتان تودوروف"، أن اللجوء إلى العنف يتم عندما يستنفد أحد أطراف النزاع كل إمكانيات الدفاع الحجاجية عما يريد، ومن ثمة فممارسة العنف هي، في البدء، هزيمة في الخطاب.
لقد كتب حسن حنفي مقالا موجزا سماه بـ"الأخطاء السبعة في الإسلام السياسي"، ومنها: الانفراد بالحكم، وأخونة الدولة، واستعمال العنف، وضياع الدولة لصالح الحزب، والتكفير. ولعل هذه الصفة الأخيرة لمن الآفات الحقيقية التي ابتلينا بها في العصر الحديث، فقبل أشهر فقط من تاريخ كتابة هذه الكلمات تم تكفير الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، وفي دول أخرى تم تكفير الشاعرين المعروفين سعدي يوسف وأدونيس، وقبلهم جميعا، عدد كبير من المثقفين المتنورين من أمثال فرج فودة وسيد القمني ونوال السعداوي وفؤاد زكريا والمستشار سعيد العشماوي وغيرهم كثير.
لقد أصبح القرآن الذي جاء لزرع الطمأنينة في نفوس الناس أداة للظلم والسبي والقتل والنهب، ومازال إلى حدود الآن يوظف لقتل الناس وإخراجهم من الملة التي هي أقدس ثروة لديهم. وإن لم يجد ظلاميو التأويل في القرآن ضالتهم في القرآن، يلجؤون إلى السنة، زاعمين أن الرسول قال وحدّث، وتجدهم يقرنون هذا بذاك ويستوي في أذهانهم التأويل الذي يريدون وتنتهي المسألة بقتلك أو تكفيرك أو سجنك أو مصادرة أفكارك. ولعل ذكرى فرج فودة لمناسبة للتذكير بما صرح به أستاذ الشريعة الأزهري أحمد كريمة في مناسبة للحديث عن فرج فودة حين قال إن السلطة الدينية في المسيحية واليهودية والإسلام سلطة غاشمة على الدوام.

https://www.facebook.com/abaazzi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة