الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقادُ الدينِ ومِحَنُهُم (7)

مبارك أباعزي

2014 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


7- سيد القمني: الغائب العائد:
بهدوء نادر يرد على خصومه في الفكر. وبثبات أندر، يضع أعصابه في حفنة ثلج ضد الإساءات التي تطال التشكيك في عقيدته. ودّع الكتابة الوداع الأخير، بعد آخر تهديد توصل به، خوفا على أسرته، لكنه ما لبث أن عاد إليها عودة العاشق الراغب، رغما عن أنف التهديدات المتوالية التي يتلقاها من أصناف التنظيمات الإسلامية.
وقد ورد في رسالة التهديد التي توصل بها ما يلي: "اعلم أيها الشقي الكفور المدعو سيد محمود القمني أن خمسة من أخوة التوحيد، وأسود الجهاد، قد انتُدبوا لقتلك، ونذروا لله تعالى أن يتقربوا إليه بالإطاحة برأسك، وعزموا أن يتطهروا من ذنوبهم بسفك دمك، وذلك امتثالا لأمر جناب النبي الأعظم صلوات ربي وتسليماته عليه، إذ يقول: "من بدل دينه فاقتلوه"". والواضح أن التهديد كان بسبب الاعتقاد الجازم بأن سيد القمني غير دينه.
وبعد أن حصل القمني على جائزة الدولة التقديرية بعد كتابته لـ"الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية"، نكرها عليه طائفة من الإسلاميين، ومنهم الداعية يوسف البدري الذي رفع دعوى قضائية ضد الدولة، لأنها منحت الجائزة لرجل طعن في الله ورسوله وقرآنه، وجعل النبوة، حسب تعبيره، كسبا وادعاء وافتراء. أما كتابه "رب هذا الزمان" فقد صادره مجمع بحوث الأزهر وعرّض القمني للاستجواب من لدن نيابة أمن الدولة العليا بسبب بعض معاني الارتداد التي اعتبروها ثاوية في الكتاب.
أما حصوله على شهادة الدكتوراه فقد تم التشكيك فيها واعتبروها أحيانا مزورة وأحيانا أخرى مشتراة، والحال أنه لا يهم، بخصوص حالة سيد القمني، إن حصل على الدكتوراه أم لم يحصل عليها، لأن فكر الرجل وكتاباته أكبر من شهادة منحتها أية جامعة في العالم. لكن الأهم من هذا كله، أن الطائفة الإسلامية، ما اختلقت مسألة الشهادة إلا رغبة في تمريغ صورة الباحث في الوحل، وهو أمر يخدم تصورها عن الدين والمجتمع، لأن سيد القمني هو من أكبر فاضحي هذا التصور، ومن أهم مفككي العلاقة غير السليمة بين الدين والسياسة.
ويحسب لسيد القمني، خلافا للكثير من نقاد الخطاب الديني، أنه كان أكثر جرأة في ملامسة القضايا الشائكة من التاريخ الإسلامي، حتى أن العناوين التي يختارها لكتبه ومقالاته تكون مستفزة للعقل المتخندق داخل شرنقة الفكر الجامد، نذكر منها مثلا: "رب هذا الزمان" و"حروب دولة الرسول" و"الدولة الإسلامية والخراب العاجل" و"المتأسلمون والوطن"، ومقال "إنها مصرنا يا كلاب جهنم". والأكيد أن لهذه الجرأة ضرائبها الكبيرة، فالرجل يعيش مصابا برهاب الاغتيال، وهذا طبيعي ما دامت تصل إليه خطابات التكفير المستمرة عبر القنوات والمساجد وغيرها، إذ ليس من المستبعد أن يصدِّق مراهق آخر -مثل المراهق الذي كانه أبو العلاء عبد ربه قاتل فرج فودة- تلك الفتاوى وينتظر فرصة الإجهاز عليه.
ومع ذلك، فما زال سيد القمني، إلى حدود هذه اللحظة، من أبرز المقاومين الشرسين لخطاب الإسلام السياسي، فالرجل ما زال حيا يرزق، خلافا لعدد من النقاد السابقين، ومازال يحاضر دون توقف، ويتم استقباله بكثافة في وسائل الإعلام السمعية البصرية، دون أن يتحرك فيه وازع الخوف والرهبة، لأنه يعتبر الخطاب الذي يروجه الإسلام السياسي سيؤدي ببلده مصر إلى الهاوية، وهو ما يستحق منه وقته وجهده وماله، بل وحياته أيضا.
كان ما سبق بيانه نبذة موجزة عن رواد نقد الخطاب الديني، وما كابدوه جراء حملات التكفير المختلفة التي يتعرضون لها كلما ناقشوا أمرا من أمور الدين، أو كلما رفضوا الانصياع لتصورات الإسلام التقليدي. غير أن هذه الدراسة محصورة في مجال الفكر، إذ هناك ما يتعلق بالجانب الإبداعي، حين نتحدث عن النصوص الشعرية والروائية التي تصور الأبطال رافضين لأمر من أمور الدين، أو متسائلين عن العلة من خلق الإنسان وغير ذلك، وهو ما تبرزه نصوص نوال السعداوي وسلمان رشدي وتسليمة ناصرين ونجيب محفوظ وعلاء وحيد وغيرهم.

https://www.facebook.com/abaazzi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي