الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النشاط الاقتصادى فى العالم الوسيط (2)

محمد عادل زكى

2014 / 8 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أما فى مصر، فيمكننا القول أنه لم يكن يوجد أى من النموذجين النقابيين البيزنطى والغربى، بالمعنى الدقيق لكلمة النقابة(36) إذ أن التجارات والحرف فى العهد المماليكى كانت شأنها شأن النقابات البيزنطية خاضعة لمراقبات خارجية صارمة ترمى إلى الاحتفاظ بنشاطات العمال ضمن بعض الحدود السياسية والاقتصادية والمالية والأخلاقية. إلا أن الإشراف لم يؤد بالنتيجة إلى تأسيس نقابات. وبصفة خاصة أن نظرة مؤسسة الحكم، باستثناء الدولة الفاطمية كما
ذكرنا، إلى العمال والحرفيين كانت يكتنفها الريب والشك. ولذلك فوضت المراقبة الأساسية على العمال والحرفيين فى المدن الإسلامية، بوجه عام، للمحتسبين. ولكن، وبمناسبة أننا نتحدث عن الحرف وطوائفها، لماذا أخذت الحرف فى الشرق فى التدهور، فى الوقت الذى انطلقت مثيلاتها فى أوروبا؟ ثمة إجابة، نشايعها، قدمها شارل عيسوى(37)، ترجع هذا التدهور أو التخلف إلى عدة عوامل أهمها:
أولاً: ضعف قاعدة الموارد فى الشرق وافتقاره إلى الخشب (وهو مادة أساسية فى فجر الثورة التقانية) وافتقاره إلى الأنهار الصالحة للملاحة وإلى الطاقة المائية وإلى المعادن، وهى التى أقيمت عليها مشروعات ضخمة جداً فى أوروبا فى العصور الوسطى المتأخرة.
ثانياً: كان هناك فقر فى الابتكارات الآلية، وفشل فى استحداث مصادر الطاقة غير البشرية.
ثالثاً: كان هناك ما يتعلق بهيكل الحكومات المختلفة وسياساتها (المماليك، العثمانيون، والصفويون)، ففى كل هذه الحكومات، كانت السيطرة فى يد العسكريين الذين كانوا عادة من أصول أجنبية. أما أفراد الطبقة البرجوازية من أصحاب المشروعات من تجار وحرفيين ونقاباتهم فلم يحصلوا أبداً على السلطة أو التنظيم الكافيين للضغط على الحكومة أو اقناعها بأخذ مصالحهم وحاجاتهم فى الاعتبار. ونتيجة ذلك، كانت الملكية الخاصة معرضة دائماً للخطر أكثر منها فى أوروبا، وكان أى مشروع ناشىء أكثر عرضة للدمار.
(9)
والآن، فلنذهب إلى فاس فى شمال أفريقيا، فى القرن الخامس عشر، ولسوف نترك الحسن الوزان، المعروف باسم ليون الأفريقى(1495-1550) يحكى لنا ماذا رأى فى الأسواق هناك:" نقابات الحرفيين بفاس مفصول بعضها عن بعض، وأشرفها يوجد حول الجامع وبالقرب منه... وإلى الغرب من ذلك نحو ثلاثين دكاناً للكتبيين، وإلى الجنوب بائعو الأحذية الذين يشغلون قرابة مائة وخمسين دكاناً، يشترون الأحذية والخفاف بالجملة من الخرازين، ثم يبيعونها بالتقسيط. ولا يبعد عنهم كثيراً الخرازون الذين يصنعون أحذية الأطفال، ويبلغ عدد دكاكينهم نحو خمسين دكاناً. وفى شرقى الجامع مكان باعة أوانى النحاس... وأمام الباب الرئيسى للجامع فى الجهة الغربية يوجد باعة الفواكه الذين يشغلون نحو خمسين دكاناً... وبعدهم الشماعون... ثم العقادون... وبعد ذلك تجد بائعى الأزهار يبيعون الليمون والحامض أيضاً... ويبلغ عدد دكاكينهم نحو العشرين... ويأتى بعد بائعى الأزهار بائعو اللبن... يشترون اللبن من البقارين الذين يعلفون الأبقار لهذه التجارة ويرسلون كل صباح اللبن... فيبيعه اللبانون فى دكاكينهم، وما بقى لهم منه فى المساء والصباح، اشتراه منهم تجار ليصنعوا منه الزبد من بعضه، ويتركوا البعض الآخر يتحمض ليبيعوه للزبائن لبناً حامضاً ورائباً... يأتى بعد اللبانين بائعو القطن الذين يبلغ عدد دكاكينهم ثلاثين. وإلى الشمال منهم بائعو مصنوعات القنب. يأتى بعد ذلك صانعو النطق الجلدية والخفاف والأزمة الجلدية المطرزة بالحرير للخيل أيضاً. وتجد بعدهم صانعى المشــــدات الذين يصنعون أغمـــــدة السيــــوف والمواسى وأغطية صدور الخيـل، فبائعى الملــــح والجبص يشترونهما بالجملة ويبيعونها بالتقسيط، ثم بائعى الأوانى الخزفية ذات الصنعة المتقنة والألوان الزاهية... ويبلغ عدد دكاكينهم مائة... ثم نصل إلى مجمع الحمالين، ويبلغ عددهم ثلاثمائة حمال، ولهم أمين أى رئيس، يختار كل أسبوع من يجب عليهم أن يشتغلوا ويكونوا رهن إشارة الجمهور طوال الأسبوع. يجمع هؤلاء الرجال ما ربحوه من مال فى صندوق... ويقسم المال بين الذين اشتغلوا عندما ينتهى الأسبوع... ويشتغل هؤلاء وهم لابسون ثياباً قصيرة ذات لون واحد، ويلبسون خارج أوقات عملهم ما يشاؤون... ويأتى إلى جهة الشمال سوق الخضر... ثم سوق الدخان حيث تباع الفطائر المقلية فى الزيت... ولبائعى الفطائر فى دكاكينهم عدة آلات وغلمان، لأنهم يصنعونها بعناية فائقة، ويبيعون منها يومياً كمية كبيرة... ويباع كذلك فى السوق اللحم والسمك المقليان... ويأتى بعد ذلك باعة الزيت والسمن المالح والعسل والجبن الطرى والزيتون والليمون والجزر... ودكاكينهم مليئة بأوانى الخزف المايورقى، تفوق قيمتها قيمة ما تحويه من بضاعة. وتباع جرار الزبد والعسل بالمزاد، والدلالون حمالون مختصون يكيلون الزيت عندما يباع بالجملة. وتسع هذه الجرار مائة وخمسين رطلاً، والخزافون ملزمون بصنعها فى حجم هذه السعة تماماً، فيشتريها منهم رعاة المدينة ويملأونها ثم يبيعونها من جديد... وعلى مسافة قريبة يوجد الجزارون فى نحو أربعين دكاناً مرتفعة على شكل دكاكين الحرف الأخرى، يفصلون اللحم ويزنونه فى الموازين. ولا تذبح البهائم فى دكاكين الجزارين، بل فى مجزرة بجوار النهر حيث تسلخ وتحمل إلى الدكاكين بواسطة حمالين تابعين للمجزرة. ولكن قبل أن تحمل الذبائح لا بد من عرضها على المحتسب الذى يأمر بفحصها ويسلم بطاقة مكتوباً عليها السعر الذى يجب أن يباع به اللحم. ويلزم الجزار أن يلصق هذه البطاقة على اللحم بحيث يتمكن الجميع من رؤيتها وقراءتها. ونجد بعد الجزارين سوق الأقمشة الغليظة البلدية محتوياً على نحو مائة دكان. وإذا أتى أحدهم بقطعة فماش ليبيعها، فعليه أن يسلمها لدلال يضعها على كتفه ويذهب من دكان إلى آخر منادياً على الثمن. وعدد هؤلاء الدلالين ستون... ويحقق هؤلاء أرباحاً طيبة. ويأتى بعد ذلك صقالو الأسلحة من سيوف وخناجر ورماح... ويقوم بعضهم بصقلها وبيعها، ثم الصيادون يصطادون السمك... ويوجد بعيداً من هناك بائعو الصابون السائل... ولا يصنع هذا الصابون فى المدينة، بل فى الجبال المجاورة... وعلى مسافة أبعد نجد باعة الدقيق... ثم جماعة بذور الحبوب والخضر... وبعدهم باعة التبن... ثم سوق خيط الكتان. فإذا سرت من سوق الدخان على خط مستقيم وجدت صانعى الدلاء الجلدية التى تستعمل فى المنازل التى بها آبار، ويشغلون نحو أربعة عشر دكاناً. ثم صانعى الظروف التى يخزن فيها الدقيق والقمح، ولهم نحو ثلاثين دكاناً، ثم الإسكافيين وبعض الخرازين الذين يصنعون نعالاً خشنة للفلاحين وعامة الشعب، ويشغلون نحو مائة وخمسين دكاناً. وبعدهم صناع التروس... ثم الذين يغسلون الثياب، وهم من فقراء القوم، لهم معامل ثبتت فيها أوان كالأحواض فى الكبر..."(38)
ويمكننا أن نستخلص من حكى الوزان: أننا أمام مجتمع تجاوز منذ عهود بعيدة جداً اقتصاد المنزل. وأصبح الإنتاج، كقاعدة عامة، من أجل السوق وليس من أجل الاشباع المباشر. كما أن الرأســـمال يؤدى الدور الحاسم فى تبادل السلع فى الســـوق. والمهــم أن عالمنا المعاصــــر لا ينفردبالتخصص وتقسيم العمل، أو ظاهرة بيع قوة العمل(39)، إنما نفس الظواهر نجدها بوضوح فى السوق الفاسى. المدينة، والبادية عن الحضر. كما نفهم أيضاً أن الدولة مارست رقابة الجودة، وبسطت سلطانها على الأسواق وأحكمت رقابتها بصفة خاصة على الأسعار والحيلولة دون انفلاتها من جهة، ومنع الاحتكار من جهة أخرى.
ولقد لخص ابن الحاج (1250- 1335) تصنيف صناع النسيج من جهة الاستقلال والتبعية، فكتب:"إما أن يكون صانعاً يعمل بالأجرة عند غيره، وإما أن يكون يعمل لنفسه وهو أيضاً على قسمين أحدهما أن يكون الناس يأتونه بالغزل ينسجه لهم والقسم الثانى أن يشترى الغزل وينسجه لنفسه ويبيعه" (40).
(10)
وقبل أن نغادر العالم الوسيط، الإقطاعى، إلى العالم الحديث، الرأسمالى، يتعين، منهجياً، أن نزور غرب أوروبا، إنما ابتداءً من كونها أحد الأجزاء التى يتكون منها العالم. وليس العالم نفسه! وعلى الرغم من كوننا تحدثنا فى بداية الفصل عن الإقطاع؛ إلا أننا هنا سنكون أقل تجريداً وأكثر تركيزاً بشأن الحديث عن الإقطاع تحديداً فى غرب أوروبا؛ بغرض استكمال الصورة الكلية.
ويتطلب فهمنا للكيفية التى من خلالها تم انتقال أوروبا من العالم القديم، العبودى، إلى العالم الوسيط، الإقطاعى، أن نتعرف على الأسباب، المدرسية ربما، التى أدت إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية. ويرى جيبون(1737- 1794) أن أسباب إنهيار الامبراطورية الغربية يمكن حصرها فى: عوامل الطبيعة مثل العواصف والزلازل والفيضانات والحرائق، وهجوم القبائل الهمجية مثل القوط والوندال على أطراف الإمبراطورية، والسفه والبذخ والإسراف، وأخيراً النزاع الداخلى بين الرومان أنفسهم(41).
وحينما تنهار الإمبراطورية الرومانية، وفقاً لهذه الأسباب أو غيرها، وكما ذكرنا سابقاً، تنتشر الفوضى وثقافة العنف ويحل الصراع المسلح وبحور الدم محل الاستقرار والسلام والأمن، ويصبح الأقوى سيد الموقف فارضاً سطوته على ما شاء من أراضى شاسعة بما عليها وبمن فيها بشر. ولمن يؤثر السلامة من هؤلاء البشر الضعفاء أن يسلم أرضه طواعية إلى الأقوى، أو يتحول إلى فلاح فى أرض المسيطر الجديد، أو يفعل الأمرين معاً. حينئذ تنتقل السلطة الحقيقية إلى أيدى الأعيان المحليين، السادة الجدد، الذين أصبحوا سادة على فلاحيهم يتولون النظر فى شئون مستأجريهم القضائية ويقررون الضرائب، كما يقررون زواجهم وطلاقهم(42).
شكلت طبقة الفلاحين القاعدة التى قام عليها هرم المجتمع الإقطاعى، وتألفت، كما ذكرنا، من ثلاث فئات هى: فئة العبيد، وفئة الفلاحين، وفئة الأقنان أو رقيق الأرض. فكانت فئة العبيد فى أوروبا الغربية فى المرحلة الوسطى من العصور الوسطى(800-1200) أقل عدداً من فئة الفلاحين الأحرار وفئة الأقنان، واقتصر عمل العبيد على الخدمة المنزلية والعمل الزراعى فى أراضى بعض الأسياد الإقطاعيين. ويمكن القول أن العبودية قد تلاشت فى إنجلترا قبل القرن الثالث عشر، بينما ظلت موجودة طوال العصور الوسطى فى إسبانيا وإيطاليا وجنوب فرنسا، وكانت العبودية فى الدويلات البابوية أقرب إلى الزيادة منها إلى الزوال بنهاية العصور الوسطى؛ حيث شرّع العديد من الباباوات العبــــودية كعقوبة لخصومهم السياسيين، بالإضافة إلى الرخصة، الكنسية، بتجارة العبيد. وهو الأمر الذى عمل الكثير من كبار الإقطاعيين على الحصول عليه كرخصة تخول لهم تحويل بعض الأحرار الفقراء إلى أرقاء. أما فئة الفلاحين الأحرار، فيمكننا القول بأنها كانت قليلة العدد داخل طبقة الفلاحين، فقد وجد فى القرى الأوروبية بعض الفلاحين الأحرار الذين يملكون مساحات محدودة من الأراضى الزراعية، ولهم حرية بيعها أو شراء أرض أخرى. وكان لهؤلاء الفلاحين الأحرار الحق فى حمل السلاح وفى تزويج بناتهم أو إلحاق أبنائهم بسلك الكهنوت دون التقيد بموافقة السيد الإقطاعى، بالإضافة إلى حريتهم فى بيع مواشيهم ومحاصيلهم وفق ما تتطلبه مصالحهم الخاصة. وكان معظم الفلاحين الأحرار أتباعاً يدفعون لسادتهم الإقطاعيين ريع الأرض نقداً أو عيناً، ويلتزمون فى أحوال كثيرة بأن يؤدوا لهم خدمات متنوعة، ما عدا الخدمة العسكرية. وخضع هؤلاء الأحرار لقضاء السيد المحلى الذى استمد سلطته من الملك. ولقد عاشت فئة الفلاحين الأحرار فى ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية بوجه عام، مما أدى إلى تحول معظم هؤلاء الأحرار إلى فئة الأقنان. أو عبيد الأرض. وقد عدد لنا أحد كتاب العصور الوسطى(43) مختلف الأسباب التى آلت بالفلاحين الأحرار إلى مرتبة القنية، وأهمها:
1- من الجائز أن يكون السيد الإقطاعى قد طلب من الفلاحين الأحرار الاشتراك بحرب فرفضوا، فعاقبهم بإنزالهم إلى مرتبة القنية. أو أن يكون العقوبة صادرة من الكنيسة ضد الفلاح الحر لسبب أو لآخر.
2- بيع بعض الأحرار أنفسهم للأسياد الإقطاعيين. فكثيراً ما كان يذهب فلاح حر فقير إلى أحد السادة الأغنياء ويقول له أعطنى مقدار كذا، فأصبح رجلك وأكون رهينة لك.
3- كان الكثيرون من الفلاحين الأحرار يدخلون عالم القنية بغية الدفاع عن أنفسهم ضد طاغية أو عدو محلى، وذلك بتسليم أنفسهم إلى رجل قوى يحميهم.
4- كثيراً ما كان بعض الفلاحين الأحرار يهبون أرضهم وأنفسهم لكنيسة أو دير ويصبحون أقناناً تابعين لتلك الهيئة.
ولذا، فقد شكلت فئة الأقنان، أو رقيق الأرض، القسم الأكبر من طبقة الفلاحين فى أوروبا الغربية، وكان هذا القن مرتبطاً بالأرض كما كانت الأرض مرتبطة به، فهـو لا يستطيع تركها إلا بالهـــرب منها، ويسمى العبد الآبق(44)، أو بشراء حريته بالمال إذا وافق السيد الإقطاعى، كما أن هذا السيد لا يستطيع طرده منها إلا فى حالة رفضه أداء واجباته القانونية أو ارتكاب جريمة ما. ويمكن تقسيم واجبات القن تجاه سيده إلى ثلاثة أقسام، هى: الخدمات، والمقررات والاحتكارات. والخدمات هى أعمال السخرة التى يفرضها السيد على أقنانه من عمل فى الأرض وحصاد الزرع وجمع المحصول والاشتراك فى شق الطرق وحفر الخنادق وإنشاء الجسور... إلخ. أما المقررات، فهى الضرائب ومنها ضريبة الرأس التى تقرر على كل قن سنوياً، وضريبة العُشر التى تلزم القن بتقديم عُشر إنتاج الأرض من الحبوب والفاكهة... إلخ، وعشر إنتاج الماشية والطيور والأسماك... إلخ. أما الاحتكارات، فقد احتكر السيد الاقطاعى لنفسه بعض المؤسسات وفرض على أقنانه التعامل معها، ومنها: الطاحونة، والفرن، والمعصرة، وبئر الماء. وكان كل قن ملزماً، كما ذكرنا، بطحن حبوبه فى طاحونة السيد، وخبز عجينه فى أفرانه، وعصر عنبه وزيتونه فى معصرته، وذلك مقابل أجر معين نقدى أو عينى. وفى أواخر القرن الحادى عشر أخذت فئة الأقنان تتلاشى تدريجياً لعدة أسباب أهمها:
1- فتحت الحملة الصليبية الأولى الباب أمام نحو عشرة آلاف قن تركوا أرضهم للإشتراك فى تلك الحملة(45).
2- فتحت نشأة المدن وتطورها فى المجال الصناعى والتجارى باباً جديداً أمام الأقنان لهجرة الأرض والنزوح إلى تلك المدن.
3- أخذ كبار الملاك يحـــررون أقنانهم بالجملة، بعد أن ثبت لهم أن الاعتماد على جهـــود الأقنان غير اقتصادى، وانه من الأجدى لهم استخدام عمال زراعيين مأجورين. وفى مرحلة تالية تم تحويل الريع العينى إلى ريع نقدى(46).
ويمدنا الجدول الاقتصادى(47) لفرنسوا كينيه (1694- 1774) بفكرة ممتازة عن دور الرأسمال (م ع + أ ع + ق ع) وقانون حركته (ن -- و أ + ق ع -- س -- نَ)
فى الاقتصاد الإقطاعى، إذ يعد الجدول الاقتصادى، كما ذكرنا، النموذج الأعمق تعبيراً عن تحول النقود إلى رأسمال حتى فى ظل النظام الإقطاعى المبنى على الزراعة، التى يعتبرها كينيه العمل الوحيد المنتج. إذ على مستوى البدء فى النشاط الاقتصادى يوضح كينيه أنه من اللازم وجود قدر من الرأسمالAvances Annulles للحصول على المواد الأولية التى يجرى تحويلها فى أثناء العملية الإنتاجية، وقدر آخر من الرأسمال Avances Primatives للحصول على أدوات الإنتاج المعمرة التى تستخدم فى أكثر من عملية إنتاجية كالمبانى والألات، وقدر ثالث من الرأسمال الذى يلزم لإستصلاح الأرض وتحسينها وشق الترع والمصارف. وعقب إتمام العملية الإنتاجية يتمكن العمل الزراعى من تحقيق فائض. هذا الفائض سيتم توزيعه من خلال نوعين من التدفقات: تدفق عينى. وتدفق نقدى. ويتم توزيع وتداول الناتج بشكليه بين الطبقات الاجتماعية الثلاث التى حددها كينيه، وهى الطبقة المنتِجة والتى اعتبرها ممثلة فى طبقة المزارعين، وطبقة كبار الملاك وهم الملك والحاشية وكبار رجال الكنيسة، والطبقة العقيم وهى التى تضم أصحاب المهن والحــرف وغيرهم من الذين لا يضيفون على الناتج. فالنجار مثلاً، يمكننا أن نراه فى نظر كينيه، غير منتِج لأنه لا يضيف على الناتج، فكل ما يفعله هو إعادة تشكيل مادة موجودة سلفاً فى الطبيعة، على العكس من العامل الزراعى الذى يضيف إلى الناتج الاجتماعى السنوى ويحقق بعمله فائض زراعى، يستخدم جزء منه فى تجديد الإنتاج، وجزء آخر يستخدم، بعد بيعه وتحويله إلى نقود، فى دفع الريع إلى كبار الملاك العقاريين.
إن ما نستخلصه من الجدول الاقتصادى، بوجه عام، هو وجود النقود التى سوف تكتسب صفة الرأسمال، كما توجد قوة عمل مأجورة، وطبقة منتجة للفائض، وطبقة أخرى تعيش على هذا الفائض، العينى والنقدى، دون مشاركة فى العملية الإنتاجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مناظرة تلفزيونية -ساخنة- بين رئيس الوزراء البريطاني وزعيم ال


.. إسرائيل تعلن توقيع صفقة مع واشنطن لشراء 25 مقاتلة اف-35




.. فتيات يتدربن داخل الملعب البلدي في الرقة على رياضات عدة | #م


.. أبرز محطات التصعيد الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل على طرفي ال




.. متطرفون يحييون الذكرى السنوية الـ57 لاحتلال القدس الشرقية