الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما معنى مفهوم الخلافة الاسلامية؟1

خالد حسن يوسف

2014 / 8 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


علينا أن نحرر المفهوم, ما المقصود بالخلافة ؟ هل يعني ذلك أن يجتمع المسلمين تحت مظلة نظام سياسي موحد ؟ إذا كان المقصود بالخلافة ذلك, فاهذا ليس عمليا حتى إذا تحققت, نعم هو قولا واحدا لا يمكن ذلك, حيث تمنع ظروف التعدد والخصوصيات وتباين المصالح تحقق مثل هذه الخلافة.

المسلمين يجمعهم الدين الاسلامي وبينهم فوارق حياتية عديدة, وإذا ما تم شكل ما من الصيغة الامبراطورية الاسلامية فيما مضى, فقد تمت لعدة أسباب منها الظروف الموضوعية لذلك الزمان, إلى جانب فرضها بالقوة المسلحة والناعمة من قبل الخلفاء الصحابة, والسيطرة العسكرية والسياسية من قبل (الأمويين,العباسيين,العثمانيين) مثالا.

ومفهوم الخلافة سياسي وليس من تعاليم الاسلام الصريحة أو مقاصده جملتا, رغم محاولة البعض تأويل آيات القرآن والسنة النبوية لخدمة ذلك, الاسلام طرح على المسلمين صيغة التعاون والوحدة فيما بينهم ولم يحددها وقد تركها لرغباتهم ومصالحهم, وليس حصرا أن يؤسسوا إمبراطورية ينضوي عموم المسلمين تحتها, بل حدد للمسلمين معالم ومضمون وحدتهم.

وفي حال مقارنة المسلمين والأوروبيين يحضرنا أن الأوروبيين جربوا نمط الامبراطوريات والتي نافست بعضها البعض ونافست الآخر, وأحتلوا بعضهم البعض وأحتلوا العالم, وفي نهاية الأمر وجدوا عدم واقعية النماذج الإمبراطورية المباشرة, فأقاموا وحدتهم انطلاقا من الجذور عبر التعاون الاقتصادي فالسياسي وفي ظل توازن القوى فيما بينهم, لذلك نجح نموذجهم في الاتحاد والقابل لتطور المستمر, وهو قادر على الإستمرار كون كل دولة ترى ذاتها في سياق البنيان الوحدوي الديمقراطي كشركاء وليس كمراكز قوى أو بعض المهمشين في ظل واقع إمبرطوري, وأن كان ملحوظا أن القوى المنضوية تحت هذه النماذج لا تخلوا من ممارسة النزعة الامبراطورية مع الشعوب الأخرى والتي يمثل واقعها الراهن بأرضية خصبة لتفعيل الممارسات الإمبراطورية على كياناتها.

وسر نجاح النموذج الأوروبي يكمن في أنه يستوعب الآخر على سبيل المثال إجتماعيا وفكريا,اقتصاديا وسياسيا, أما نموذج الخلافة فكان استبدادي ولم يراعي إختلاف الفروق الاجتماعية, فاصبح دين الاسلام والمسلمين في الصدارة على الآخرين وما يمثلون وهو ما يتعارض مع روح الاسلام في الجوانب الأخلاقية,الحقوقية, ناهيك عن جوهر العقيدة ذاتها, وعرقيا أصبح العرب بالعرق الكريم وذو الحظوة على غيره, واقتصاديا أصبح الآخرين ينتجون والنخبة العربية تحصد !, وفي مرحلة متاخرة أصبح دور العرق الطوراني التركي بالبديل للعربي, ناهيك أن صيغة الخلافة قد تسببت في مراحل تاريخية بمحاولة بعض المغامرين بدورهم للحصول على فرص موازية للإستيلاء على الخلافة.

كما أن ضرورة الدقة في المقارنة تملي في تفهم الظروف الموضوعية لكل من نموذج الخلافة التاريخي والأوروبي المعاصر وتفهم أن كل منهما قد جاء في سياق تاريخي مختلف في تفاصيله, وأن الاشكالية ليست في المقارنة بينهم بقدر ما تكمن في محاولة إعادة إنتاج نموذج الخلافة.

لدى يتطلب الأمر التفكير في وحدة المسلمين عبر وسائل منطقية وعملية وتخدم الجميع, أما الخلافة المشار إليها فلا بارك الله فيها ولا أعادها.

وأما خلافة الصحابة فكانت تجارب صالحة في زمانهم وبيئتهم وما عادت تصلح اليوم, نظرا لإختلاف ظروفهم الذاتية والموضوعية عن من تلاهم كمسلمين, أيضا أتسمت تجربتهم بطابع الديني والفردي الاجتهادي فيما يخص الشأن العام, وهو ما لا يمكنه أن يستقيم في العالم المعاصر والمستقبل البشري, حيث تتطلب الأمور إلى المنهجية والمنظومة المؤسسية والقانونية بدلا عن الرؤية الفردية التي لا يمكن الأخذ بها في ظل عالم يتجه إلى تكريس قيم المواطنة والمساوأة وسرعة الإيقاع, وهو ما يتباين مع تجربة الصحابة والتي كانت الغلبة فيها للمسلم على ما دونه من المواطنيين وقوة المركزية كنظام سياسي ومرجعية الخليفة في كل من الشأن الديني والسياسي.

كما أن غياب المؤسسات الممثلة لعموم المجتمع الاسلامي, كانت السبب الرئيسي في الصراعات الدموية التي تمت ما بين المسلمين في عهد كبار الصحابة, فعلى سبيل المثال ثورة أهل مصر,العراق والشام على عهد الصحابي الجليل "عثمان بن عفان", كانت إشارة واضحة لغياب المؤسسية وغلبة المركزية, وشعور بعض المسلمين أنهم ليسوا محل تمثيل في نظام الخلافة القائم أنذاك وبغض النظر عن مدى مصداقية "عثمان" كحاكم, كما يمكن اعتبار مراحل حكم الصحابة الأربعة ومعها الفترة القصيرة "للحسن بن علي بن أبي طالب", بالبذور الأولى المؤسسة لحكم الخلافة(الامبراطوري) والذي ترسخ فيما بعد بقوة.

في حين أن الدولة المؤسسية الوطنية لا تتجه عادتا إلى فرض ذاتها على جوارها الجغرافي, ولا تقف عند شخص الحاكم بقدر ما تركز على الشرعية القانونية,المواطنة وتداول السلطة والفصل ما بين السلطات, وبالنسبة للحاكم خضوعه للتزام بالنهج القانوني العام المتعارف عليه في أوساط المجتمع, والذي بدوره يمنح الشرعية لحكم غير المسلم للمجتمع المسلم إنطلاقا من عقد المواطنة الجمعي, والذي يتساوى أمامه المواطنيين بغض النظر عن إختلافات أعراقهم وأديانهم وخصوصياتهم الأخرى, وهو ما لن تحققه أية خلافة اسلامية مع فرض تحققها في المستقبل, خاصة وأن الأدبيات الفقهية المتعلقة بمسألة الخلافة ليست بجاذبة على المستوى الانساني والحقوقي.

وفي واقع المسلمين لمدة قرون, حدث أن أنقسموا لطوائف وفرق عديدة وبتالي تشكل إرث متابين لديهم وبه تعدد الرؤى تجاه قضية الخلافة الاسلامية فيما بينهم, فمثلا الشيعة الامامية الاثنى عشرية يعظمون دور الخلافة والحاكم من خلال نظرية الولي الفقيه والتي كرسها الإمام "الخميني", قبل رحيله, وعبر الكم الكبير من تراثهم الفقهي المتراكم.

بدورها فرق السنة من المسلمين في أحاديثهم (الروايات) يعظمون دور الحاكم والمقصود به الخليفة أو الأمير, وبتالي نرى الإشارة في أدبياتهم إلى ضرورة قيام الخلافة (الامبراطورية) الاسلامية.

والمحصلة هي أن الإختلافات المذهبية الفقهية بين المسلمين تعتبر بأكبر عائق لقيام الخلافة (الامبراطورية) ذاتها, فالخلاف العقائدي بين السنة,الشيعة,الاباضية,الدروز, يحُول فقهيا وعقائديا دون التوحد تحت سقف الخلافة, خاصة وأن هذه الفرق المسلمة ترى كل منها, أن هناك موقف عقدي يحُول دون إنضوائها تحت سلطة مذهب عقدي مخالف لمذهبها الفقهي, أو الحكم المجازي من قبل المواطن المخالف في الدين, ناهيك أن بعض المسلمين ينظرون إلى فرق مسلمة كالإسماعيلية,العلويين والدروز بأنهم ليسوا بمسلمين, عوضا عن التكفير المتبادل ما بين السنة,الشيعة(الإمامية),الاباضية.

كما أن عامل التراث الاجتماعي يلعب دوره في عدم تحقق قيام الخلافة, حيث هناك التنافس القومي بين العرب,الأتراك,الفرس والأمازيغ, إضافة لنظرة الجمعية من قبل هؤلاء على سبيل المثال للبشرة السوداء المسلمة, والنظر إليها بمنظور العبودية والدونية, وهو ما يمثل بواقع اجتماعي معاش, حيث هناك مسلمين باكستانيين,عراقيين,يمنيين,خليجيين عرب,نوبيين مصريين ومواطنيين في شمال افريقيا, إذ يعيش هؤلاء واقع التهميش الشامل من قبل القوميات والأنظمة السياسية التي يعيشون تحت ظلها.

بدوره العامل الاقتصادي أوجد في الحياة المعاصرة فوارق اقتصادية طبقية ما بين المسلمين, وقد أفضى الواقع إلى أمثلة منها تقدم مسلمي دول الخليج العربي,بعض دول جنوب شرق آسيا وتركيا اقتصايا مقارنة مع غالبية المسلمين. وفي حين حقق مسلمي الخليج ذلك من خلال طفرة النفط وما نتج عنها, فإن النموذج الثاني الآسيوي والثالث التركي, حققا ذلك بالكفاح والإبداع الانساني والإستفادة من معطيات الموقع الجغرافي.

وهذه النماذج المذكورة على صعيد الواقع المعاش, ليست في وارد التنازل عن التفوق الذي وصلوا إليه بفعل الإستفادة من مواردهم الاقتصادية والتنازل عن معطيات تفوقهم الاقتصادي لبقية المسلمين, وذلك بداعي تحقق الخلافة الاسلامية والتي سيصبحون في حال تكريسها بعبارة عن صندوق ضمان اجتماعي يوزع المساعدات الخيرية على بقية المسلمين الأضعف اقتصاديا, وهو ما يشكل بواقع سلبي قائم في الراهن في ظل حضور الخصوصيات القطرية.

نعم الوحدة الاسلامية ضرورة تتطلبها وتمليها الحاجات المشروعة للأمة الاسلامية على شتى المستويات, وهي تتطلب التدرج في سبيل العمل بها, إذ تمثل منظمة المؤتمر الاسلامي بنموذج مبدئي لشكل التعاون الاسلامي ومن ثم تطويره إلى مستوى متقدم في مراحل منظورة على غرار الاتحاد الأوروبي أو الانطلاق من تصور أخر مشترك يقوم على مراعاة الخصوصيات المتعددة لشعوب الاسلامية.

مما يفرض حتمية المواطنة والتعددية الديمقراطية لاسيما في المجالين الاجتماعي والسياسي, وفي ظل وجود تباين الخصوصيات والذي يجب مراعاته, وهو ما يعني تقاطع الاسلام والعلمانية, خاصة وأن هناك شعوب عديدة لها ديانتها وتشارك المسلمين في الموطن والقرار المشترك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: يجب أن نقضي على -حماس- كما فعلنا مع -بن لادن-


.. يحيى سريع: نفذنا عملية مع المقاومة الإسلامية بالعراق ضد هدف




.. عشرات اليهود الحريديم يغلقون شارعاً في تل أبيب احتجاجاً على


.. بابا الفاتيكان يحذر من تشريع المخدرات ويصف التجار بـ-القتلة-




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: المسلمون خائفون واليهود منقسم