الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد السياسى علم قانون القيمة

محمد عادل زكى

2014 / 8 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ما هو الاقتصاد السياسى؟
من اليسير على الملاحظ أن يرصد هذا العالم الهائل من السلع الذي نعيش فيه، فكل حياتنا صارت مرتبطة بحالٍ أو بآخر بالسلع؛ كي نُنتج. كي نَستهلك. كي نُبادل، كي نُهادي، كي نَهدم، كي نبني... إلخ؛ لا بد من السلع. والسلع، بشكل مجرد، ليست سوى عملية ضم وفصل لمواد موجودة سلفاً في الطبيعة.

ولكي يمكن اعتبار هذه العملية من الضم والفصل عملية إنتاج سلعي؛ يتعين أن يكون الهدف من وراء هذا النشاط هو الإنتاج من أجل السوق. من أجل التبادل النقدي. من أجل البيع. وليس من أجل الإشباع المباشر. فالفلاح الذي يُنتج خبزاً ليأكله لا يُنتج سلعة. والواقع أن الفلاح لم يعد يُنتج كي يأكل. فلم يعد الهدف الرئيسي للنشاط الاقتصادي هو الاشباع المباشر، إنما بات الهدف هو إنتاج السلع من أجل السوق. من أجل البيع، ومن ثم الربح. ولأن الربح هو الهدف النهائي من وراء النشاط الاقتصادي؛ فلا يتعين على الرأسمالي، ولا يتعين علينا أن ننتظر منه، أن يَعمل على اشباع الحاجات الاجتماعية! فكل ما يعني الرأسمالي هو تحقيق أقصى ربح ممكن بأقل كلفة ممكنة.

وفي السوق لا تظهر فقط السلع المادية إنما تظهر كذلك سلع الخدمات، مثل النقل والمواصلات والتعليم والطب والسياحة وأعمال المصارف... إلخ، وجميعها تُعد من قبيل العمل المنتِج. إذ لم تَعد ثروة المجتمعات، مع نمط الإنتاج الرأسمالي، تزيد بفضل الإنتاج السلعي فحسب، إنما تزيد أيضاً بسبب إنتاج سلع الخدمات. فثمة بلدان تَعتمد كليةً تقريباً على أعمال المصارف أو السياحة أو التسوق، وربما الدعارة؛ التي صارت سلعة مطروحة في الأسواق العالمية!

ويشترط كي يكون العمل منتِجاً، مع الرأسمالية: أن يزيد القيمة، مع التمييز بين الأخيرة وبين الثروة، على الصعيد الاجتماعي. فالطبيب الذي يعمل في أحد المؤسسات الطبية بأجر يُعد عاملاً منتِجاً، كما العامل الذي يعمل في مصنع للحديد والصلب. فالإثنان مأجوران ويُنتجان قيمة زائدة.

فالرأسمالي، صاحب المؤسسة أو المصنع، يشتري قوة عمل الطبيب أو العامل، ويوفر لهما مواد العمل وأدوات العمل، وفي نهاية اليوم أو الأسبوع أو الشهر يدفع لهما الأجر، بغض النظر عن الحالات التي عالجها الطبيب والمنتجات التي أنتجها العامل.

فلقد اشترى الرأسمالي قوة العمل، ولم يشترْ العمل نفسه. والتفرقة بين قوة العمل والعمل تتيح، بمفردها، فهم كيف تزيد القيمة. وحينما نسأل: كيف تزيد القيمة؟ نكون أمام أول مستوى من مستويات ظهور الاقتصاد السياسي. مستوى القيمة. إذ ظهر الاقتصاد السياسي كي يوضح كيف تزيد القيمة. فالرأسمالي يشتري مواد العمل بـ 3 وحدات، وأدوات العمل بـ 3 وحدات، وقوة العمل بـ 4 وحدات، ولكنه لن يَفعل ذلك إلا بقصد الربح. فإذ ما وجدَ بين يديه، بعد الإنتاج وقبل البيع، نفس الـ 10 وحدات، التي بدأ بها، فلن يقّدم على هذا الاستثمار بالأساس. فماذا يفعل؟ إن ما يمكنه فعله هو أن يدفع للعامل هذه الـ 3 وحدات، ويأخذ منه عملاً يساوي 6 وحدات، والفارق بين ما دفع الرأسمالي للطبيب، وما أنتجه هذا الطبيب أو العامل هو القيمة الزائدة. وهي على هذا النحو يمكن أن يستخلصها الرأسمالي من الطبيب كما العامل تماماً.

ولكن، هل استخلاص هذه الزيادة في القيمة من الشغيلة المأجورين يخضع لهوى الرأسمالي؟ أي: هل هو الذي يُحدد، بإرادته المستقلة والمنفردة، مقدار ما سوف يختص به من القيمة الزائدة؟ أم أن هذه القيمة الزائدة تخضع لقانون موضوعي يحكم عملها فى إطار النظام الرأسمالي؟ وهل هذا القانون يرتبط عمله بإطار سوق معين، المنافسة الكاملة مثلاً؟ أم هو قانون موضوعي من قوانين النظام نفسه، يحكم عمل هذا النظام في الأسواق كافة، بما فيها الأسواق الاحتكارية؟

الإجابة على هذه الأسئلة تمثل المستوى الثاني لظهور الاقتصاد السياسي. مستوى الإنتاج. إذ ظهر الاقتصاد السياسي كي يُقدم إجابات تكشف عن القوانين الموضوعية التي تحكم الأرباح فى النظام الرأسمالي، ومن ثم تقديم إجابات على الأسئلة التى تثيرها إشكاليات تجدد الإنتاج الاجتماعي.
فلنعد إلى الوحدات التي زادت. ما هو اتجاه هذه الـ 6 وحدات الزائدة التي تحققت بفضل العمل؟ كيف يتم توزيعها؟ هنا يتبدى المستوى الثالث من مستويات ظهور الاقتصاد السياسي. مستوى التوزيع. فإذ ما افترضنا أن الأرض التي شيّد عليها الرأسمالي مصنعه مؤجرة، وأفترضنا أيضاً أن الرأسمال الذي يستثمره الرأسمالي هو رأسمال مقترض من أحد المصارف، فيمكننا تتبع اتجاه هذه الزيادة في القيمة. إذ سوف يتم توزيع الزيادة التي تحققت اجتماعياً بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، كالأتي:
أولاً: طبقة ملاك الأراضي ستحصل على نصيبها في صورة ريع. الذي هو ثمن التخلي عن منفعة الأرض.
ثانياً: طبقة الرأسماليين الماليين ستحصل على نصيبها في صورة فائدة. الذي هو ثمن التخلي عن السيولة النقدية.
ثالثاً: طبقة الرأسماليين الصناعيين ستحصل على نصيبها في صورة ربح. الذي هو ثمن المغامرة، وتحمل مخاطر المشروع.

أي أن القيمة الزائدة سوف تتوزع في صورة دخول للطبقات الاجتماعية المختلفة المشاركة، وغير المشاركة فعلياً، في عملية الإنتاج. وابتداءً من هذا التوزيع، على الصعيد القومى الداخلي، تتم عملية تجديد الإنتاج الاجتماعي. الاقتصاد السياسي يفترض هنا أن الاقتصاد مغلق، أي لا يقيم علاقات تبادل خارجية مع بلدان آخرى. كما يفترض سيادة المنافسة الكاملة. فهل يختلف الأمر إذ ما أدخلنا اعتبارات التبادل الخارجي في التحليل، ثم انتقلنا بمستوى هذا التحليل من أسواق المنافسة الكاملة إلى أسواق الاحتكار؟ والأهم، سؤال، ما هو وضع الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي- في سياق افتراض التبادل مع العالم الخارجي وسيادة الاحتكار- من توزيع القيمة التي زادت على الصعيد الداخلي والصعيد العالمي؟ أي: هل يُعاد ضخ القيمة الزائدة فى مسام الاقتصاد القومي المنتِج لها بفضل العمال المأجورين؟ أم تتسرب إلى الخارج كي تُغذى مصانع ومؤسسات الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي التي تُنتِج السلع والخدمات التي تعتمد عليها الأجزاء المتخلفة في سبيل تجديد إنتاجها الاجتماعي؟ يتبدى هنا المستوى الرابع، والأخير، لظهور علم الاقتصاد السياسي. مستوى نمو الاقتصاد وتطور قوى الإنتاج الاجتماعي. إذ يمدنا الاقتصاد السياسي، ابتداءً من قانون القيمة، بمجموعة من الأدوات الفكرية التي تمكّنا من تحليل ظاهرة تؤرقنا نحن أبناء الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، وهي ظاهرة التكون التاريخي للتخلف الاجتماعي والاقتصادي. إذ يظهر الاقتصاد السياسي على هذا المستوى، مستوى نمو الاقتصاد وتطور قوى الإنتاج الاجتماعي، كي يقدم مجموعة من الأدوات التحليلية والمرتكزات الفكرية التي تمكّنا من تعدية الظاهرة، ظاهرة تجديد إنتاج التخلف، إلى الكُل الاجتماعي والتاريخي الذي تنتمي إليه؛ من أجل وعي ناقد متجاوز للرؤى الخطية والتصورات الميكانيكية التي تحصر الظاهرة. ظاهرة التخلف. في بيانات الفقراء والجوعى والمرضى. أنه الوعي الذي بإمكانه خلق المشروع الحضاري لمستقبل آمن. مستقبل عادل رحيم.

فلنرجع إلى الدخول المختلفة للطبقات الاجتماعية المتناقضة؛ فالريع والفائدة والربح كدخول للطبقات الاجتماعية على هذا النحو، هي في واقعها، كما ذكرنا، أثمان؛ فالريع، كما ذكرنا أيضاً، هو ثمن التخلي عن منفعة الأرض. والفائدة هي ثمن التخلي عن السيولة النقدية. والربح هو ثمن المغامرة وتحمل المخاطرة. أي أننا صرنا هكذا أمام مجموعة من السلع المطلوب معرفة كيف تتحدد أثمانها؟ فلماذا دفع الرأسمالي 2 وحدة لمالك الأرض، ولم يدفع وحدة واحدة؟ أو ثلاث وحدات؟ ولماذا دفع 3 وحدات كفائدة، ولم يدفع وحدة واحدة؟ أو 2 وحدة؟ وهو ما يستـوجب علينا طرح نفس السؤال بصدد الأجر كثمن لقوة العمل، وطرح نفس السؤال أيضاً بصدد أثمان مواد العمل وأدوات العمل؛ فلماذا دفع الرأسمالي للعامل 4 وحدات، ولم يدفع 2 وحدة؟ أو 5 وحدات؟ ولماذا ثمن وسائل الإنتاج (مواد العمل+ أدوات العمل) 6 وحدات؟ ولم يكن 5 وحدات؟ أو 7 وحدات؟ بوجه عام كيف تتكون الأثمان؟

كي نعرف كيف تتكون الأثمان يتعين أن نذهب إلى السوق حيث تظهر الأثمان. ولنراقب الأمر. فالأثمان كما تطرح نفسها في السوق يميزها عدم الثبات. أي التأرجح. فقد نجد سلعة واحدة تتغير أثمانها ثلاث أو أربع مرات في اليوم الواحد. السمك مثلاً. في أول اليوم يكون له ثمن. وفي وسط اليوم له ثمن ثان. وفي نهاية يوم السوق له ثمن ثالث. فماذا يعني ذلك؟ ذلك يعني أن السوق، أي حقل التداول، لا يوضح كيف يتكون الثمن. هو فقط يوضح كيف تتأرجح الأثمان ارتفاعاً وانخفاضاً حول محور محدد يمثل ثمناً عادلاً. أو ضرورياً. أو طبيعياً. هذا التأرجح يجوز أن يكون مرجعه ازدياد العرض أو انخفاض الطلب أو ارتفاع درجة الحرارة أو قرار حكومي، أو.... إلخ. ولذلك فالذي ننشغل به ليس تأرجحات ثمن السوق حول الثمن الطبيعي، إنما يشغلنا التعرف إلى هذا الثمن الطبيعي نفسه. الأمر الذي يتعين معه أن نُغادر السوق. نخرج من حقل التداول، ونتوجه إلى حقل الإنتاج. حيث مكونات الثمن الطبيعي.


فإذ ما توجهنا إلى حقل الإنتاج؛ فكى نتعرف إلى كيفية تكون الثمن الطبيعى لسلعة ما، يمكننا أن نتعرف إلى مكونات هذا الثمن. فهو يتكون من: (الأجور+ الريع + الفائدة + الربح) فما علينا إلا أن نعهد بالأمر إلى أحد المحاسبين كي يقوم بحساب قدر الأجور التي دُفعت للعمال، وقدر الريع، أي الإيجار، الذي دُفع إلى مالك الأرض المقام عليها المصنع، وقدر الفائدة التي سُددت عن قرض الرأسمال؟ وقدر الربح الذي سيحصل عليه الرأسمالي. ثم يقوم بعمل بعض العمليات الحسابية التي بمقتضاه يحسب مقدار الإنتاج، ويوزع على كل وحدة من السلعة نصيبها من نفقة إنتاجها. وحينئذ سيكون بين أيدينا الثمن الطبيعي للسلعة.

ولكن، الذي بين أيدينا، في الحقيقة، إنما هو نفقة إنتاج! والواقع أن صديقنا المحاسب لم يحل المشكلة؛ بل لم يتعرض لها بالأساس! فلم نزل أمام مجموعة أثمان تحتاج إلى تفسير هي الأخرى. أردنا معرفة ثمن واحد، هو ثمن السلعة، وجدنا أنفسنا، مع صديقنا المحاسب، أمام أربعة أثمان! الأجر كثمن لقوة العمل، والريع كثمن للتخلي عن منفعة الأرض، والفائدة كثمن للتخلي عن السيولة النقدية، والربح كثمن للمخاطرة. جميعها أثمان تحتاج أيضاً إلى تفسير! الأمر الذي يجعلنا نبحث عن محدد عام مشترك يمكننا على أساسه تحديد الثمن الطبيعي. البحث عن هذا المحدد المشترك يردّنا مباشرة، وبوعي، إلى المستوى الأول. مستوى القيمة. الأمر الذي يعني، ومباشرة أيضاً، أن الاقتصاد السياسي يمفصل الإنتاج والتوزيع، وبالتبع تطور قوى الإنتاج الاجتماعي، حول القيمة، ومن ثم يصبح الاقتصاد السياسي، بحالته الراهنة، هو عِلم نمط الإنتاج الرأسمالي المتمفصل حول قانون القيمة. بل هو عِلم قانون القيمة










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من هنا وهكذا يجب أن نبدأ
حميد خنجي ( 2014 / 8 / 22 - 19:32 )
إسهامات جيدة ومفيدة في الاقتصاد السياسي، وُضع خصيصا وفي صحن واضح مختصر ومركز ( في هذ المقال)، لمن يريد أن يرتفع تدريجيا على السلم حتى يتسنى له الإحاطة باللغز الداخلي- إن صح التعبير - لتركيبة الرأسمالية عامة والرأسمالية المعاصرة والمتداخلة والملتبسة خاصة
شكرا أيها الزميل الكريم على هذه الجهود الطيبة
هناك احتمال أن يتصدى أحد تقاة هذا العلم ليعترض على تمييزنا بين الرأسمالية والرأسمالية المعاصرة -الأكثر تعقيدا- من القرون الماضية، غير أني ألمح شبح -ماركس- من قبره وهو يصرخ : نعم هناك فروق


2 - شكرا
فريد جلو ( 2014 / 8 / 22 - 20:52 )
شكرا لجهدك القيم في عرض الموضوع املاالمزيد


3 - دام ابداعكما
محمد عادل زكى ( 2014 / 8 / 23 - 13:13 )
الصديقان العزيزان حميد خنجى، وفريد جلو. أشكركما جزيل الشكر على التعليق متمنياً أن أكون دوماً عند حسن ظنكما. دام إبداعكما

اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟