الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة تاريخية لمجزرة غزة 2014

فضيلة يوسف

2014 / 8 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يشعر الناس في غزة وأماكن أخرى في فلسطين بخيبة أمل إزاء عدم وجود أي رد فعل دولي كبير على المجازر والدمارالذي تركه الهجوم الإسرائيلي حتى الآن في قطاع غزة. يبدو أولا وقبل كل شيء أن عدم القدرة أو عدم الرغبة في العمل ضد هذه المجازر يعني قبول الرواية الإسرائيلية للأزمة في غزة. لقد طورت إسرائيل رواية واضحة جدا حول المذبحة الحالية في غزة. ( المأساة ناجمة عن هجوم صاروخي قامت به حماس "دون استفزاز "على الدولة اليهودية، التي ردت عليه دفاعا عن النفس ). بينما يتحفظ التيار الغربي " وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية " على مدى تناسب القوة المستخدمة من قبل إسرائيل، فإنها تقبل جوهر هذه الرواية. رفضت هذه الرواية الإسرائيلية تماما في عالم الأنشطة التقنية ووسائل الإعلام البديلة. وهناك توافق على نطاق واسع على ما يبدو يدين الإجراء الإسرائيلي ويعتبره جريمة حرب .الفارق الرئيس بين هذين التحليلين ( الاوساط الاعلامية والاكاديمية و الاعلام البديل )هو دراسة السياق الأيديولوجي والتاريخي للعدوان الإسرائيلي الحالي في غزة بشكل أعمق. وينبغي تعزيز هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك وهذه المقالة محاولة متواضعة للمساهمة في هذا الاتجاه.
هل تم الترتيب للمجزرة؟
يكشف التقييم التاريخي والسياقي للعدوان الإسرائيلي الحالي على غزة والهجومات الثلاثة السابقة منذ عام 2006 بوضوح سياسة الإبادة الإسرائيلية هناك. سياسة القتل الهائل المتنامي ليس نتاج النية القاسية فقط انما نتيجة حتمية لاستراتيجية اسرائيل الشاملة تجاه فلسطين بشكل عام والمناطق التي احتلتها في عام 1967، على وجه الخصوص.
يجب الإصرارعلى هذا الطرح، لأن آلة الدعاية الإسرائيلية تحاول مرارا وتكرارا أن تروي سياساتها خارج السياق وقد وجدت لكل موجة جديدة من الدمار المبرر الرئيس لموجة أخرى من الذبح العشوائي في حقول القتل في فلسطين.
الاستراتيجية الإسرائيلية في تسويق سياساتها الوحشية كرد فعل مخصص لهذا العمل الفلسطيني أو ذاك قديمة قدم الوجود الصهيوني في فلسطين نفسه. استخدمتها مرارا كمبرر لتنفيذ الرؤية الصهيونية "فلسطين المستقبل" بدون أو بأقل عدد من الفلسطينيين الأصليين. وقد تغيرت الوسائل لتحقيق هذا الهدف مع السنين، ولكن ظلت الصيغة نفسها: الرؤية الصهيونية لدولة يهودية يمكن أن تتحقق فقط دون وجود عدد كبير من الفلسطينيين في الدولة اليهودية. واليوم تمتد إسرائيل على كامل مساحة فلسطين التاريخية تقريباً حيث يعيش ملايين الفلسطينيين .
يظهر الجشع الإقليمي لدى إسرائيل في محاولتها لإبقاء الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سيطرتها منذ حزيران 1967. بحثت إسرائيل عن وسيلة للحفاظ على الأراضي التي احتلتها في تلك السنة دون دمج سكانها في الدولة بحيث يحصلون على حقوق المواطنة. في حين تشارك في "عملية السلام" للتغطية على سياساتها الاستعمارية أو كسب الوقت للسيطرة على الأرض من جانب واحد.
على مر العقود، ميزت إسرائيل بين المناطق التي ترغب في السيطرة عليها مباشرة وتلك التي ستديرها بشكل غير مباشر، بهدف تقليص السكان الفلسطينيين إلى أدنى حد ممكن على المدى البعيد ، باستخدام وسائل متعددة كالتطهير العرقي والخنق الاقتصادي والجغرافي. وهكذا تنقسم الضفة الغربية في الواقع إلى مناطق "يهودية" ومناطق "فلسطينية" - واقعا يمكن معظم الإسرائيليين أن يعيشوا بوجود المعازل "البانتوستانات "الفلسطينية حيث يتم حبس الفلسطينيين داخل هذه السجون الضخمة. يخلق الموقع الجيوسياسي للضفة الغربية الانطباع في إسرائيل، أنه من الممكن تحقيق ذلك دون انتفاضة ثالثة أو الإدانة الدولية على الأقل .
أما قطاع غزة، فنظرا لموقعه الجيوسياسي الفريد من نوعه،فإنه لا يصلح بسهولة لمثل هذه الاستراتيجية. منذ عام 1994، وعندما جاء ارييل شارون الى السلطة كرئيس للوزراء في 2000، كان هناك استراتيجية تحويل غزة إلى (غيتو) مع الأمل أن الناس هناك " 1.8 مليون" سيسقطون في غياهب النسيان الأبدي.
لكن هذا الغيتو أثبت أنه متمرد ولا يرغب في العيش في ظروف الخنق والعزل والجوع والانهيار الاقتصادي. لم يكن هناك أي طريقة لضمه إلى مصر، لا في عام 1948 ولا في عام 2014. في عام 1948، دفعت إسرائيل إلى منطقة غزة (قبل أن تصبح قطاع غزة) مئات الآلاف من اللاجئين الذين طردوا من شمال النقب والساحل الجنوبي على أمل أنهم سيتحركون بعيدا عن فلسطين.
ولفترة من الوقت بعد عام 1967، أرادت اسرائيل الاحتفاظ بالضفة الغربية وقطاع غزة لتوفير العمالة غير الماهرة دون أي حقوق إنسانية ومدنية. وعندما قاوم الشعب المحتل استمرار القمع في انتفاضتين، شطر الاحتلال الضفة الغربية إلى بانتوستانات صغيرة محاطة بالمستوطنات اليهودية، لكنه لم ينجح في قطاع صغير جدا ذو كثافة سكانية عالية جدا " غزة". لم يقدرالإسرائيليون على "ضفننة " القطاع، إذا جاز التعبير. فتم تطويقه وعندما قاوم سمح للجيش الاسرائيلي باستخدام أسلحته الأكثر شراسة وفتكا ضده وكانت النتيجة الحتمية لرد فعل تراكمي من هذا النوع الإبادة الجماعية.
الإبادة الجماعية المتنامية
قدم مقتل ثلاثة مراهقين اسرائيليين اثنان منهم قاصرين، تم اختطافهما في الضفة الغربية المحتلة في حزيران، والتي كانت أساسا انتقاما لقتل أطفال فلسطينيين في ايار ذريعة أولا وقبل كل شيء لتدمير حكومة الوحدة التي شكلت بين حماس وفتح في ذلك الشهر. وحكومة الوحدة التي تلت صدور قرار من السلطة الفلسطينية بالتخلي عن "عملية السلام" ومناشدة المنظمات الدولية الحكم على إسرائيل وفقا لمعايير الحقوق المدنية "البشرية. كانت مثيرة للقلق في إسرائيل.
الذريعة حددت التوقيت - ولكن كانت بشاعة الاعتداء ناتجة عن عدم قدرة إسرائيل على صياغة سياسة واضحة تجاه قطاع غزة الذي أوجدته عام 1948. الميزة الواضحة فقط في تلك السياسة هي القناعة العميقة أن هزيمة حماس في غزة تسمح بإقامة غيتو هناك.
تشير التقديرات منذ عام 1994، وحتى قبل صعود حماس إلى السلطة في قطاع غزة، أن أي إجراء عقابي جماعي، مثل العدوان الحالي على غزة وبحكم الموقع الجيوسياسي الخاص للقطاع سينتج عنه عمليات قتل وتدمير واسعة النطاق . وبعبارة أخرى: الإبادة الجماعية المتنامية.
هذه التقديرات لم تمنع الجنرالات من إعطاء الأوامر بقصف القطاع من الجو والبحر والأرض. فما زال تقليص عدد الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين التاريخية الرؤية الصهيونية المثالية التي تتطلب نزع انسانية الفلسطينيين. وفي غزة، هذا التوجه وهذه الرؤية تأخذ أعظم شكل لا إنساني.
تم تحديد توقيت هذه الموجة، كما في الماضي، لاعتبارات داخلية إضافية، الاضطرابات الاجتماعية المحلية فمنذ عام 2011 تزداد رغبة المواطنين الاسرائيليين في خفض النفقات العسكرية ونقل الأموال من ميزانية "الدفاع" المتضخمة إلى الخدمات الاجتماعية. يصف الجيش هذا الاحتمال بالانتحار. ليس هناك شيء مثل عملية عسكرية تقدر على خنق أي صوت يدعو الحكومة لخفض النفقات العسكرية.
ظهرت بصمات نموذجية للإبادة الجماعية من المراحل السابقة في هذه الموجة أيضا. كما في أول عملية ضد غزة "الأمطار الأولى" 2006، ، و"الرصاص المصبوب" 2009، و "عمود الدخان" 2012، ويمكن للمرء أن يشهد الدعم اليهودي الإسرائيلي التوافقي مرة أخرى لمذبحة المدنيين في قطاع غزة، دون صوت واحد هام من المعارضة. والأكاديميا، كما هو الحال دائما، تصبح جزءا من الماكينة. عرضت مختلف الجامعات والهيئات الطلابية في الدولة المساعدة في المعركة ونشر الرواية الإسرائيلية في الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام البديلة.
وسائل الإعلام الإسرائيلية انضمت بإخلاص لخط الحكومة، ولم تظهر أي صور للكارثة الإنسانية التي نفذتها إسرائيل ولم تبلغ جمهورها هذه المرة، "العالم يتفهمنا ويدعمنا ". هذا البيان ساري المفعول مع استمرار النخب السياسية في الغرب بتوفير الحصانة الدائمة للدولة اليهودية. النداء الأخير من قبل الحكومات الغربية إلى المدعي العام في محكمة العدل الدولية في لاهاي لم يكن للنظر في جرائم إسرائيل في غزة مثال على ذلك. وتبرر قطاعات واسعة من وسائل الإعلام الغربية الإجراءات الإسرائيلية.
إضافة لهذه التغطية المشوهة أيضا تجد شعورا قويا بين صحفيين غربيين أن ما يحدث في غزة يتضاءل بالمقارنة مع الفظائع في العراق وسوريا. وعادة ما تقدم مثل هذه المقارنات دون منظور تاريخي أوسع. ومن شأن الرؤيا العميقة لتاريخ الفلسطينيين أن تكون طريقة مناسبة لتقييم معاناتهم وجها لوجه مع المذابح في مكان آخر.
الملخص: مواجهة المعايير المزدوجة
لا نحتاج وجهة نظر تاريخية فقط لفهم أفضل للمجزرة في غزة. المطلوب نهج جدلي يحدد العلاقة بين الحصانة الإسرائيلية والتطورات المروعة في أماكن أخرى. فالتجرد من الإنسانية في العراق وسوريا على نطاق واسع مرعب، كما هو الحال في غزة. ولكن هناك فرق كبير واحد بين هذه الحالات والوحشية الإسرائيلية: الاعمال الوحشية وغير الإنسانية في سوريا والعراق مدانة في جميع أنحاء العالم، بينما تلك التي ترتكبها إسرائيل لا تزال مشرعنة علنا ويوافق عليها رئيس الولايات المتحدة وقادة الاتحاد الأوروبي وأصدقاء إسرائيل الآخرين في العالم.
الفرصة الوحيدة لنضال ناجح ضد الصهيونية في فلسطين هي بناء أجندة تتعلق بحقوق الإنسان والحقوق المدنية لا تفرق بين انتهاك وآخر و تحدد بوضوح الضحية والجلاد. أولئك الذين يرتكبون الفظائع في العالم العربي ضد الأقليات المضطهدة والمجتمعات والإسرائيليين الذين يرتكبون هذه الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، ينبغي أن يخضعوا لنفس المعايير الأخلاقية. انهم جميعا مجرمي حرب، و في حالة فلسطين استمر الاجرام لفترات طويلة. لا يهم حقا ديانة الذين يرتكبون الفظائع. سواء كانوا يسمون أنفسهم جهاديين، صهاينة، يجب معاملتهم بنفس الطريقة.
العالم الذي يوقف استخدام المعايير المزدوجة في تعامله مع إسرائيل قادر أن يكون أكثر فعالية بكثير في رده على جرائم الحرب في أي مكان آخر في العالم. وقف الإبادة الجماعية المتنامية في غزة وإعادة الحقوق الإنسانية والمدنية الأساسية للفلسطينيين أينما كانوا، بما في ذلك حق العودة، هو السبيل الوحيد لفتح آفاق جديدة لتدخل دولي مثمر في الشرق الأوسط ككل.
مترجم
Ilan Pappé








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني


.. ما الأثر الذي سيتركه غياب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزي




.. جو بايدن يواجه احتجاجات من خريجي كلية مورهاوس في أمريكا


.. رجل سياسة ودين وقضاء.. تعرف على الرئيس الإيراني الراحل إبراه




.. ”السائق نزل وحضني“.. رد فعل مصريين مع فلسطيني من غزة يستقل ح