الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 14 تموز ومسارات التدخل الغربي في عراق الجمهورية الأولى (1-2)

عقيل الناصري

2014 / 8 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ثورة 14 تموز
ومسارات التدخل الغربي في عراق الجمهورية الأولى (1-2)
يعتبر القرن التاسع عشر، التاريخ الفعلي للتدخل الغربي في العراق، حيث شهد هذا القرن التدفق الواسع للرحالة الغربيين وبصورة خاصة البريطانيين منهم بوصفهم من العاملين في حقول الاكتشاف والأثار، بغية القيام بدراسة ومعرفة الماهيات الجغرافية والاجتماعية والأثنية لمناطق العراق، وفي الوقت نفسه اقامة صلات مع القوى المحلية المتنفذة وخاصة مع رؤساء العشائر الكبيرة على وجه الخصوص وبعض علماء الدين المسلمين من كل المذاهب. وفي الوقت نفسه: "... فرضت التجارة الواسعة مع بريطانيا اندماج السوق المحلية بالسوق العالمية، وعكست نتائج اقتصادية واجتماعية عميقة الأثر على مجتمع الولايات العراقية، فقد مست جوهر العلاقات الانتاجية في القبيلة، إذ أدى التحول من النظام القبلي الجماعي لملكية الأرض إلى الأشكال الحالية من الملكية العامة والخاصة للأرض... ".
وكذلك فرضت هذه التحولات الاقتصادية البطيئة على البنية الاجتماعية لسكان المدن. وذلك بتأسيس قوى الاحتلال الأول ( 1914-1932) لكيان سياسي"... حكمته نخبة الأقلية المتشاطرة قدراً من المصلحة المشتركة مع سياسة بريطانية لبسط سيطرتها على الولايات العراقية الثلاث من خلال حكومة مركزية تألفت بشكل قومي سافر بتعصبه، وطائفية مسيسة أفضت إلى مشروع للهيمنة مستند على ذاكرة تاريخية هي الأخرى مسيسة ضمن سياق الاحتفاء بالماضي والتاريخ التليد، لا بوصفها جزء من جهد مبذول أو إرساء لقيم تصاغ على وفقها الهويات الجماعية الوطنية وتحقيق تماسكها، بقدر ما هي محاولات لتعزيز سلطة نخبة الأقلية على حساب مجموعات اجتماعية معينة... ". مما اخلت بالعقد الاجتماعي المبرم بينها وبين المكونات الاجتماعية المتعددة وأمسى هذا الاختلال أحد أهم مظاهر الأزمة البنيوية للنظام الملكي برمته حتى سقوطه.
وتاسيسا على ذلك فلقد لعب "... ثمة عاملان أمليا السياسة البريطانية تجاه العراق في الحقبة المبحوثة فيها، الأول سياسي ناشيء من موقع العراق بوصفه الطريق بري إلى جنوب غربي أسيا وقربه من الخليج العربي الذي يُعدّ منطقة من مناطق السيادة السياسية البريطانية... والثاني العامل التجاري الناشيء عن وجود مصالح الهند البريطانية في العراق ، وبغية أن تحافظ بريطانيا على تلك المصالح لابد من ان تمنع تسلط أية دولة من الدول الكبرى على العراق... ". وقد اشتدت وتائر هذه المصالح بعد أن استخدمت بريطانيا البترول عوضا عن الفحم في اسطولها الحربي في مطلع القرن المنصرم.. وتوقع توافره في شمال الخليج ومنها العراق، بكميات كبيرة.
واستقراءً لأحد أوجه تاريخ العراق المعاصر، فقد بدء التنافس الغربي يشتد بين مراكز الدول الكبرى، وعلى الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، التي اذعنت بريطانيا لضغوطها عندما تنازلت للشركات الأمريكية عام 1928 ومنحتها حصة قدرها 23.75% في حقوق استثمار النفط ضمن شركة نفط العراق. وبمرور الوقت أزداد التنافس اللا تناحري بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في العراق، بعد ان تخلت الأخيرة في نهاية الاربعينيات عن حماية ما يطلق عليه دول شرق القناة لصالح الأولى بغية إملاء الفراغ خوفا من التدخل السوفيتي للمنطقة.
وعليه فإذا كان تأسيس الدولة العراقية المركزية، بقدر ماهو نتاج لمتطلبات الاحتلال ذاته، فهي بذات القدر كانت معلما مركزيا في تاريخ الدولة حيث نقلت المجتمع من النظام العشائري المتشظي إلى الدولة المركزية. في حين تعتبر ثورة 14 تموز المَعلَم الأهم في سلم الارتقاء والتطور، من معالم عراق القرن العشرين لما تضمنته من تغييرات تطورية طالت كل البنى الاجتصادية والسياسية والفكرية وعلاقاته الدولية.
وفي الوقت نفسه وارتباطاً بالموضوع، فقد عكست الثورة عن جوهر التغييرات الداخلية والتراتيبة الطبقية وذلك بطرد طبقات اجتماعية من مسرح الحياة السياسية. وكذلك مثلت إحدى جوانبها، صورة للتنافس الإقليمي وصراع مصالح الدول الكبرى الفاعلة في الساحة الدولية آنذاك، على الشرق الأوسط بعامةً والمشرق العربي منه بخاصةً، حيث كان العراق أحد بؤره المركزية من الناحية الاستراتيجية، بكافة أبعادها الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية. إذ [...غيرت ثورة 14 تموز الجو السياسي في المنطقة كلها، إذ أدركت القوى العظمى، المسيطرة على اقتصاد الخليج، خطورة نشوب ثورات مماثلة في كل المنطقة... ].
فكان هذا بحد ذاته بمثابة تهديد وإضعاف لهذا الوجود الغربي. كما توضح تاريخية الدولة العراقية المعاصرة، أن سلطات المرحلة الملكية برمتها وقاعدتها الاجتماعية اعتمدت "... في جميع الأحوال إلى الإسناد البريطاني، حتى وإن اختلفت معه في بعض الأحيان بشكل أو آخر في تحقيق المصالح المتشابكة، لكن يبقى تحقيق المشروع القومي في العراق هو نقطة الالتقاء الأكثر أهمية في المحافظة على المصالح البريطانية...". لكن كان هناك استثناء وحيد عندما حاول الجيش ولأول مرة لا غيرها أن يتصرف طيلة تلك المرحلة بغير هذا الإسناد، وكان ذلك "... في الرابع عشر من تموز 1958 آملاً لحل الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل ثوابت برسي كوكس، وخلق قوى دعم جماهيري للتغيير، كانت ترى في الملامح الاجتماعية والسياسية للنظام الجمهوري دلالات على تمثيل اجتماعي وطبقي وسياسي لمجمل تكوينات المجتمع العراقي، وهو ما أكده التنوع العرقي والمذهبي لتنظيم الضباط الأحرار ووزارة عبد الكريم قاسم الأولى التي جاءت ممثلة للفئات العرقية والمذهبية الأساسية في العراق، العربية والكردية والشيعية والسنية. ولكن لم يكتب لهذا التحول الجديد الاستمرار والنجاح... ".
وتأسيسا على ما حدث من تغيّر بنيوي وجوهري في عراق 14 تموز، فقد تعرضت مصالح ومواقع المراكز الرأسمالية الكبرى في عموم العالم الغربي إلى صدمة كبيرة، وبالأخص بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قارن رئيسها الأسبق آيزنهاور أحداث 14 تموز بأحداث الثورة الصينية، عندما قال في مذكراته:
[... في صبيحة 14 تموز 1958 تلقيت بصدمة أنباء الانقلاب في بغداد ضد النظام الملكي الهاشمي. هذه هي البلاد التي كنا نعتمد عليها بكل ثقلنا في أن تكون الحصن الحصين للاستقرار والتقدم في المنطقة.. إذا لم يلق تحوٌل الأحداث بهذه الصورة المعتمة الرد الشديد من جانبنا فقد يؤدي إلى إزالة كل النفوذ الغربي في الشرق الأوسط... وتحدثتُ مساءً في الخطاب الذي أُذيع في الساعة السادسة والنصف، وأشرت إلى التماثل بين الوضع في لبنان وبين ما واجهنا في اليونان في سنة 1947. كما لفت النظر إلى الانقلاب الشيوعي في تشكوسلوفاكيا في 1948، وإلى الانتصار الشيوعي في الصين 1949، وإلى محاولات الشيوعيين للسيطرة على كوريا والهند الصينية منذ عام 1950... ].
وعليه"...اصبح اهتمام الإدارة الأمريكية منصباً بالكامل على الشرق الأوسط وفي يوم الانقلاب (المقصود ثورة 14 تموز-الناصري)، كتب مدير وكالة المخابرات الأمريكية آلن دالاس بعض الملاحظات الإيجازية خلص فيها الملاحظات الإيجازية خلص فيها إلى: أن انقلاب العراق، إذا تكلل بالنجاح يبدو من المحتوم تقريباً أنه سيطلق تفاعلاً متسلسلاً سيحكم بالموت على الحكومات الموالية للغرب في لبنان والأردن والعربية السعودية، ويخلق مشاكل كثيرة لكل من تركيا وإيران ... ".
إن هذا الموقف الأمريكي ترتبط حيويته بالماهيات الحقيقية "... للتحولات الملموسة التي طرأت على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما بعد تصدع جدار وجودها على الساحة العراقية إثر انهيار النظام الملكي، الذي علقت عليه حكومة واشنطن آمالاً كثيرة... ". و "... وعلى ضوء التقارير الأولية التي توافرت في أروقة وزارة الخارجية، أتصل وزير الخارجية الأمريكية دالاس هاتفياً بالرئيس آيزنهاور يوم الرابع عشر من تموز 1958 لإبلاغه بحدوث (انقلاب) في العراق وإثر هذا الإتصال أصيب الرئيس آيزنهاور بالصدمة والذهول حين علم بتلك التطورات في دولة كانت تعد حصن الاستقرار والتقدم في المنطقة كما ورد في مذكراته... ".
ليس هذا حسب فلقد أثر هذا التغيّر الجوهري في مجمل المسارات السياسية العالمية اللاحقة وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، سواءً فيما يخص:
- العلاقة بين المتناقضين الأرأسين المتناحرين آنذاك وهما العالم الرأسمالي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والعالم الاشتراكي، بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، كمفاهيم سياسية وفلسفة اجتماعية ومصالح استراتيجية؛
- العلاقة بين المتناقضين اللا متناحرين، الساعي كل منهما لفرض هيمنته على المنطقة، وهما بالأساس الولايات المتحدة وبريطانيا ؛
- واقع الصراع بين مصالح دول المنطقة الإقليمية من جهة، والدول العربية، وعلى الأخص المتحررة منها من جهة أحرى، حول قضية العرب المركزية (فلسطين) وماهيتها كواقع وفكر، كتكتيك واستراتيج، ومع إسرائيل كقاعدة للمراكز الرأسمالية.
وكما أشرنا سابقاً فقد غيرت ثورة 14 تموز من موازين القوى، ومن معادلات الصراع الدولي والإقليمي، وحتى بين المكونات الاجتماعية والاقتصادية داخل العراق. مما دفع بالقوى المتضررة، وخاصةً الخارجية منها، إلى العمل بقوة على إيقاف سريان مفعول تأثير الثورة على دول الجوار الحليفة لها وفي المنطقة، ومن ثم إعادة تعزيز القوى الاجتماعية التقليدية والمتضررة من فعل التغيير وإستمراريته، ومن القوى الحليفة لها داخل العراق والموالية للغرب بغية [ كبح الحصان الجامح وإعادته إلى الحظيرة - حسب تعبير مجلة الايكونومست البريطانية ]، لأن عراق الجمهورية الأولى أصبح يشكل خطراً حقيقياً على مصالحها في عموم المنطقة. ولهذا فإن "...حكم الزعيم عبد الكريم قاسم قد شكل للحكومة الأمريكية عائقاً لتنفيذ سياستها تجاه العراق بعد تدهور الاوضاع فيه ،مما أدى إلى تغلغل السوفيت في العراق، من وجهة نظرها... ".
الهوامش:
- مستل من كتاب للمؤلف بعنوان : الانقلاب التاسع والثلاثون، في ثلاثة أجزاء، سيصدر قريبا عن دار الحصاد في دمشق بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد عبد الكريم قاسم.
2 - د.طارق مجيد العقيلي، بريطانيا ولعبة السلطة في العراق، ص. 35، مصدر سابق.
3- المصدر السابق، ص. 10. تمثلت في البدء هذه النخبة القليلة من فئات التجار والملاكين العراقيين في الريف والمدينة وشيوخ العشائر بالاضافة إلى الضباط الشريفيين والملك المستورد. للمزيد راجع كتابنا الجيش والسلطة، مصدر سابق. علما بأن هذه الفئات لعبت أدوارا مختلفة في سياق التحولات الاجتصادية البطيئة، فمثلا لعب الشريفيون دورا مهما في العقدين الأولين من تأسيس الدولة، لكنه ضعف في أواخر المرحلة. لكن المشترك بينهم ، أنهم كانوا يستمدون مصدر قوتهم من بريطانيا، كما الاخيرة اعتمدت عليهم من خلال تشابك المصالح.
4 - د. سنان الزيدي، سياسة الولايات المتحدة تجاه عراق قاسم، ص.23، مصدر سابق.
5- للمزيد راجع نوري عبد الحميد خليل ، التاريخ السياسي لامتيازات النفط في العراق، 1925- 1952، ص 65، بيروت 1980. كما يشير د. سنان الزيدي في ص. 473، مصدر سابق ، إلى ما توضحه تاريخية العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق على "... أن الخط البياني لتغلغل الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ، يؤشر صعوداً ثابتاً منذ أن بدأ في منتصف القرن التاسع عشر ، الذي أتخذ أشكالاًمتعددة منها الثقافية والاقتصادية بوصفهما مقدمات طبيعية للتغلغل السياسي، إلا أنها أمتدت بسرعة لتشمل قضايا حساسة مختلفة منها النفط وغيره، فتكاملت أبعاد تغلغلها إلى حد كبير ..."، إلى غاية الاحتلال الثالث في 9 نيسان 2003، بعد أن مرت بفترة هبوط في الجمهورية الأولى.
6- كمال مجيد، النفط والأكراد، مصدر سابق، ص 41. وبالتناقض مع ذلك.. كان التغيب القسري لثورة 14 تموز، قد غير ثانيةً من الموازين الدولية في المنطقة وأعادها، نسبياً، كما كانت عليه في الخمسينيات مع تغير طفيف في الشكل.. إذ بسقوط الجمهورية الأولى في شباط 1963، انحسر النفوذ الدولي للاتحاد السوفيتي السابق فيها.. بفعل عملية الصراع الفكري السياسي الذي خاضه المعسكران المتناقضان تناحرياً ( الاشتراكي والرأسمالي)، مما أعطى زخماً لكل القوى المعادية لقوى التحرر وبالأخص الحركات الدينية والقومية اليمينية في العالم العربي وفي مقدمتها حزب البعث، والتي استخدمتها بريطانيا والولايات المتحدة في الانقضاض على أية حركة ذات نزعة استقلالية عن المعسكر الغربي بوعي أو/ وبدونه.
7 - راجع للمزيد د. سنان الزيدي، سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مصدرسابق.
8- د. طارق مجيد تقي العقيلي، بريطانيا ولعبة السلطة، ص. 58، مصدر سابق.
9 - مستل من نجم محمود، المقايضة، مصدر سابق، ص 28. هذه المفاجئة "...كان وقعها أشد على القوى الاستعمارية ومن يدور في فلكها من الحكام في المنطقة، ومما يؤكد ذلك أنه عندما ( دق جرس الهاتف الموضوع إلى جانب جون فوستر دلس وزير خارجية الولايات المتحدة عام 1958، فامتدت يد السياسي العجوز الذي طالما هدد العالم بسياسته الرعناء المعروفة ب( حافية الهاوية) وخاض غمار الحرب الباردة على حساب مصالح الشعوب الفقيرة والمستبعَدة، إلى الهاتف ووضع السماعة على أذنه التي عانى من ألم شديد فيها مما أثقلت عليه السمع فقال يكمل:
- من؟ فجاءه الجواب من الطرف الآخر مثل لسعة حادة :
- سيدي حصل انقلاب في بغداد.
انتفض (دلاس) من فراشه مذعوراً وأحس بألم عارم في بطنه، مغص راح يشتد عليه ويقطع أنفاسه، لم يستطع مغادرة فراشه، وامتدت يده إلى الهاتف مرة أخرى وراح يطلب إسعاف بسرعة.نقل (دالاس) إلى اقرب مستشفى، في ذلك الوقت، كان العراقيون ينقلون (جثة) نظام متهرئ كان عمره 37 سنة إلى أقرب قبر ليدفنوه إلى الأبد...". شامل عبد القادر، عبد الكريم قاسم البداية، ص. 314،مصدر سابق.
في الوقت نفسه "... يقول مدير وكالة المخابرات الأمريكية الأسبق (آلن دلس) إن الوكالة فوجئت ( بثورة العراق وبحائط برلين). لكنه لم يقل إن الوكالة فوجئت بالثورة المصرية..." لأنه وحسب حسين حموده، أحد الضباط الاحرار في مصر، "... فيذكر أنه حضر في عام 1951 عدة اجتماعات بين عبد الناصر والملحق العسكري الأمريكي نوقشت فيه قضية تسليح الجيش المصري والموقف الدولي والخطر الشيوعي ... وقدم كوبلاند هدية المخابرات الأمريكية وقام بإنشاء (صوت العرب) التي وجهت أقذر الشتائم إلى الحكومات العربية ...: د. علاء الدين الظاهر، إنصاف عبد الكريم ، مجلة الموسم العدد 102، ص. 68، 69 مصدر سابق.
10- وليام جي. زيمان، مستل من حسن السعيد، البعث والقطار، ص.48، مصدر سابق. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تذرعت (بالمد الشيوعي) حسب تعبيراتهم، لأجل ايقاف تأثيرات الثورة على مصالحها في المنطقة. وإزاء ذلك اقترح قائد العمليات البحرية العسكرية (بورك) "... استعداد القوات الأمريكية التي بإمرته للقيام بعمل عسكري في العراق ( للمحافظة عليه من الشيوعية) على حد تعبيره ، وفي الوقت نفسه، اقترح بورك أن تستخدم الحكومة الأمريكية سياسة الترغيب والترهيب مع عبد الكريم قاسم..."، مستل من د. سنان الزيدي، سياسة الولايات المتحدة تجاه قاسم، ص. 211، مصدر سابق. ومن الجدير بالذكر أنه "... في 15 تموز (يوليو) بدأ إنزال مشاة البحرية الأمريكية في لبنان وبلغ عددهم بعد فترة وجيزة 20 ألفاً. وتم في الوقت نفسه إرسال ستة آلاف جندي انكليزي إلى الأردن. وقد كانت هذه القوات كبيرة لم تترك من حيث عدد أفرادها وتجهيزاتها، مجالاً للشك في أن مهمتها ليس الدفاع عن لبنان والأردن من الخطر العراقي المفترض، إ ذ كان هناك خطر قيام القوات الأنكلو- أمريكية بغزو مسلح بالعراق. وأثار القلق من هذه الناحية موقف تركيا وإيران وباكستان التي كانت مستعدة للحفاظ بالقوة على حلف بغداد المتقوض والقضاء على النظام الجديد في العراق من أجل ذلك...". يفغيني بريماكوف، الشرق الأوسط ،ص. 53، مصدر سابق.
11 -د. سنان صادق الزيدي، سياسة الولايات تجاه قاسم، ص. 12، مصدر سابق
12 المصدر السابق، ص. 55.
13- كانت التناقضات بينهما لا تناحرية مقارنة مع الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية آنذاك. كما إنها كانت مستترة إلى حدٍ ما، برزت مكوناتها لاحقاً، حيث انصبت جهود أمريكا على إزاحة الهيمنة الأوربية، بريطانيا وفرنسا، الأكثر بروزاً ودمجها تحت سيطرتها، كما يشير نعوم تشومسكي. مستل من فاخر جاسم - العراق ومشاريع الهيمنة الدولية، ص 96، دار المنفى 1999، السويد.
وعليه فكانت " ... سياسة واشنطن في تلك المدة اتسمت بتكثيف جهودها لربط دول المنطقة بمجمل السياسة الأمريكية ودعمها لحكوماتها ومساندتها خوفاً من الخطر الشيوعي المزعوم، فكان تشكيل ميثاق بغداد في العام 1955، أحد تلك الجهود التي حضيت بمباركة واشنطن. إلا أن دول المنطقة شهدت ارتباكا نتيجة للعدوان الثلاثي على مصر 1956 وما نتج عنه من تغيير في ميزان القوى الدولية وأفول نجمي بريطانيا وفرنسا في المنطقة...". د. سنان الزيدي، ص. 35، المصدر السابق.
ويذكر المؤلف في ص.46، رأي خليل كنه القطب البارز في نخبة الحكم الملكي، من أن هذا الصراع اللا تناحري بين القطبين كانت السبب في زوال النظام الملكي، حيث يرى "... أن سياسة الولايات المتحدة التي لا تخلو من تعقيدات نتيجة تنافسها مع بريطانيا ومحاولتها إضعاف حلقات نفوذها في العراق والقضاء على العناصر المتعاونة معها... ".
وفي الوقت نفسه ما عزوف أمريكا عن العمل المشترك مع بريطانيا لإجهاض ثورة تموز، في أيامها الأولى سوى البدايات الأولية التي بدأت منذ نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات، والتي كانت مؤشراً لبداية المسؤولية الأمريكية العالمية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عندما قررت بريطانيا في نهاية الأربعينيات الانسحاب من شرق القناة والطلب من أمريكا ملء الفراغ بدلاً من الاتحاد السوفيتي السابق. كما برز التناقض الأمريكي - الأوربي بصورة أكثر وضوحاً بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. وكرست الهيمنة الأمريكية على المنطقة منذ حرب الخليج الثانية. لقد كان انقلاب 8 شباط يعبر في حد ذاته، و في أحد أوجهه عن هذا الصراع الأمريكي/البريطاني. وتأسيساً على ذلك فإن [...الصراع الأمريكي البريطاني في الشرق مال لصالح الأمريكان الذين ينتهجون سياسة الهلال الخصيب بصيغة أمريكية أي بغير العناصر التي كان قد اعتمدها البريطانيون لهلالهم الخصيب...] حسب تعليق جريدة (الجريدة) اللبنانية بصدد تعليقها على مرور شهر على انقلاب شباط، مستل من ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد، مصدر سابق، ص 349.
14 - د. سنان الزيدي، سياسة الولايات المتحدة تجاه قاسم، ص. 282، مصدر سابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اطفال الشطرة يرسمون لغزة


.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا




.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ


.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت




.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا