الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمَانية الجُزئية والعلمَانية الشامِلة

مبارك أباعزي

2014 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدأ الكاتب الراحل عبد الوهاب المسيري حياته الفكرية اشتراكيا، يساري الهوى والفؤاد، وانتهى إسلاميا اشتراكيا في آخر حياته؛ فبعد أن جاب تاريخ الفكر وأشبعه بحثا وتمحيصا، عاد لينظر إلى كل شيء بمنظار النسبية والانتقاء، ففي النظرية الماركسية ينتقي أشياء ويترك أخرى، وإلى الإسلام ينظر بمنظار جديد ليس لا بسلفي ولا معتدل، لهذا فهو في اشتراكيته لا يرضي أحدا من الاشتراكيين، وفي إسلاميته لا يقنع أي طرف من الإسلاميين، لأن وجهة نظره لا تقترب في كل الأحوال من أي تنظيم من التنظيمات الإسلامية. أما تعامله مع العلمانية التاريخية فقد أفضى به إلى التمييز بين العلمانية الشاملة، والعلمانية الجزئية التي اعتبر نفسه من المؤيدين لها.
إن رجلا من طينة عبد الوهاب المسيري لا يمكن إلا أن نأخذ طروحاته الفكرية بكثير من الجدية، نظرا لباعه الطويل في التحليل النقدي لمعظم النظريات الغربية، وانخراطه المبكر في الإنتاج الفكري والأدبي بشكل متفرد فيه من الخصوصية الكثير. ولعل اهتماماته المتشعبة باليهودية والإسلام والفلسفة ومناهج النقد والأدب وغيرها، وله في كل هذه المجالات إنتاج وفير ومهم، هو ما أضفى على فتوحاته الفكرية تلك الرصانة التي لم يعرف بها إلا نفر قليل من المفكرين الجادين.
وقد اعتبر الباحث في كتابه "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة"، المنشور في جزءين، أن مفهوم العلمانية يجب أن يتجدد من خلال التجربة الحقيقية للناس، لا من خلال ما تتيحه المجلدات والمعاجم والمصنفات، ولكي يبلغ مراده اختار تقديم فهم خاص للعلمانية وهو ما أفهمه بـ"الدنيوية"، محاولا طمس المفهوم الأعمق والجدير بالاهتمام، وهو إيقاف التدخل المستمر لرجال الدين في أمور الناس الدنيوية، الأمر الذي أفضى به إلى حشر العولمة والتغريب والتشيؤ والتفكيك والمادية وغيرها في التراث العلماني. ورغم أن كل هذه المفاهيم والنظريات كان لها الدور الفعال في إخراج العلمانية إلى الوجود، إلا أنها لا تمثلها تمثيلا سليما، فالمجالات هنا تختلف في العمق، وتلتقي في السطح.
فإذا عرضنا على أي علماني أصيل النص التالي: "فصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماما عن العالم"، وهو التعريف الذي قدمه عبد الوهاب المسيري للعلمانية الشاملة، فلن يجد فيه ما يؤمن به من القيم الإنسانية التي تتيحها العلمانية للإنسان الفرد والإنسان الجماعة، ولعل ما يظهر أن المسيري خلط الأوراق، وقدم قراءة خالية من أي صلابة علمية، وهو ما فعله أيضا حين انتقد التفكيكي قائلا إن تشتت اليهود هو ما جعل جاك دريدا يعتقد بتشتت المعنى في النص لأنه يهودي الديانة.
وقد تكون كل مصائب هذا الزمن مشينة فعلا، وقد نحاربها جميعا، ولكن لا يجب أن يتم ذلك تحت غطاء العلمانية، فليست الأخيرة النظام المعرفي الوحيد الذي يمكن أن يكون مسؤولا عن هذه الآفات، إذ كيف نلوم العلمانية في ذلك، وننسى الرأسمالية مثلا، وهي النظام الاقتصادي الذي ولد التشيؤ، ولماذا لا نلوم العولمة التي حولت العالم إلى أداة استهلاكية لا تستفيد منها سوى الدول الاقتصادية الكبرى؟
لهذا كله أظن أن المسيري أخطأ هذه المرة، ورغم أن تصنيفه هذا للعلمانية فيه الكثير من الجرأة الفكرية، إلا أنه في كل الأحوال مبادرة قُيّد لها النجاح، ويبقى لنا القول بأن ما سماه بالعلمانية الشاملة، يجب أن نبحث له عن اصطلاح آخر غير هذا، لأنه يبعد عنا العلمانية كما نعرفها. ومع ذلك، يكفينا أن الباحث يؤمن بجدوى العلمانية الجزئية، أي العلمانية كما نفهمها نحن، ونعني بها مجموعة مبادئ، مثل فصل الديني عن السياسي، وحرية المعتقد، وفسح الحريات، وأحيانا قد ندمج ضمنها فصل الفن عن السياسة لأنه يثير العواطف مثله في ذلك مثل الدين.
[email protected]
https://www.facebook.com/abaazzi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة