الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوردانو برونو . والمحرقة

حسام المنفي

2014 / 8 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد كان الفيلسوف اليوناني "أرسطو" يعتقد قبل ثلاثة وعشرون قرنا ونصف القرن ، أن الأرض ثابتة وأن الشمس والقمر والكواكب والنجوم تتحرك في أفلاك دائرية حول الأرض . وأن الحركة الدائرية هي الكمال الأقصى ، وقد طور "بطليموس" هذه الفكرة في القرن الثاني بعد الميلاد لتصبح نموذجا كاملا . وكانت "الكنيسة" في العصر الوسيط تعتبر هذا النسق الكوني حقيقة مطلقة تتفق مع ما جاء في الكتاب المقدس . فكانت توقع أشد العقوبات على كل من تسول له نفسه ويأتي بنظرية جديدة تناقد أو تختلف مع نظرية أرسطو وبطليموس ، فكان العقاب يتراوح بين حرق الكتب أو السجن أو النفي أو حتى الموت وهذا ما حصل بالفعل مع "برونو" الذي احرق حيا لأنه أمن بنظرية "كوبرنيكوس" التي كانت تتعارض مع النظرية القديمة . وكوبرنيكوس (1473-1543) هذا كان من علماء الفلك في عصر النهضة وكان ينكر نظرية أرسطو في مركزية الأرض ، بل ذهب عكس ما ذهب إليه أرسطو وقال بأن الشمس هي مركز الكون وأن الأرض وجميع كواكب المجموعة الشمسية تدور حولها . ثم جاء بعده جيوردانو برونو(1584-1600) الذي أمن بالنسق الكوبرنيقي وكان يهاجم النسق الأرسطي وينتقد البابا والكنيسة ورجال الدين في العلن لأنهم كانوا يحجروا على حرية التفكير والإعتقاد وكان يقول "ليس للهيئة الإجتماعية أن تعاقب بالسيف أولئك الذين ينشقون عن عقائدها الشائعة" . وفي عام (1592) تم تقديمه إلى محكمة التفتيش ولم تكن التهمة التي وجهت إليه هي فقط انكار النسق الأرسسطي للكون وإيمانه بمركزية الشمس ولكن كان ثمة تهم أخرى نسبت إليه ، منها التهكم على تجسد المسيح وعلى القربان المقدس . فأصدر البابا أمره بأن يطلب منه إنكار القضايا للعقائد المقرره ، دون القضايا المتعلقة بمذهب كوبرنيكوس ، ولكن برونو رفض الطلب ، وقال إنه لم يخالف الإيمان وإن رجال الديوان يؤولون أقواله فحكم عليه بالموت وبتسليمه إلى السلطة المدنية ، فتم اعدامه "حرقا" وفي يوم (17 فبراير 1600) وكان إلى النفس الأخير رابط الجأش ، شجاع ، مصرا على عناده ، ويقول الأستاذ سلامة موسى "ولكن الدراما لم تتم فصولا . فإن برونو تقدم إلى الناس سنة 1600 وقلبه معمورا بإيمانه بنفسه وبالحقيقة ، لا تدمع له عين ولا ترتجف له يد . وبعد 300سنة من احراقه كان البابا يبكي لأن أهل روما قد أقاموا تمثالا لبرونو في المكان الذي احرق فيه ... وهكذا يكتب الإنتصار للحرية على الإستعباد .
ولكن لابد هنا من وقفة لنتأمل ليس فقط موقف برونو الشجاع الذي أثر أن يدافع عن مبادئه وأفكاره حتى لو كانت حياته هي ثمن موقفه وعناده . ولكن الفكرة التي تستحق التأمل أكثر من ذلك هي "ما الذي تغير في أوروبا في الأربعة قرون الماضية منذ حرق برونو عام 1600 إلى يومنا هذا ؟ ونحن جميعا نرى حرية الفكر والإعتقاد التي تتمتع بهما أوروبا اليوم ، ونرى أيضا علماء ومفكرون مثل "ريتشارد دوكنيز" و "ستفين هوكنج" وهم يتكلمون في قضايا تمس مبدأ وجود الله نفسه . فستيفن هوكنج يرى أن ليس ضروريا افتراض وجود روح عليا ، سامية منفصلة عن المادة خالقة ومدبرة للكون ، وموقف دوكنيز معروف للجميع بإلحاده الصريح ونقده بصفة مستمرة للأديان ومع ذلك لم يمسهما أحد بسوء ولم تتعدى عليهم أي سلطة مهما بلغت من نفوذها وقوتها سواء بالقول أو بالفعل . إذن فما الذي تغير خلال الأربع قرون الماضية ، من حرق برونو حيا إلى جهر دوكنيز وهوكنج بالإلحاد علنا . في ظني أهم ما ساعد أوروبا في أن تصل لذروة الحرية الفكرية والعقائدية . هي غرس قيم مثل : العلمانية ، والليبرالية ، والديموقراطية ، والمواطنة ، وحقوق الإنسان ، وقيم التنوير ، والتسامح وحرية الإعتقاد والتعبير عن ما أعتقده وأراه صوابا حتى لو كنت مختلفا مع أغلبية المجتمع فهذا حقي . بالإضافة طبعا إلى البعد الإقتصادي والمذهب الرأسمالي الذي كان ضربة قاضية للإقطاع الأوروبي . هذه مجرد وجهة نظر تقبل الصواب والخطأ . ولا أدعي أن هذا الإستنتاج هو استنتاج صحيح ولكن هذا مجرد اجتهاد .
========================================================
*انظر كتاب "تاريخ موجز للزمان" لستيفن هوكنج .
*انظر كتاب "تاريخ الفلسفة الغربية" لبرتراند رسل .
*انظر كتاب "تاريخ الفلسفة الحديثة" للدكتور يوسف كرم .
*انظر كتاب "حرية الفكر" للأستاذ سلامة موسى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟