الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شنكال جنين الغد

مصطفى بالي

2014 / 8 / 29
القضية الكردية


التاريخ كما هو مخفي في بداياته فهو بنفس الوقت مقبرة للشعوب التي قطعت عنها حبال الصرة المغذية وهي أجنة في بطون الزمن،لم تستطع كل آلات الموت والإبادة أن تفني شعبا ما،لكن بناء المخافر في الأدمغة،مسح الأدمغة،تجفيف منابع الانتماء،إزالة محرضات المقاومة،تعطيل كريات الدم البيضاء في الفكر الجمعي،وغيرها الكثير من وسائل الإبادة،تغني عن ارتكاب المجازر الحمراء،لأن المجازر البيضاء أثبتت نجاعتها،وحولت الكثير من الشعوب إلى موتى يسيرون بقامات غيرهم،لم يعد باطن الأرض مكانا مناسبا لدفن الشعوب،وكأن تلك الشعوب لم تعد تستحق حتى تلك الأسلحة التي تستخدم لإبادتهم،فاستعيض عنها بالتذويب وتحويل انتماءها وتغيير نسبها.
ولكي تفني شعبا ما عليك أن تمسح ذاكرته الجمعية،أن تجفف المصدر الأساسي الذي يبث مع الريح إناء الليل وأطراف النهار المعزوفات التي تذكره باغترابه وضرورة عودته عن تلك الغربة،هذا المصدر هو تماما كحبل الصرة الذي يغذي الجنين في بطن أمه ويحفظ له الحياة حتى يأتي الظرف المناسب ليطلق صرخته للحياة محيياً،الجنين في بطن الأم كائن ضعيف،لا حول له ولا قوة،لكنه بشرى لاستمرار الحياة،وبشرى لبقايا أمل ما زال يخفي نفسه في الأحشاء،ذلك أن الأم هي الحياة والجنين هو ابتسامة الأم لغد أفضل.
تعرض الكرد للكثير من المجازر،وعندما نقول الكرد فحكما نحن نتحدث عن الإيزيدية،الزرادشتية،أحفاد ماني،أولى الشعوب التي بشرت بالتوحيد،أولى المجموعات التي تحدثت عن وحدة الكون وتكامله،ولكي يتم مسح هؤلاء من ذاكرة البشرية وسرقة ميراثهم الثر لا بد من إفناءهم،ولذلك كانت المجازر بالسيوف المثلومة والمجلوخة،بالرماح والسهام والنبال،بالمجانيق والنيران،بالوعود الكاذبة للخلود الآثم،بالاغتصابات الجماعية لنساء لم يدفنَّ من الأزواج والأبناء والأخوة،كانت المجازر بالإجبار على اعتناق ما لم يكن رداء مناسبا لهم،فشراويل الجبال هي ما يناسب الطبيعة الجغرافية لكردستان وجبالها وليس العباءات والعمائم الصحراوية المغبرة.
أمام كل هذا الإرهاب كانت الإيزيدية هي الجنين الذي احتمى بشنكال الأم لتسخر من كل الطغاة في قبورهم،كلما اطمأنوا أن الكرد إلى زوال جاء رسل شنكال لصرخوا في نخوة الكرد المخفية في لا شعورهم الجمعي:أن استيقظوا،ولتقع المفاجأة كالصاعقة على من اعتقد أنه أفنى الكرد بالهلال،صدرت الفرمانات،واحدا تلو الآخر وكلها سقطت تحت أقدام شنكال مخزية،وبقيت شنكال صادحة تغني لنا سر الوجود،وتحفظنا ليوم كهذا كما تحفظ الأم زوادة أبناءها لربيع لا بد آتٍ.
هذه المرة،حاول الغبار الجنوبي الأصفر،أن يفنينا في كوباني فسقط برذاذ أمطار المقاومة،ذلك أن كوباني ورغم أنهم ألبسوها العباءة والعمامة لكنها عندما تتحرك ترمي عن كاهلها ثيابها الغريبة وتعود لترتدي ما يناسب أبناء الجبال،توجه الغبار نحو شنكال هذه المرة بحقد متراكم منذ أربعة عشر قرنا،حيث أيقن أن هذه البقعة هي التي حفظت الكرد طوال هبوب الغبار عليها،رذاذ شنكال يتحدى الغبار الأصفر،ويزيله في كل مرة،لذلك كان الحقد أعمى هذه المرة وبالتواطئ مع أبناء الدار الذين كانت حسناوات الكرد تزين لهم الجدائل مغبونات ببطولاتهم الخلبية الكاذبة،مخدوعات بهؤلاء الذين لم يجيدوا من فنون الدفاع سوى الهروب وترك الناس كالقطعان بين أنياب الذئاب وسكاكين الجزارة،ومن ثم التسول على أبواب السادة باسم هؤلاء المذبوحين في محراب فسقهم القومي وفجورهم الوطني.
لكن هذه المرة لم تكن شنكال كما المرات السابقة،فتح لها حبل يمدها بالحياة من كوباني وعفرين والجزيرة،انطلق أبناء الشمس والنار يفدونها بالروح والجسد،يحمونها كما يحمي الإنسان بؤبؤ عينه من الغبار،وسقطت الرهانات الفاجرة على أقدام هؤلاء المقاومين،اختلطت الحسابات في سوق نخاسة العوائل الطفيلية،وانشغل الوطن بالوجود فيما انشغل من تعود على الهروب بتسول من نوع جديد.
في شنكال والطريق إليها من الجزعة،هناك من يدفع حياته لحماية أهلنا وذاكرتنا فيها،وهناك من يتسول الأسلحة باسم شنكال دون أن يطلق طلقة واحدة فقط.
أخشى ما أخشاه أن تكون هذه الأسلحة ليوم لا نتمناه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدينة الفاشر تحت وطأة الحصار.. ومعاناة السودانيين تتضاعف بين


.. تحقيق أممي يتهم إسرائيل وحماس بارتكاب جرائم حرب.. ماذا بعد؟




.. تغطية خاصة | شبح المجاعة يجتاح الأحياء والبيوت في شمال غزة |


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال فلسطينيا في مدينة دورا جنوب غرب ال




.. بالحبر الجديد | مصدر في المقاومة: -إسرائيل- تتمسك بوضع الفيت