الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعلم والمنظومة التعليمية: فكرة في سياق التحليل

شفيق طه النوباني

2014 / 8 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


مع كل مطالبة للمعلمين بحقوقهم المهنية والمعيشية يجيّش الإعلام الأردني في مواجهة المعلم الذي يُعد بطبيعة الحال أساس العملية البنائية في أي دولة تعمل على اللحاق بركب الحضارة والتقدم، وقد زاد من حملة التجييش على المعلمين الأردنيين تدني نسب النجاح في امتحان الثانوية العامة في السنة الأخيرة 2013/2014، إذ أدت مجموعة من العوامل إلى هذا التدني، فقد عملت وزارة التربية والتعليم في هذا العام على الحدّ من ظاهرة الغش في الامتحان الوزاري، كما توقفت عن منح "علامة الرحمة" للطلبة الذين اقتربوا من درجة النجاح، هذا بالإضافة إلى تغيير نمط أسئلة امتحانات الثانوية في العديد من المواد.
والحقيقة أن هذا التدني في نسب النجاح لا يشير إلى تراجع مستويات الطلبة في هذا العام بقدر ما يشير إلى تغيّر سياسة امتحان الثانوية العامة إذ حاولت الوزارة إظهار المستوى الحقيقي للطلبة في سنة الثانوية العامة فقط، دون أن تلجأ إلى سياسة تعليمية شاملة تتناول المراحل الدراسية جميعها كما تتناول أركان العملية التعليمية من المدرسة إلى المعلم إلى الطالب حتى تصل إلى الجهاز التربوي التعليمي بأكمله، بل حتى تصل الدولة إلى إصلاح أجهزتها بكل مكوناتها.
ولو اتجه أحد المراقبين إلى دراسة نسب النجاح في المراحل الدراسية والثانوية فيما عدا الثانوية العامة لوجد أن النسب تقترب من الاكتمال حتى أن الناظر من بعيد سيحس أن الأردن يعيش نهضة علمية تعليمية ليس لها نظير، فإذا نظر إلى مخرجات التعليم وحاول سبر المستوى التعليمي وجد أن النتائج غير مطابقة، فإن وجد طلبة متميزون بأعداد جيدة سيجد طلبة تخرجوا من المرحلة الثانوية دون أن يتمكنوا من قراءة سطر واحد باللغة العربية التي يتعلمون بها. حتى إذا ذهبت إلى جامعاتنا وجدت الكثيرين ممن لا يستطيعون أن يركبوا جملة واحدة بلغة سليمة أو إملاء صحيح.
الحقيقة أن عاقلا لا يستطيع أن يلقي اللوم في هذا الواقع التعليمي على المعلم وحده، علما بأن المعلم جزء من هذه المنظومة التعليمية، فهو يمثل مخرجا من مخرجاتها شئنا أو أبينا، ومهما بلغ بنا التحيّز لمهنتنا التي نجلّها ونعتز بها. غير أن التناول الموضوعي لإشكالية التعليم في الأردن يقتضي تناول التشريعات التربوية والنظام الاقتصادي المعتمد على الخدمات والقيم الاجتماعية فضلا عن نظام الدولة برمّته.
فرضت وزارة التربية منذ سنوات عديدة تحديد نسب الرسوب في الصفوف جميعها، دون أن تتنبه إلى أن تحديد هذه النسبة ينبغي أن يتبع مستويات الطلبة، فوفق المنحنى الطبيعي ينبغي أن تكون النسبة الكبرى من الطلبة قد تحققت لديها نتاجات التعليم بالفعل، ودون أن تتنبه إلى أن مستوى التعليم أصبح يتضاءل شيئا فشيئا إذ لم يعد نجاح الطلبة تابعا لمستواهم التحصيلي بل تابعا للنسبة التي تفرضها الوزارة، وإذا كانت النسبة المسموحة 5% من عدد الطلبة فإن صفا فيه عشرون طالبا لن يقبل رسوب أي طالب فيه.
بعد تحديد نسبة محددة لرسوب الطلبة في الصف انتشر عرفٌ بين الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور مفاده أن لا رسوب في المدارس، ليصحو بعض الآباء على أبنائهم في الثانوية العامة وقد رسبوا في المواد جميعها، بل إنك تجد الطالب نفسه مغيبا عن مستواه التعليمي فيتفاجأ بمستواه الذي تبيّن له في الثانوية العامة بعد أن كانت علاماته أفضل حالا في السنوات السابقة.
لقد أدت هذه السياسة التعليمية إلى وضع العلامة في مركز العملية التربوية وتجاوز المستوى التعليمي بحد ذاته، فأصبح الطالب وولي الأمر والمعلم يعملون جميعا من أجل العلامة، حتى انتشرت الدروس الخصوصية في المواد جميعها، وبات تعليم المواد قائما على أنماط أسئلة، وليس على تعميق معرفة الطالب في مجال معرفي معين، بل أصبح الأهالي يتباهون في عدد المعلمين الذين يدرسون ابنهم في إطار ثقافة استعراضية تنسجم مع العقلية القبلية التي تسود مجتمعنا. أما المعلم فبطبيعة الحال سيسعى إلى تحسين وضعه المادي المتردي، والذي لن يتحسن كثيرا مع الدروس الخصوصية.
لقد ازداد عدد الجامعات في الأردن حتى أصبح النظام التعليمي يقوم على أعداد حملة الشهادات وليس على أعداد المتعلمين، بل إن الجامعات الحكومية أصبحت تنافس الجامعات الخاصة في قبولاتها وأسعار ساعاتها من خلال البرنامج الموازي وما شابهه. والجامعات مؤسسات اقتصادية سوف تتضرر من تدني مستويات النجاح في الثانوية العامة، ومهما حاولت وزارة التربية والتعليم أن تطور أداءها إن صممت على ذلك فلن تستطيع ذلك في ظل اقتصاد تعليمي يقدّم المال على التعليم. ومن أين ستحصل هذه الجامعات على طلبة إن لم تصدر لها المدارس خاماتها بغثها وسمينها؟
في تناول سلسلة التعليم في الأردن ستجد عثرات عديدة تؤدي إلى التراجع، والأمر في التعليم لن يختلف عنه في الصحة أو الأشغال أو وزارة الخارجية أو الداخلية أو أي وزارة أخرى، ولو تتبعت السلسلة في أي وزارة لوجدت أن العثرات تتضخم كلما تعمقت في التشريعات والقوانين ومن يقومون عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال