الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحقيق الذات

محمد ابداح

2014 / 8 / 30
المجتمع المدني


وضع العالم الألماني السويسري (باخ أوفن) ،نظريات عديدة في علم الإجتماع، ولطالما تناولت أبحاثه الأشياء الخفية التي تؤثر في حياة الإنسان، ومن بينها الصراع بين الروح والمادة، والصراع بين الذكورة والأنوثة ، كأساس لتطور وتكاثر الجنس البشري، وخلص إلى أن الحياة مزيج بين هذين الكفاحين، فأشار إلى الزواج باعتباره تصرفأ قانونياً، يُنتج أثراً ويرتب حقوقاً وواجبات، ومسؤولية تقصيرية، وهذا من جملة الأمور التي تميز الإنسان عن الحيوان في صراع البقاء.
لقد أضاع البشر وقتاً طويلاً كي يعلموا بأن الكائنات الحية تتكاثر طبيعياً وليس نتيجة التطور، فلا يمكن لجنس أن يتحوَّل طبيعياً لجنس مختلف ، فالقط الذي نعرفه اليوم، هو ذاته الذي عرفهُ الإنسان الأول، وهو نفسه الذي حنطه الفراعنة، وهو حتماً نفس القط الذي سيعرفه المستقبل، كذلك الأمر بالنسبة إلى الجنس البشري، فلا يمكن أن يتكاثر إلا من ذات جنسه.
وبعدما بلغ البشر الدرجة الأولى من السلسلة الفكرية، عرفوا أن الفرق بين الموت والحياة هي الروح، فهي التي تمنح قالب الطين الحياة، فالله خَلَقَ آدم من الطين، ثمَّ نَفَخَ فيه من روحه، فدبَّت فيه الحياة، وبالموت تخرج منه الروح، والبدن وعاء فخاري يتحلل، بينما تبقى الروح، وخلق الله حواء من الضلع الأيسر لآدم ، وانجبت له أولاداً تناسلوا وانتشروا في الأرض.
وبالعودة لتلك الأشياء الخفية ، فإن أهم سؤال يجب أن تطرحه أيها الإنسان على نفسك، هل أنت روح تعيش في جسد، أم أنك مجرد وعاءٌ مؤقت لتلك الروح؟، ولكن قبل أن تجيب على هذا السؤال تذكر بأن الله قد خلق جسدك أولا ثم نفخ فيها من روحه، وتذكر أن لسانك، بل وكل عضو في جسدك سيشهد لك أوعليك يوم القيامة، بكل كلمة قلتها أوستقولها.
حسناً دعني أريحك من عناء التفكير، أنت مع جسدك تدعى إنسان، وبلا جسدك تدعى النفس، تلك هي الحقيقة، فلا تتعب نفسك في التفكير بما لاينفع، ولذا حين يقول لك شخص ما أن تتصالح مع نفسك، فلا تستمع له ، فأنت لست شخصين في جسد واحد ، بل أنت روح واحدة تمتلك الجسد، وهذا الجسد هو أداتك لتحقيق ذاتك.
ولتحقيق ذاتك، كان عليك أن تعلم بأن الروح ليس أكثر من هواء يخرج ويدخل من أنفك آلاف المرات في اليوم الواحد، وقد يخرج ذات يوم بلا عودة، ولذا فقد عرف الإغريق الروح بأنها طاقة التنفس، وعرفها العلم الحديث بأنه الشخصية والعواطف، وعرفها الإسلام بأنها من علوم الله الغيبية، والتي لم يُطلع البشر عليها، ولطالما سعى الإنسان لسبر أغوار نفسه، فهي جزء من تحقيق الذات، والذي عرفه عالم الإجتماع الأمريكي ( ابراهام ماسلو) بأنه الحالة النهائية للإنجاز، ولخصها بالطعام والمأوى، والصحة الجسدية والعائلة، والتعليم والإندماج الإجتماعي، وأخيرا الإنجاز الفكري والإجتماعي والمادي، فإذا تم إنجاز كافة ما سبق ذكره ، يصل الإنسان إلى حالة تحقيق الذات، وإذا ما حقق الإنسان ذاته، سيصل حتماً للرضى والسعادة، ويصبح مرحاً ومتسامحا، ومساعداً للآخرين.
وإن كان الأمر كذلك، فكيف يفسر ( ابراهام ماسلو) أن أغلب الشخصيات التي تقدم على الإنتحار في الغرب، هي تحديداً تلك التي حققت الحالة النهائية للإنجاز، أي أنها امتلكت الطعام والمأوى، والصحة الجسدية والعائلة، والتعليم والإندماج الإجتماعي، والإنجاز الفكري والإجتماعي والمادي، ولكنها في النهاية انتحرت !، وكان آخرها النجم العالمي (روبن ويليمز).
بين الحين والآخر تأمرنا الأشياء التي لم تصنعها أيدينا كالجبال الشاهقة والنجوم والقمر، بأن نعيد التفكير بأنفسنا ، وحينها فقط ندرك كم كنا على خطأ !، وحينها سنعلم بأن أكثر المجتمعات تطوراً هي أقربها للحياة البدائية، فتراهم يملكون شواطىء للعراة، تماما كالإنسان الأول بل أنه كان يستر عورته بورق الشجر، كما أن معظم الأثرياء وأصحاب القصور يبنون لأبناءهم منازل خشبية على الأشجار في حدائقهم الخلفية تماماً كالإنسان البدائي، والذي كان يعيش على الأشجار وفي الكهوف، كما أن هؤلاء الذي تمكنوا من تحقيق (الحالة النهائية للإنجاز) يسارعون دوما للهروب إلى الأرياف والعيش بمناطق نائية بعيدة عن صخب الحضارة ، بحثاً عن البدائية، وهذا ما يبقيهم بعيدين عن الإنتحار، وليس تحقيقهم لإنجازاتهم الشخصية النهائية، وحين نعلم ذلك نحن الذين لازلنا نبحث عن ذاتنا، حينها فقط سنرى الجنة في زهرة برية، ونرى الدنيا في قطرة ندى، وسنرى الغيمة قطعة من الإلهام، وسنرى الخلود في كل لحظة تمر بنا، وحينها فقط سنعلم بأننا لم نكن في صراع مع ما تحتاجه أنفسنا، بل في ما نريده نحن لأنفسنا، وثمة فرق كبير بين ما تحتاجه أنفسنا، وبين ما تريده، وكي نعلم هذا الفرق، فلننظر للكون، كما أمرنا الله، كل شيء في الكون يمنح ويأخذ بقدر محدد، فالنبات يأخذ حاجته من الماء والضوء والهواء، وكذلك سائر الكائنات، باستثناء الإنسان تأمره نفسه بالمزيد ولن يشبع إن سار خلفها، ولن يقنع أبداً، وعليه فحالة الإنجاز النهائي الحقيقة، هي ليست كما يراها ابراهام ماسلو ، وإنما كما تراها سنة الكون، والتي خلقها الله بقدر محدد أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين


.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت




.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا


.. الأمم المتحدة تكرم -رئيسي-.. وأميركا تقاطع الجلسة




.. تفاصيل مقترح بايدن من تبادل الأسرى حتى إعمار غزة