الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر التلموديين الجدد في حياة المسلمين!

خالد حسن يوسف

2014 / 8 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المعروف أن اليهود التلموديين هم أول من من وضع شريعة دينية موازية لديانة اليهودية و أضافوا لليهودية تعاليم جديدة لم ينزلها الخالق على غرار التوراة, إذ صاغ مجموعة من رجال الدين اليهودي في العراق التلمود وجعلوا منه ركنا أساسيا للديانة اليهودية, رغم أنه يشكل بشروح فقهية لهؤلاء الحاخامات, وفي ظل رأي القديم ومدى تاثيره على الأجيال وتكرسه في ذاكرتها الجمعية فإن أحدا لا يستطيع في الحاضر الإشارة إلى وضعية تعاليم التلمود, وأنها من وضع البشر وليست مرسلة من خالق الكون, أو محوها من أعماق وجدان الإنسان اليهودي نظرا لترسخها على مدى القرون.

كما أن المسيحيين بدورهم لاسيما الكاتوليك والبروتستانت تحديدا يؤمنون بتعدد طبيعة السيد المسيح النبي عيسى عليه السلام, وبتالي يكفرون كل من لا يؤمن بهذه الطبيعة من المسيحيين, وهو ما ينطبق على طائفة الاروسيين المسيحية الذين كُفروا من قبل الارتدوكس والكاتوليك معا, خاصة وأن الاروسيين قد أمنوا بطبيعة المسيح الانسانية وكحامل للبشارة وليس كخالق, كما أن مثل هذه التأويلات بدورها قادت إلى مؤتمر خلقدونية في عام 325 ميلادية, والذي شهد إنقسام المسيحي المبكر ما بين الارتذوكس والكاتوليك.

وهو ما يؤكد أن كل من أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية أضافوا لتعاليمهم الدينية إضافات لم ترد في التعاليم الأصلية ناهيك عن تفسيرتهم وشروحهم لنصوص الدينية, وهذا يسري على الأناجيل الأربعة الرئيسية لدى المسيحيين, والتي تمثل بمجرد كتب لبعض الأباء الأوائل للمسيحية التاريخية, وأنها لا تعد بكتب نُزلت على المسيح صاحب الرسالة الأصلية بقدر ما هي إجتهادات وتأويلات لاصوليين مسيحيين, وأصابها تحريف الأيادي فيما بعد.

بدورهم المسلمين كتبوا العديد من كتب الصحاح والمسانيد التي تعتمدها فرق السنة, منها صحيحي البخاري ومسلم,مسند أحمد بن حنبل,سنن أبن ماجه,سنن أبي داود,جامع الترمذي, كما أن لفرق الشيعة كتبهم مثل الكافي,تهذيب الأحكام,الاستبصار,ومن لا يحضره الفقيه, والأباضية من كتبهم مسند الربيع بن حبيب وتفسيرات كل من أبوغانم بشر بن غانم(الحديث والآثار),هود بن محكم الهواري,عبدالرحمن بن رستم, وقد أنتهت هذه الكتب الوضعية الفقهية في أن أصبحت بكتب موازية للقرآن الكريم عمليا!.

وبدورها أن الأحاديث أو الروايات التي تناولتها كتب الائمة المسلمين لم تخلوا من الأحاديث المطعون بها وليس هذا فحسب, بل يمكن القول أن الائمة أنفسهم طعنوا بطريقة غير مباشرة في الروايات بعضهم البعض وهو ما يؤكده أن الإمام البخاري والذي كان أستاذا للإمام مسلم, ويختلف ويتميز في صحاحه عن صحاح تلميذه مسلم, فاصحاح الأول يضاعف صحاح الثاني من حيث حجم عدد الأحاديث المعتمدة والتي جمعها كل منهما.

لاشك أن سبب ذلك أنه كانت لكلا الرجلين طرقهم الخاصة وقواعدهم في تقييم الأحاديث المنسوبة لرسول صلى الله عليه وسلام, وهذا ينطبق على بقية الفقهاء من جامعي الأحاديث, كما أنه لا يمكن إطلاقا بإغفال أن رواية الأحاديث كان يُتلاعب بها من قبل بعض الرواة نظرا للمصالح والرغبات, والتي كانت تسدل بستارها على مسيرة جمع الأحاديث النبوية, وبما يعني أن ما تفاده ولم يجمعه كل فقيه من أصحاب كتب الحديث يؤكد أن المتروك منها محل لشك والريبة, حتى في حال أن فقيه أخر قد أخذ بتلك الروايات وهذا ما ينطبق على موقف الإمام مسلم بتجنب نصف الأحاديث التي كان جمعها أستاذه الإمام البخاري من الرواة.

إلى أن الجميل والعظيم أن إختلافات أولئك العلماء لم تفسد من ود بعضهم للبعض رغم تباينتهم, وأخذا بعضهم من بعضا, مع إستقلالية كل منهم في إجتهاده, في حين أصبح مراعاة تعدد الإجتهاد من قبلهم بقاعدة علمية أنطلقوا منها لتعاطي مع الشأن الديني الفقهي والغير قطعي, وفي هذا السياق تحضر مقولة الإمام الشافعي الشهيرة "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

وفي زمن الأصوليين المسلمين الأوائل كانت الأهمية تمنح عادتا لدور السند وهو إسناد الحديث أو الرواية إلى سلسلة من الرجال وصولا إلى مصدرها, إلى أنه مع تقدم قواعد البحث فيما بعد ظهر العديد من العلماء والتيارات الفكرية الدينية الاسلامية والذين أولوا لقضية المتن أهمية بالغة مقارنتا مع أمر السند, وبتالي فإن الاهتمام بالمتن يعتبر قاعدة ومنحى بحثي جديد يأخذ به الفقه المعاصر, خاصة وأن المتن يعرض على الأصل الرئيسي لمصدري التشريع في الاسلام وهما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة, كما أن الفقهاء الأصوليين المسلمين الأوائل بدورهم كانوا يعرضون الحديث على القرآن الكريم وذلك لتأكد من مدى صحته.

وإنطلاقا من التاريخية المشار إليها والظروف, فإن باب النظر في الأحاديث والروايات الاسلامية, يظل مفتوحا حتى قيام موعد الساعة وطي صفحة الزمن الدنيوي, وفي صدد ذلك أتجه علماء الأزهر نحو إعداد مبادرة عمل لغربلة الأحاديث وتصنيفها مجددا وإصدارها في موسوعات فقهية جديدة وشمول ذلك الأحاديث لدى كل من طائفتي السنة والشيعة المسلمين, إلا أن هذه المبادرة لن تكون بفصل الختام في وجه مبادرات اسلامية أخرى طالما أمتلكت المقومات للقيام بذلك العمل الجليل وفي سياق تاريخ المسلمين المنظور.

وتأتي أهمية مثل هذه المحاولات الفقهية الجديدة في ظل وجود مسائل خلافية بين فرق المسلمين ويزيد عددها عن 2500 مسألة فقهية, يتباين المسلمين في إطار مدارسهم السنية,الشيعية والأباضية في شأنها, إلى أن هذه التباينات تقضي بعدم تجاوز الأصول الرئيسية في الاسلام وتحديدا شهادة التوحيد الجامعة للمسلمين والإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم, ويظل ما دون ذلك بإجتهادات وإختلافات فقهية وتأويلات فقهية بشرية, مع إستثناء القضايا التي تعد محل إجماع من قبل عموم المسلمين.

وما يفرض التغيير الفقهي المعاصر وهو أن واقع المسلمين قد أنتهى على غرار واقع الفرق اليهودية والمسيحية والتي أنتهى كل منها في تفرعاته, أن أصبح بمجموعة أديان منفصلة يجمعها مجرد الأصل التاريخي المشترك ليس إلا.

ونظرا لكون مسألة القدم عادتا من أشد الأمور التي عادتا تعترض حدوث التغيير الانساني والفكري تحديدا, فإن مسألة التقليد الفقهي الحرفي تشكل بتحدي مستمر ويعترض إيجاد فقه اسلامي معاصر, وهو ما يتنافى مع مقولة الإمام الشافعي لتلميذه إبراهيم المازني "خذ من حيث أخذت ولا تقلدني", وايضا سار على نهجه الإمام أحمد بن حنبل قائلا:لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولا الأوزاعي,خذ من حيث أخذوا" وهما مصادر التشريع من القرآن والسنة وذلك بإعمال العقل وتحكيمه في الخيار الفقهي.

وفي حين كان الفقهاء المسلمين الآوائل يعملون إنطلاقا من أن يكملوا بعضهم البعض لخدمة الاسلام والمسلمين, فإن الفروعيين ولاسيما ممن ظهروا في القرنين الأخيرين, أصبحوا واقعيا يؤثرون في الذاكرة التراثية الجمعية للمسلمين بدرجة أكبر من تاثير مؤسسي المدارس الفقهية الاسلامية, فهؤلاء الفروعيين يمكن مقارنتهم بتلموديين الوضعيين وكمصادرين لتفسير والشروح الاسلامية, نظرا لقوة سطوتهم على البنى السياسية,الاقتصادية والاجتماعية القائمة في ظل حياة المسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الإيرانية: مراكز الاقتراع تفتح أبوابها و


.. مناظرة رئاسية اقتصرت على الهجوم المتبادل




.. تباين كبير بين ردود فعل مؤيدي بايدن وترامب


.. استطلاع يرجح أن دونالد ترامب هو الفائز في المناظرة الأولى




.. صدمة في أوساط الحزب الديمقراطي من أداء بايدن في المناظرة