الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الترجمة الآلية وتأثيراتها 2-2

علاء عبد الهادي

2014 / 9 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الترجمة الآلية وتأثيراتها 2-2
دكتور علاء عبد الهادي*

ليس من شك في أننا نشهد الآن اهتماما متزايدا بالترجمة علي المستويين العربي‏,‏ والدولي بعد ان تعددت منهجياتها وتنوعت الي حد كبير وهي مؤشرات تشهد علي حيوية هذا الحقل الدراسي‏,‏ الذي كان يعد هامشيا من قبل‏,‏ فمن الخطأ ان ننظر الآن الي الترجمة بصفتها مجرد فرع من فروع الأدب المقارن‏,‏ وذلك في ضوء ظرفنا الحضاري الذي يشهد ثورة معرفية جديدة ونهضة اتصالية غير مسبوقة‏.‏

ومن المنتظر ان تغير أنظمة الترجمة الآلية في السنوات العشر الآتية من أشكال الثقافة العالمية الحالية ومن طرائق تبادلاتها هذا فضلا عن تأثيرها علي المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعامة‏,‏ من هنا يصعب ان نغض الطرف عما وصلت اليه جهود الخبراء الغربيين في السنوات الأخيرة التي شهدت تطورات غير مسبوقة في تكنولوجيا الترجمة الآلية‏,‏ وتجدر الاشارة الي أن هناك عنصرين أساسيين يحددان الفرق بين البرنامج الآلي والبرنامج المساعد‏,‏ هما سعة المعجم من جهة‏,‏ ودرجة اعتماده علي تدخل العامل البشري من خلال طريقة هندسة البرنامج ذاته من جهة أخري‏.‏

وقد تناولنا في مقالنا السابق برنامجين من برامج الترجمة الآلية وهما برنامج سيستران وبرنامج يورتر وهناك المعاجم المتخصصة‏,‏ وعلي الشبكة مئات المواد والمقالات لمن يريد الاستزادة وفي هذا المقال سنتناول نظام الترجمة الآلية الفورية ساتس وتجدر الاشارة في هذا السياق الي دراسة سام لهمان ويلزيج وهي واحدة من الدراسات البحثية التي تناولت هذا النظام من منظور ثقافي‏,‏ ويعتمد جزء من تناولنا هذا علي ما جاء فيها من معلومات‏.‏

يأتي مشروع ساتس (‏SATS)‏ وهو اختصار لعبارة نظام الترجمة الآلي التزامني والذي يطور حاليا من خلال عدد من شركات الحاسوب في مقدمة مشروعات الترجمة الآلية الطموح التي تستهدف الوصول الي تواصل فوري‏,‏ ومباشر بين متكلمين من لغتين مختلفين أو اكثر في آن واحد علي نحو لا يشعر معه كل من المتحدث والمستمع بأية فواصل زمنية محسوسة في أثناء تحاورهما ومن المنتظر ان يقبل نظام ساتس علي المستوي التصميمي الدمج مع مختلف انواع الآلات او البرامج المماثلة او التقنيات في بيئتنا التكنولوجية الاتصالية المعاصرة وهو نظام يستهدف الوصول الي ترجمة آنية مباشرة من لغة الي أخري وصحيحة علي المستويات الاعرابية والمصطلحية‏,‏ والصوتية والهجائية والتعبيرية ويعني هذا ان المستخدم لن يتعامل مع برنامج او مع وسيط واحد‏,‏ بل مع تقنية بالغة التشابك يمكنها ان تكون ذات فاعلية في حديثنا اليومي الطبيعي‏,‏ وليس في ترجمة النصوص العلمية أو الادبية فحسب‏,‏ من هنا تظهر أهمية هذه الانظمة نظرا الي تكاملها من جهة‏,‏ والي آثارها المحتومة علي أية مشروعات عربية استراتيجية للترجمة في المستقبل القريب من جهة أخري‏.‏

من خلال هذا العرض المختصر يمكننا أن نشير الي عدد من الفوائد الناتجة من تطبيق انظمة الترجمة الآلية الفورية‏,‏ فمن المتوقع ان يزداد حجم الادخار الناتج عن الحد من تكلفة الترجمة البشرية‏,‏ كما انه من المنتظر ان يؤدي استخدام نظام ساتس الي الابقاء علي اللغات وحفظها خصوصا تلك اللغة المهددة الآن بالاندثار بسبب انخفاض عدد متحدثيها وعلي المستوي الثقافي قد يدفع نظام ساتس عديدا من ثقافات العالم الي إجماع اكبر علي الافكار وهذا ما قد يجعله أداة في ايدي القوي المؤثرة علي سياسات العولمة الثقافية بخاصة كما أنه قد يساعد من خلال التنوع اللغوي ـ الذي يستهدف نظام ساتس الوصول اليه ـ علي المحافظة علي الثقافات المحلية ايضا ومن المؤكد ان هناك آثارا سيئة لهذا البرنامج ربما كان اهمها نهاية مهنة الترجمة التقليدية‏,‏ والمشاريع القائمة عليها وستتأثر سلبا أغلب الاعمال المساعدة المتعلقة بالترجمة مثل وضع المعاجم علي سبيل المثال وقد يؤثر نظام ساتس ايضا علي الرغبة في تعلم اللغات الاجنبية علي نحو قد يضعف من تأثير لغات العالم وتأثرها المتبادلين‏.‏

أما علي المستوي المحلي فيثير نظام الترجمة الآلية الفورية ساتس خوفنا من قوة تأثير العاميات العربية المتنامي‏,‏ التي باتت تسيطر الآن علي وسائل الاتصال والبرامج المرئية في كل قطر عربي وهو وضع قد تصبح معه اللغة العربية الفصحي بالنسبة الي واضعي هذه البرامج‏,‏ ومصمميها الغربيين اختيارا يأتي في الاهمية الثانية فتوجه التصميمات المرتبطة ببرامج الترجمة الآلية التفاعلية المتزامنة الي اللهجات العربية العامية‏,‏ هو أمر متوقع بل انه من اكثر التوقعات المحتملة ربما نتذكر كيف كان اختراع المطبعة عاملا مهما في الحد من سيطرة اللغة اللاتينية في أوروبا‏,‏ وهذا ما يسر من انتشار اللهجات الاوروبية المحلية‏,‏ وقد يتكرر الشئ ذاته للغة العربية الفصحي نتيجة تطبيق هذه الانظمة وهذا ما يرجعنا ثانية الي اهمية وضع استراتيجية قومية تستهدف الحفاظ علي اللغة العربية الفصحي ودعمها علي مستوي البرامج المرئية بخاصة‏.‏

ومما لاشك فيه اننا نشهد الآن تطورا غير متكافئ في بحوث الترجمة الآلية‏,‏ ارتباطا بمجال التقنية اللغوية‏,‏ وهي بحوث غربية لها نتائج عملية مباشرة ستؤثر تطوراتها المنظورة دون شك علي أية خطط استراتيجية بعيدة المدي لمشروعات الترجمة العربية‏,‏ وهو وضع يجب ان يدفع القائمين علي مشروعات الترجمة العربية الي اتخاذ مبادرات تجاوز الاطار الضيق المرتبط باختيار الاعمال المترجمة‏,‏ الي التأثير والتفاعل مع صناع هذه البرامج ومصمميها في العالم الغربي‏,‏ فلم يعد في إمكان هؤلاء تجاهل البحوث التقنية القائمة في مجال الترجمة الآلية بخاصة‏.‏

ربما يشكل اقامة مؤتمر دولي علي مستوي رفيع عن مجموعة من المحاور المرتبطة ببحوث الترجمة الآلية والكيانات القائمة عليها نقطة بدء مناسبة للتفاعل مع رواد هذا المجال المهم الذي سيؤثر لا محالة علي جماع استراتيجياتنا العربية للثقافة في السنوات القليلة المقبلة
* (شاعر ومفكر مصري)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التكنلوجيا الترجمة
فرحان ( 2014 / 9 / 3 - 04:39 )
جميع نواحي الحياة قد تاثرت بالتكنلوجيا الا الترجمة فلقد حاولت كل من () () فباءت محاولتهم بالفشل . بعض مايترجم يصبح نكتة. تفقد المعنى الاصلي, من المستحيل الترجمة. خاصة العربية لمعجمها اللغوي وكثرت المرادفات. يصعب علينا كعرب من فهم بعضنا لبعض فما بالك باجهزة فاقدة الاحساس . الموضوع هذا يحتاج لسنوات كثيرة للشرح فقط.اما التطبيق فمحال. انا مترجم اكثر من 40 سنة وانا ادرى بهذا المجال.كذلك انا خريج قسم اللغة العربية وخريج الانكليزية ومقيم في امريكا منذ 1975 وعملي الوحيد هو ترجمة. لك تحياتي

اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا