الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصا موسى

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 9 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقول الحكاية أن النبي موسى عليه السلام عندما فر هارباً هو و قومه من ديكتاتورية فرعون مصر انتهى طريق فرارهم بأن واجهوا أمامهم البحر مُنهياً رحلة الفرار تلك..و هنا يقع موسى في أسوء موقفٍ لا أظنه قد تخيله في أسوء كوابيسه..ففرعون مصر يطارده بجيشه من ورائه و البحر يفترش ناظريه من أمامه..فقط ليأتي الإنقاذ لموسى و لقومه على طريقة غريفيث أي في اللحظة الأخيرة..ذلك الإنقاذ كان عصا تشق البحر من أمامه ليفر هارباً من مطارديه الذين غابوا في ثنايا موج البحر المتلاطم فوقهم سخطاً من بعده.

جميلة تلك القصة و لا أستطيع أن أدعي عكس ذلك..بل إنها تمنحنا قناعةً ذات لذةٍ خفية بإمكانية الخلاص من ظلم و جبروت الحاكم مهما تمادى في ظلمه..و لكن تلك القصة أيضاً قد تُلهم البعض عن طريق إرسال إشارةٍ خفية مفادها أن ذلك الخلاص لن يتم قمع تواجد فكرته و الرغبة فيه من عقل المواطن إلا عن طريق قلب الأدوار أي بتخليصه هو من عصا موسى ليمسك الحاكم هو بها.

فعصا موسى كانت رمزاً للوسيلة التي تؤدي إلى الخلاص..و لكنها أصبحت في يد الكثيرين من المنتمين للسلطة -باختلاف أنواعها- وسيلةً لمنح الذات قدسية الأنبياء..و في الدول الإسلامية بشكلٍ عام أصبح الدين هو تلك العصا التي تمنح المرء قدسية تبعد فكرة محاكمته على أخطائه -مهما كان نوعها أو فداحتها- عن أذهان الآخرين كما أُبعدت مياه البحر عن بني إسرائيل.

هكذا نجد أن الفاشلون دراسياً و المنحرفون أخلاقياً بإمكانهم بكل بساطة الالتحاق بأي جهاز شرطة دينية في أي دولة متشددة دينياً..و كل ما يلزمهم لفعل ذلك الأمر هو بضع شعيرات يضيفونها إلى وجوههم و عدة سنتيمترات يزيلونها من طول قامة أثوابٍ يرتدونها ليتمكنوا بعدها من ممارسة اضطهاد الآخرين باسم الدين و بكل أريحية..و إن حاولت الدفاع عن نفسك ضد تهجمهم عليك و اقتحامهم للحد الأدنى من قطعة الخصوصية التي تملكها و المهددة بالمصادرة دوماً سيلوحون نحوك بعصا موسى فتصبح حينها في نظر الآخرين كما الدولة لا تهاجم عفن أرواحهم و لكنك تهاجم ديناً بأكمله هم ممثلوه على الأرض!!.

و مع مرور الوقت و تعاقب الأجيال لم تصبح من البديهيات العقلية أن دفاع المرء عن نفسه و عن حرياته لا يعني بالضرورة تهجمه على الدين الإسلامي..تلك التهمة التي ينساق الكثيرون في الترويج لها جهلاً أو خوفاً لتصبح مبرراً قوياً -إن لم تكن قد أصبحت بالفعل- لكره الدين الذي ينتمي إليه هؤلاء و مقاومة وجوده بعنف حتى و لو قلنا و بالحد الأعلى من العقلانية أنهم لا يمثلونه.

بالأمس انتشر مقطع فيديو لرجل من الشرطة الدينية في أحد الدول الخليجية يتهجم على مقيم غربي الجنسية و زوجته المواطنة دون مبررٍ واضح لذلك التهجم سوى الرغبة في استعراضٍ وهمي للقوة..الموقف تطور بشكلٍ سريع و دراماتيكي إلى حد التشابك بالأيادي بين المواطنة و ذلك المتهجم ليصل إلى اضطرار سفارة المقيم-الضحية إلى إرسال سيارة مدرعة -كما قيل- إلى منزل مواطنها و زوجته لحمايتهما بعد أن تم تخليصهما من المعتدي عليهما!!.

هذه القصة ما هي إلا مثالٌ بسيط على مآسي متكررة تنتهي بما هو أشد قسوة أحياناً و هو الموت للضحية دون الجلاد..و لكننا في ذات الوقت نجد أن نسبة المعترضين عليها و الشاجبين لها قليلة..و ليس سبب ذلك الجُبن العربي المعتاد و لكن لأن المسلم يخشى أن يُفهم احتجاجه هذا على أنه نقد للدين و ليس لمن يمسكون عصاته ليقوَّموا بها أخلاق معتنقيه الفاسدة دوماً من وجهة نظرهم..و لهذا السبب أيضاً نجد أن نسبةً كبيرة قد تقف مع المعتدي ضد الضحية -و لو معنوياً في مواقع التواصل الاجتماعي- فهو من وجهة نظرهم يُمثل الإسلام و مهاجمته قد تعني الردة.

بين الفينة و الأخرى نقرأ أخباراً عن محاكمة رجال دينٍ مسيحيين بسبب قيامهم بتجاوزاتٍ أخلاقية أو مالية و لكننا لا نقرأ عن تلك القصص في دول العالم الإسلامي و خاصةً في الدول الخليجية و التي هي ظاهرياً أكثر الدول ممارسةً كما تصديراً لفكرة التشدد الديني..ما يجعلنا نصل إلى نتيجةٍ طبيعية مفادها أن في الغرب تمكن الفرد من نزع قدسية رجل الدين و الفصل بين تصرفاته الشخصية الخاطئة و التي قد يقوم بها أحياناً و يهاجمها ذلك الفرد عن الدين الذي ينتمي إليه ذلك المخطئ.

و لكن في العالم الإسلامي لن تستطيع ممارسة ذلك الفصل مهما حاولت..لأنك و بمجرد تلميحك من غير تلويحك بفساد رجل الدين هذا أو ذك و بمجرد مقاومتك لطغيانهم على حقوقك كما على حرياتك الشخصية ستجد أن عصا موسى برزت في يد أحدهم ليغرقك بالبحر الذي من حولك..فحينها ستكون أنت في نظر الجبناء كما الصامتين فرعوناً آخر كان يحاول أن يلوث طُهر موسى في عقولهم التي عمُيت بصيرتها بخوفهم منه و من عصاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالأمس انتشر مقطع فيديو لمفتي جمهورية مصر السابق:
حورية مدني ( 2014 / 9 / 1 - 15:57 )
إن أغنية “أبو عيون جريئة ” للنبي محمد ص، خلال برنامجه “والله أعلم”، عرض على فضائية BBC: “الفنان عبدالحليم، الله يرحمه، كان مؤمنًا، يحب النبي أوي وعمل له الأغنية دي مع محمد عبدالوهاب، بكلمات مختلفة تقول:

رحولوا المدينه ، وعاهدوا نبينه ”
http://www.youtube.com/watch?v=ghiMiFJjqZ4


2 - الموت للضحية دون الجلاد
هاني شاكر ( 2014 / 9 / 1 - 19:40 )

الموت للضحية دون الجلاد
ــــــــــ


معذرة أستاذتنا ... ألتاريخ علمنا أن ألجلاد دائما يموت أيضا .. فعليا ( هتلر ، صدام ، معمر ) وألأهم ... أدبياََ ( ناصر ، بينوشيه ، ستالين )

يعلمنا ألتاريخ أيضاََ .. أن ألجلاد بأعماله وممارساته ألمجنونه .. يقود شعبه ومجتمعه ( ألمذنب مع ألبرئ ) إلى مُحرقه كاملة ( ألمانيا ، ألعراق ، ليبيا ) حتى يصل ذاك ألمجتمع إلى أنهاك كلى .. ويكتشف غريزة حب ألبقاء .. ويبنى من جديد ... تشيلى تُعد ألأستثناء ....

ليتك تكتبى لنا عن ديناميكية صُنع ألجلاد ...

...

اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah