الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توظيف الطائفة في الطائفية

محمد كمال

2014 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جميع المجتمعات في مملكة الإنسان، ومنذ أنفتاح الأمصار على بعضها وظهور الدول الوطنية وتشكل المنظومات الدينية بفروعها المدرسية والفقهية إلى مساراتها المذهبية، وضرورات الهجرات البشرية المتبادلة عبر مسالك القارات وحدود الدول، وهي متلونة بألوان القوميات والأديان والمذاهب، وهذه الألوان، التي تشكل المكون الوطني في هذه المجتمعات، عُرِفَتْ بالطوائف، تمييزاً بين لون وآخر من أجل التعارف والتآلف والتآزر في المجتمع المشترك وضمن نمط إنتاجي اجتماعي تتآزر في تحقيقه جهد العمل اليدوي والذهني، وليس لغرض في نفس يعقوب للتصادم في القوادم من الأيام ولا من أجل استقواء طائفة على بقية الطوائف ولا من أجل استفراد طائفة بالسلطة المطلقة على حساب بقية الطوائف، إنما هذه هي طبيعة الأمور في وحدتها وفي تنوعها، وهذه هي سمة الطبيعة في نشوئها وارتقائها وبالنتيجة تلونها وتنوعها، وجمال الطبيعة في هذا التلون والتعدد، وكل طيف من اللون وكل وجه من التعدد جزء في وحدة الطبيعة المتكاملة والمتماسكة.
جميع هذه الطوائف، بمسمياتها وأصولها وتمايزها وبكثرة أفرادها أو قلة أفرادها وبفقرها وغناها، لا قيمة لها إن هي جُرِّدَتْ من مكونها البشري، الفردي والجمعي، ومن سمتها البشرية، وهذه السمة البشرية لا يختلف فيها فرد عن آخر، فكلهم من طينة وعجينة طبيعية واحدة، وبالمطلق لا تفاضل بينهما، والفروق الجسدية من أطياف اللون وتباين الطول وتفاوت البنية ومراتب الحسن والجمال لا تضفي على أصحابها سُمُوَّ النجيب أو دُنُوَّ الوضيع. فالكل في مملكة الطبيعة سواء، والكل من عجينة التراب وإلى ذرى التراب، وجميع هذه الطوائف بتلاوينها الفئوية والعرقية والقبلية أو بتوجهاتها الفكرية والعقائدية والدينية والمذهبية ليست في موقع التفاضل والتعالي ولا في موقع التسلط على بقية الطوائف والفئات، وليس للدم لونان، أزرق نبيل وأحمر وضيع، بل الدم كل الدم في شريان البشر أحمر وهذا اللون الأحمر هو رمز الدم والحياة.
ومن نكد الإنسان على نفسه أنه متمردٌ على الطبيعةِ أُمِّهِ، وناكر لجمال فطرتها وجميل عطائها، فانزوى عن الطبيعة متعالياً عليها في برجه الأناني متكابراً متسلحاً بملكة العقل والفكر والذي استطاع بها أن يُعَرِّيَ الطبيعة عن أستار إزارها، فأضحى يهيم في لُجَّةِ المصالح للذات دون أدنى إعتبار لا لكمال الطبيعة ولا لوحدة مجتمعه، فصار عبئاً على الطبيعة مستهلكاً كنوزها بإسراف وعلى نفسه في مملكة الإنسان متعالياً متفاخراً بنفسه أو بفئته أو طائفته على البواقي من أبناء جنسه في شخوصهم وفئاتهم وطوائفهم، وكان ديدنه في كل هذا العبث هو الاستفراد بكنوز الطبيعة ومنتوج العمل من جهد أبناء جنسه.
و ليس من محصلة لهذا التمرد على الطبيعة والعبث بوحدة المجتمع سوى تآكل الذات بأشكال الصراع والصدام والتناحر واضفاء سمة التكاره والتحاقد والتباغض على كامل مملكة الإنسان. إن هذه المحصلة العدمية صارت السمة السائدة في حياة الانسان منذ خروجه من مرحلة التعاون في كسب القوت إلى مرحلة استغلال القِلَّةِ القليلة لعمل الأغلبية من البشر، ومازالت هذه السمة سائدة وقد أخذت أطواراً متغيرة على مرمى الزمان. إن القلة القليلة في تسخيرها للأغلبية الساحقة في المجتمع والدولة تربط نفسها بالأغلبية بعلاقات التمصلح والاستغلال، وهي في حاجة إلى أدوات وآليات لتأمين مصالحها الذاتية، وهذه الأدوات والآليات تتغير مع توالي العهود وتطور أنماط الإنتاج بفعل التطور العلمي والإبداعي والتكنولوجي، إضافة إلى أن القلة المسيطرة تتشظى بذاتها إلى مكونات متنافسة ومتناحرة.
إن هذا التشظي والتناحر في بنية القلة المستغلة المهيمنة يدفع بها - أي الفئات المُسْتَغِلَّةِ - إلى أدوات وآليات جديدة تواكب التطورات المستجدة وتكون مجدية لتأمين مصالحها، ومن أبرز هذه الآليات هي استغلال التعدد والتلون في المجتمع الواحد، بحيث أن كل فئة متمصلحة تجعل من نفسها مركز استقطاب - قائد - لفئة أو طائفة في المجتمع وهكذا تتحول الطائفة من طائفة طبيعية إلى طائفة وظيفية، وتفقد معها الطائفة صفتها الفطرية في التعدد وأصالتها العقيدية في تنوع الفكر على هوى حرية الفرد في الاختيار.
وبمقتضى المصالح الأنانية تتحول الطائفة إلى أداة طيعة بيد شرذمة من القلة تقود أغلبية الأفراد في الطائفة إلى مسالك مصالحها وعلى حساب مصلحة الأغلبية في الطائفة، ومن أنكى مظاهر هذا الاستغلال للطائفة أن تتحول رموزها القيادية إلى أيقونات شبه مقدسة، وتتحارب الطوائف فيما بينها لمجرد صون قدسية هذه الرموز الأنانية وتكون جماهير الطائفة في سكرة الغوغائية وعبث العنف، وتكون في غفلة عن احترام الطائفة لنفسها ولغيرها ولكنها تنقاد دون وعي للدفاع عن عدوها الطبقي الذي استطاع بخبثه وخبرته الطبقية أن يحول قاعدة الطائفة، وهم الأغلبية العاملة المُسْتَغَلَّةِ، إلى جند له في حروبه التنافسية على سلطة المال والسياسة ضد أمثاله من الطبقة المُسْتَغِلَّةِ.
ومع غياب الوعي الطبقي، وحتى الوعي الإنساني العام، فإن الأغلبية في الطائفة تتحول إلى أدوات للتصادم والتحارب مع الأغلبية في الطائفة الاخرى أو التحارب بين تحالف من الطوائف ضد تحالف طائفي آخر، وهكذا تتولد طائفية بغيضة قبيحة من تلاقح المصالح الأنانية للطبقة البرجوازية أو الاقطاعية مع تلازم الجهل - غياب الوعي الطبقي والإنساني- لدى القواعد الشعبية في الطوائف في المجتمع الواحد.
بالمحصلة فإن الطائفة بذاتها ومن موقع العمل لذاتها لا تعني الطائفية أبداً ولا هي في تصادم أو تنافس مع بقية الطوائف، وأن المكونات البشرية للطائفة وقناعاتها الفكرية والعقائدية من نبع نصوصها لا تستثير ولا تبرر أية حفيظة ضد بقية الطوائف في المجتمع إن هي تُرِكَتْ على حالها ولحالها دون تدخل استثماري - استغلالي - من خارج طبيعتها. إن الطائفة، كانت ما كانت تلك الطائفة، بريئة طاهرة أمينة بطبيعتها وفي طبيعتها طالما أنها بقت على طبيعتها ولم يتم توظيفها لمصالح غيرها.
الطائفة لا تعني الطائفية، لا من قريب ولا من بعيد، بينما الطائفية هي توظيف للطائفة، وهذه الطائفية هي انتهاك لحرمة الطائفة وتحريف لأصولها وتشويه لطبيعتها واستغلال فض لسمعتها ولمكونها البشري.
من واجب المواطن - الفرد - في الطائفة أن يعي إن كان إنساناً حراً في الطائفة أم أنه أداة توظيف في محرقة الطائفية، وكل من تَوَظَّفَ، قسراً أو طوعاً، في الطائفية فهو خارج على الطائفة خائن لها حتى وإن ادعي الانتساب او الانتماء إليها، إذاً فالطائفة بريئة من الطائفية، وهذه معادلة اجتماعية نسترشد بها لعدم خلط الأوراق وحتى لا نزر بها وازرة وزر أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah