الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات – 7 – أبي أنا ذاهب.

نضال الربضي

2014 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دخل إلى الغرفة ِ حيث كان أبوه، لم يلقي سلاما ً لكن ابتدره باندفاع الكلمات:

- أبي أنا ذاهب.
- إلى أين؟ الآن و في هذه الساعة؟

- نعم، لقد أصبحت الحياة رتيبة ً مملة، لم أعد أحتمل ُ ثقل الروتين.
- فلنتحدث، اجلس.

- لا لقد اتخذت ُ قراري، لن أبقى أكثر، كل دقيقة ٍ تقتل شبابي.
- الساعة متأخرة و أنت مضطرب المشاعر فلنتحدث في الصباح.

- لن يمر صباح ٌ و أنا في هذا البيت، أحبك أبي لكن وداعا ً.

خرج مثل العاصفة، تاركا ً أباه في ذهول، حمل على كتفه شنطة ً صغيرة، فيها ما يلزمه، و نقودا ً وفرها طيلة السنة الماضية منذ أن عقد العزم على الخروج، مضى في طريقه نحو المرفأ، سيجدُ سفينة ً هناك و سيقلع حتى لو إلى بلاد الواق واق، أي مكان ٍ جيد ما عدا هنا، تقتله العادة و تذبحه الرتابة و ترقصُ على خمدِ وهج الحياة ِ فيه شماتة ُ الزمن.

أسرع في خطاه، و قد أدرك َ بعد دقائق َ أنه في وسط الغابة ِ التي تسبق ُ المرفأ، هذا المكانُ موحش ٌ لكنه أقصر ُ من طريق السيارات ويمكنُ أن يجتازه في أقل َّ من ساعة، شعر َ بعيون ٍ في الظلام فأسرع أكثر، علت حشرجات ُ حناجر َ غير ِ آدمية فبثت فيه رعبا كاد أن يشله عن الحركة، فاقتلع َ رجليه من الأرض اقتلاعا ً و عدا كالمجنون.

لم يكن يرى أمامه إذا يمضي لكن وقع حيوان ٍ ما قد بدأ يتسارع ُ بجنون ٍ خلفه، ركض و تعثر و قام ثم أحسَّ أن المسافة َ تقترب ُ أكثر، و من شدَّة ِ خوفه وقع مرة ً أخرى، فأدار وجهه إلى مصدر الصوت و هو عاجز ٌ فوق تراب الغابة و سلط المصباح إلى أعلى حيث كان َ الذئبُ في وثبته المرعبة مُعلَّقا ً في الهواء للحظة، و قد ثبتت عيناه على فريسته و تشده قوة الوثب و الجاذبية ليهبط عليه لينهيه،،،،،

،،،، تجمد الزمان و بدا المكان غائبا ً و امتلكهُ الرعب و العجز، و أحسَّ بالموت ِ و نعته الخوفُ و العقل ُ و الجسدُ معا ً بالحماقة و نهشه ندم ٌ سريع ٌ و توثبت الحواس لاستقبال الرعب القادم في المخالب و الأنياب،،،،،،

،،،،، حتى إذا ما فتح فمه ليصرخ دوت طلقة ٌ حطمت صمت الموت، و سمع َ عواء الذئب ِ لكن خافتا ً ندهة َ موت ٍ لا زمجرة َ افتراس، و بدا له كأن جسد الذئب قد غير مساره حتى ثبت أمام عينيه سقوطه قريبا ً منه، ميتا ً و الدم ُّ يسيل ٌ من رأسه، لا حول له و لا قوة.

ماذا حدث؟ و قبل أن يفكر، و من بين الأشجار خرج ابوه بيده بندقيته التي طالما أطلقا منها سويا ً و هما يصيدان. تجمد غير قادرٍ على الكلام و لا يعرف ُ ماذا يريد أن يقول أو ما يجب ُ أن يصنع، فأقبل إليه أبوه و حمله بين يديه ثم مضى به نحو البيت.

"أبي" قال في صوت ٍ خافت.

"لا تخف، أنا هنا، و سنذهبُ إلى البيت، سيكون ُ كل شئ ٍ على ما يرام" أجاب الأب و هو يخطو أقرب نحو البيت.

---------------------------------------------------------------------------------

خاتمة: قد تبدو هذه القصة رومانسية ً كلاسيكية تختلط فيها الدراما بالحب، لكن كلا ً منا في الحقيقة ِ عطشان ٌ إلى هذه الحماية ِ مشتاق ٌ لها، و ربما أن الألوهة َ تعطي ضمانها في هكذا حكايات لكن الواقع يُكذِّبها دائماً.

فهل نحن وحيدون في الحياة؟ الجواب: لا، لكل منا من يحبه يسهر عليه، و إننا بأجمعنا هذا الصبي و ذلك الأب، نتبادلُ الأدوار، فإذا ما أدركنا مُشتركنا الإنساني الجامع، سكنا البيت، و قطعنا الغابة، و بلغنا المرفأ، و سافرنا، و نحن ُ لم نغادر الدار و لم نفترق أبداً.

من كان له عقل ٌ للفهم، فليفهم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah


.. 210-Al-Baqarah




.. 212-Al-Baqarah