الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلسوف بعقل البيشمركة

مزوار محمد سعيد

2014 / 9 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




أداة الفيلسوف هي العقل، هو حصنه، ولكونه منصفا للعقل كذات، أداة ووجود، يمكنني القول بأنّ أداة الإنسان ككل، وكتواجد هي: العقل، وهذه الخاصية هي تتطلب نوعا رائعا من العمل، ذاك الذي يفضي إلى قيام البشر بما يتوجب عليهم، فالبواخر تبقى آمنة على المرفأ، لكن الباخرة لم تُصنع لتبقى على المرفأ كما جاء على لسان أحد المفكرين من العرب الجدد.
ما أسهل أن تتحكم في أناس لا يستخدمون عقولهم، من السهل للغاية أن تمرر أفكارك في الوسط الذي يعشش فيه الإحباط والشعور العام الذي يقود إلى الإيمان بالعادات والتقاليد المثقوبة، ولأنّ العقل البشري هو أوّل كاشف للأوهام، فمن أولوياته ضرورة تمحيص الكلمات أثناء الكلام.
كلّ كلمة لها مدلولها الظاهر، كما أنّ لها معنى باطن، وما الظاهر سوى ذلك الرونق المسوّق، بينما الباطن هو المتوحش المتحكّم أو المسيِّر، وللأسف! معظم البشر يتبعون رونق الظاهر غافلين ما يخفيه من قسوة.
عندما يُذمَ العقل فإنه وعبر طريقة آلية يُذمّ الفيلسوف، أنا لا أحاول تصوير الفيلسوف كملاك، ولكنه على الأقل ليس بشيطان، هو إنسان، له ما له وعليه ما عليه.
لقد عرف التاريخ البشري هجومات عنيفة على الفلاسفة على وجه الخصوص، ولعل نكبة غاليليو أو ابن رشد خير الأدلة على اضطهاد الفلاسفة، خاصة نكبة ابن رشد؛ هي الأقرب مني كوني لا أزال أعاني من تبعاتها إلى وقت كتابتي لهذه الأسطر. والسبب أوّلا وأخيرا يرجع إلى كون أنّ الفلسفة هي تقوم على أمريْن مزعجيْن لمحبي التسلط والطغيان، الأوّل هو: السؤال، والثاني هي: الإجابة عن ذاك السؤال بواسطة الحجج والادلة التي يقبلها العقل. فكيف يمكن أن يكون الفيلسوف محبوبا في وسط يعشق خرافات التقاليد المثقوبة، وحكايات شعارات السلاطين الجليلة؟
ما يزعجني أنّ الفيلسوف في البلاد العربية هو مضايق من قِبل المقربين منه، بل حتى أنّه مضايق من طرف المشتغلين في الفلسفة ذاتها، حتى صار غريبا على طريقة ألبير كامو، غريبا في الوسط الذي يرعاه ويحمل همومه، ومع ذلك هو باق فيه صابرا عليه، يلقى الاضطهاد المعنوي وحتى الجسدي بالتفكير والكثير من الهدوء أو الحكمة. هذا ما يجعلني أفخر بأنني ألبس ثوب الفلاسفة، أتكلّم وفق عقلياتهم، وأحاول التفكير على شاكلتهم.
الذات التي تولد في حضن الأدلة العقلية لا يمكن أن تنخدع بسهولة، هي ذات مرهونة بالدليل، وهو نادرا ما يخونها سوى لضعف في مستويات أدواته أو تعقيد في مستوى مرونته تبعا لما يحيط به، هذا ما آمن به الحكماء عبر العصور، هذا ما جعل الإنسان يفكر في الأسطورة، الدين، العلم أو الفلسفة.
من رحيق الزهور تنبعث نيران الأشواك، إنها لعبة الزمن مع الإنسان، فالكثير من البشر يجعلون ذواتهم في أرذل المستويات، على الرغم من قدراتها الكامنة المتجسدة في روحها العاقلة، لكن التخلي عن العقل هو تخلٍ عن الفكرة النبيهة، إذ أنّ الفرد الإنساني يصنع مصيره بعقله، بينما هو يستقيل من هذه الوظيفة إن هو أحال عقله على التقاعد المبكّر.
الفيلسوف في المنطقة العربية يعيش منبوذا أو مهمشا، وفي كلتا الحالتيْن هو لا يلقى أيّ صدى لدى الجماهير، إنها جزء من مصيره الذي يحاول بكل جهوده أن يبدله ناحية الإيجاب.
العقل في المنطقة العربية مظلوم، لكثرة الشعوذة الفكرية والفلسفية فإنّ من يحاول استخدام عقله في الحياة اليومية هو يصادف الكثير من الألـم، ألم من الواقع والمحيط.

"... ولا يكفي أن نصف أسلوب عقلنا وديالكتيكه، بل يجب أن نبحث أيضل عن مصادره، كي نفسر هذا التراثي نفسه كما نفسر ظاهرة للفاهمة، لأن الأمثل الذي نتكلم عليه يتأسس على فكرة طبيعية..."
(عمانويل كنط، نقد العقل المحض، تر: موسى وهبة، مركز الانماء القومي-بيروت، ص: 292)

مهما حاول الفيلسوف العربي-المسلم أن يبدوا طبيعيا، أو أن يمارس دوره الطبيعي في وسطه الخاص، فإنه يجد ذاته في آخر المطاف قائمة على الهجرة القسرية إلى عالم العقل دون أي اختيار، وعلى هذا الأساس يكون لزاما على الفرد الإنساني أن يحمي ذاته المفكّرة-المتفلسفة من تصدعات الزمن العربي الجديد، زمن خلى من كل التصرفات العقلانية إلاّ من رحم ربي، فكانت فاتورة يقظة الفكر الفلسفي غالية للغاية، لم يجد الفيلسوف في هذه المنطقة بدّا من تسديدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل