الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث .. أداةً لتزييف الوعي

علي المدن

2014 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل أيام أحضر لي أحد الأصدقاء مسوَّدة كتاب ألَّفه أحد الأشخاص المتحولين للتشيع على المذهب الإمامي، وكان عبارة عن دراسة في أكثر من ألفين وخمسمئة صفحة جمع فيها (أو هكذا أراد كما جاء في المقدمة) رواة الحديث الموجودين في سلاسل التراث الحديثي السني ممن نسبوا للتشيع أو اتهموا به أو بالرفض وفقا لكتب الرجال السنية. المحاولة سبقتها دراسات عديدة كتبها كتّاب وباحثون شيعة، ولأهداف وأغراض متنوعة، فالبعض رأى فيها محاولة لمنح المصداقية والوثاقة للرواة الشيعة (وتبعا له التراث الشيعي) بحسب معايير الجرح والتعديل السنية، والبعض الآخر يريد إحراج الجانب السني بالقول إن فكرة الاستغناء عن الرواة الشيعة تتسبب بضياع واهدار جزء كبير من التراث الحديثي السني، والبعض الثالث وجدها فرصة للتفاخر والتباهي بدور الشيعة ورواتهم في حفظ السنة النبوية والتراث الإسلامي ونقله ونشره، أو حتى التقريب بين مذاهب المسلمين وردم الهوة الفاصلة بينهم، أو التأكيد على ظلامة الشيعة وبخسهم وقدحهم من قبل علماء السنة ... إلى غير ذلك من أهداف علمية أو مذهبية أخرى. في كل مرة يتم جمع الرواة من صنف ما (منسوبون للتشيع أو النصب)، لينظر في حكمهم (توثيقا أو تضعيفا)، من أجل تحقيق غرضا ما من الأغراض المتقدمة أعلاه.
السؤال هنا: هل عادت تلك الدراسات بنفع يذكر على واقع العلاقة بين المذاهب الإسلامية وأتباعهم؟ أرى أن الجواب بالنفي، والأسباب في رأيي كثيرة. لقد أبقيت عن قصد التصنيفات التي يتعاطها هذا الفريق من الباحثين على حالها. استخدمت كلمات من قبيل "التراث السني" والتراث الشيعي" والرواة السنة" والرواة الشيعة" و"معايير الجرح والتعديل" ووو مع قناعتي أن هذه الكلمات بحاجة إلى مراجعة تاريخية صارمة، ونقد علمي لمضامينها ومداليلها، وكيف تشكلت؟ وكيف تطورت؟ ومدى صلاحها للتعبير عن واقع التاريخ الإسلامي المعقد، العلمي والاجتماعي والسياسي منه على حد سواء. إن ضآلة جدوى هذه الدراسات، أو حتى عدمها، يعود إلى العقليات التي تغذيها، وإلى الرؤى الفكرية التي تنطلق منها، وإلى المعايير العلمية التي يبحث بواسطتها. إن الفهم الضيق للحقيقة في إطارها الديني الخلاصي المذهبي يحجب عن العقول رؤية الواقع كما هو. وإن المعايير البحثية التي تخلط بين وظيفة العلم في الكشف عن الواقع مع الصراع حول الشرعية والمصلحة وتبكيت الخصوم، لهي أعجز ما تكون عن بلوغ الصواب في التفكير والمناقشة. إن منطق "الإلزام" (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) هو منطق لا يكترث للحقيقة، ولا تشغله المعرفة، إنه منطق زجري قمعي إخضاعي دوغمائي، لا يقارب الأفكار إلا في إطارها التنافسي، وليس الكشفي التحرري التنويري. إن الكشف عن طبيعة التناحر البشري ذي الغطاء المقدس الزائف في تاريخنا الإسلامي مهمة جليلة حقا، ونحن في أمسّ الحاجة لها، ولكن ليس من دون التسليم بالدوافع الأيديولوجية لاختلافاتنا، والاعتراف بطابعها الدنيوي، وفقرها المنهجي، الذي ولّد كل هذا التناحر.
على أن الكتابات المعاصرة من أمثال الدراسة التي تحدثتُ عنها في بداية المقال أشد سوءا بما لا يقاس مع كتابات غيره، فمع أنني خبير جدا بالظروف التي يتم فيها تأليف هكذا أعمال، وما يرافقها من سطو على جهود الآخرين وشراء لأتعابهم وبحوثهم وأوقاتهم بثمن بخس (وهناك مؤسسات وأسماء وهمية كبيرة جدا عاشت ولازالت تعيش على هذا النحو وسوف أفضحها في يوم ما)، إلا أن هذه الدراسة حوت المساوئ كلها!! ولا أعرف حتى الآن من جمع هذا الكم الهائل من الزيف والجهل في جنس أمثال هذه الأعمال كما فعل هذا المؤلف في دراسته هذه!! فهو يلبّس ويموّه على قرائه، وينقل النصوص بتصرف دون أن يشير لذلك، ويجهل طبقات علماء الجرح والتعديل ومراتبهم وألفاظهم، ويخلط بينهم زمنيا، فيقدم المتأخر (بل والمعاصر) ويؤخر المتقدم، بل إنه لا يميز كتب الجرح والتعديل عن كتب الورّاقين، ولا كتب المسانيد عن شروحها!! إنه المثال الحي لما كان القدماء يسمونه: حاطب ليل.
لقد أخبرت صديقي أن هذا الرجل "المتطفل" لصٌ غير محترف، وأن ضرره على التشيع أكثر من نفعه؛ إذ إن عمله لا يكشف حقيقة ولا يقنع مسلما باحثا، بل هو يفعل العكس تماما. لقد آن الأوان للجم الغرائز الانتهازية الحمقاء عن أن تعصف وتتلاعب بتراثنا، كفانا تزييفا للوعي والتاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال