الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثوريون يرحلون قبل موسم القطاف

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 8 / 15
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


قدر كثير من الثوريين الذين حملوا طيلة عقود البندقية في وجه أنظمة إقصائية أنهم يتساقطون من مفكرات أوطانهم قبل أن يحين موسم القطاف .
هكذا دائماً يرحلون قبل أن يتعرفوا على الضفة الأخرى الوثيرة للحياة, فقدرهم أن يديروا ثوراتهم ويزودوها بالوقود بعيداً بداخل الغابات وفي شعاب الجبال. حيث إملاءات الثورة تجبرهم على معرفة الحدود الدنيا من الحياة الحقة , أما حين تأتي نهاية الحكاية , أقصد نهاية الثورة بالاحتكام إلى العدل والتفاهم ونداء الديمقراطية وتقبل كل للآخر , قليلون من أولئك الثوريين يبقون على قيد الحلم ليشهدوا بواكير القطاف أو الحصاد الذي لطالما أعدوا العدة له لتأتي الغلال على مستوى الطموح والنزوع الثوري .
هكذا نقارب النهاية الفاجعة لجون غارانغ , الذي أخرج جنوبه من تنور ثورة دامت 21 عاماً ليخلد للراحة 21 يوماً قبل أن يغمض عينيه ويدير ظهره لبزته العسكرية التي شهدت حرائق السودان وحرائق الجنوب المختلف .
الوجع عينه اكتنف ثوريين آخرين , وما غارانغ إلا حلقة في سلسلة طويلة من الثوريين الذين دأبوا على تغيير المراحل والأوطان العصية على الإنسانية والديمقراطية فعاجلهم الموت قبل أن يكحلوا أعينهم بالمنجز الذي كانوا يصبون إليه .
الأمر ذاته تكرر مع البارزاني الخالد حين أغلقت الحياة نوافذها في ذلك المشفى الأمريكي البعيد قبل أن يرى كورده في عتبات الديمقراطية والفيدرالية في ذلك العراق الذي كان يعلن الحرب والإرهاب والإبادة على رائحته حتى .
ورحل الثوري الكوردي الآخر عبد الرحمن قاسملو برصاصات الاستخبارات الإيرانية في فيينا وكوردستانه لما تزل منذ مشروع مهاباد تصارع لأجل احتضان الفجر العاشق .
لم يك مصير الشيخ سعيد بيران بمختلف عن مصائر السابقين حين تكفلت مشنقة محكمة الاستقلال التركية بالحد من نزوعه ونزوع كورده الاستقلالي , وهم الذين حرروا تركيا من جحافل المحتلين الغربيين , فبادله الأتراك المعروف بتحويل كوردستانه إلى هشيم في مهب النار .
مشنقة مشابهة في جارجرا بددت ذيول الحلم المهابادي الكوردي لتنقل الكورد من مقصورة دولة طفلة في شهرها الحادي عشر إلى العربات الخلفية من الحالة / الحلم حيث القتل والنفي والتشرد والثورة ضد الشاه الفارسي والملالي الفرس القومجيين , وليسقط الشهيد بعد الشهيد في ماراتون لحرية وأولمبياد الله . لا قاضي محمد الآن , لكن رمزية شهادته تحث الكورد على عدم الاستسلام لليقين الفارسي المنتعش على حساب تغييب القوميات الأخرى غير الفارسية .
في مشفاه الباريسي لم يملك ياسر عرفات سوى الترجل عن حصان الثورة , كان يحلم بفلسطين محررة غير سليبة.. كان يحلم بجزء من فلسطين محرر غير سليب , أليست توازنات الرعب العالمية تفرض هكذا تسويات غير عادلة ومجحفة ؟...
في مشفاه الباريسي طوقه الإعلام وأعصاب الأطباء الباردة , بينما في رام الله كان مطوقاً بالمدرعات الإسرائيلية التي لم تترك له من مبنى المقاطعة سوى غرفة وحيدة في مهب الشماتات الإسرائيلية .
رحل أبو عمار بينما الحال على ماهي عليه . لا الإسرائيليون شربوا من بحر غزة كما كان يكرر, ولا القدس أصبحت عاصمة لدولة فلسطين, كان الرجل يعيش على قيد حلم دولة مستقلة.
أما غيفارا , الثوري بهوية عالمية . الماركة المسجلة لصناعة الثورة في العالم , فقد قيد له أن يتعرف على جزء من الحلم الذي يسعى إليه . عايش انتصار حلمه الثوري في كوبا وحزم حقائب الثورة راحلاً إلى بلدان أخرى تصارع الفساد والديكتاتوريات المريضة , فكان أن أطاحوا بثورته في أدغال بوليفيا , وهو يحلم بتصدير ثورته إلى أصقاع العالم أجمع , فاستحق أن يترجم رمزاً لكل الحالات الثورية التي تحبو في عالم البراهين الملتوية والموازين المقلوبة .
ثوريون كبار أصحاب طرق ثورية كبرى . تتشابك في أسفارهم الهائلة الثورية الديمقراطية والقومية والإيديولوجية والإنسانية والحلم بغد أفضل لشعوبهم أولاً وللإنسانية تالياً. فهل هي لعنة الثورة إذ تغدر برجالاتها قبل الأوان , وقبل أن تكتمل الثمار وتجهز للقطاف . أم هي نعمة الثورة , يخلد رجالاتها للهناءة قبل أن تكتمل وتؤتي أكلها , ولا ينتقلون بالتالي من حياة المكابدات والمشقات إلى المكاتب الوثيرة التي تجعل شخوصهم الأسطورية تتعفن بطيئا .. بطيئا في روتين الحياة اليومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح