الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد تصور ماركس في سعر الفائدة وربح التاجر

محمد عادل زكى

2014 / 9 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أولاً: سعر الفائدة
علمنا من الاقتصَاد السياسي ان مُعدل الربح الوسطي، على الصعيد الاجتماعي، يتكون من مجموع القيم الزائدة المنتَجة في كُلّ الفروع ÷ مجموع كُلّ الرساميل فى كل الفروع. فإذ افترضنا أن هناك 5 مشروعات، رأسمال كُلّ مشروع = 100 جنيه. وكمية النقود (مجموع القيم الزائدة) التي توزع كأرباح على المشروعات الخمسة = 110 وحدة، فإن نصيب كُل مشروع من الربح سيكون 22 وحدة. أيّ أنَّ كُلّ 100 جنيه على الصعيد الاجتماعي تدر ربحاً قدره 22 جنيهاً.
وعلى الرغم من أن ماركس هو الذي توصل إلى ثمن الإنتاج ومُعدل الربح الوسطي، إلا أنه لم يُساير منهجه وانحرف، دون سبب إلا ان القطاع التجاري، بما يتضمنه من خدمات، لم يكن بتلك الأهمية النسبية التي يحتلها الآن (64% من هيكل الاقتصاد العالمي).
كتب ماركس:"لنفترض أن معدل الربح الوسطي يبلغ 20%. وان آلة قيمتها 100 جنيه تدر عند استعمالها كرأسمال إنتاجي، ربحاً مقداره 20 جنيهاً في ظل شروط متوسطة وعند مستوى متوسط من المهارة والنشاط الهادف. وعليه فإن انساناً يملك 100 جنيه، انما يمتلك بين يديه القدرة على أن يحول 100 جنيه إلى 120 جنيهاً، أي أن ينتج ربحاً قدره 20 جنيهاً... ولو أعطى هذا الإنسان هذه المائة جنيه إلى إنسان آخر مدة عام كي يستخدمها فعلاً كرأسمال، فإنه يسلفه القدرة على إنتاج ربح قدره 20 جنيهاً... وإذ ما دفع هذا الأخير، في نهاية العام 5 جنيهات على سبيل المثال، إلى مالك المائة جنيه، أي جزء من الربح الذي تم إنتاجه... إن هذا الجزء من الربح الذي يدفعه هذا لمالك النقد هو ما يدعى الفائدة، وهي ليست أكثر من اسم خاص، عنوان خاص لجزء من الربح يتعين للرأسمال النشط أن يدفعه إلى مالك الرأسمال بدلاً من أن يضعه في جيبه" يمكننا هنا أن نلاحظ أن المثال الذي يضربه ماركس هو مثال سيء، فلماذا أُسلّف غيري "قدرة/ قوة" إنتاج 20 جنيه، وأكتفي أنا بربح قدره 5 جنيهات؟ فطالما 100 جنيه تدر عليّ 20 جنيه، فلم أعطها إلى آخر يجني بها ربحاً قدره 15 جنيه ويُعطيني 5 جنيهات فقط؟ الإجابة تكمن في أن ماركس لا يرى بوضوح إمكانية إنتاج قيمة زائدة في قطاع التجارة بوجه عام.
لقد كان يتعين على ماركس أن يدرس الفائدة (دخل الرأسمالي المالي) بنفس الطريقة التي درس بها الربح (دخل الرأسمالي الصناعي) وحينئذ سيصل إلى:
- تتكون الفائدة في حقل الرأسمال المالي على أساس ثمن الإنتاج المتحقق في هذا الحقل نفسه، وليس خارجه. ووفقاً لنفس القانون.
- لا تَتَساوى مُعدلات الأرباح الوسطية بين فروع القطاع الإنتاجي الواحد (الحديد والصلب مثلاً) وإنما أيضاً بين القطاعات الإنتاجية الثلاثة (صناعة، وزراعة، وتجارة) فمائة جنيه في أي قطاع تدر ربحاً قدره 20 جنيه، ولا مبرر لبقاء الرأسمال في قطاع يدر الإنتاج فيه أقل من هذه الـ 20 جنيه.
- القاعدة هي أن يتساوى دخل الرأسمالي المالي مع الرأسمالي الصناعي. وحينما يحدث أيّ تغيّر، أي ارتفاع دخل الأول (الفائدة) وانخفاض دخل الثاني (الربح) فسوف يحدث تدفق نحو القطاع الأول من قِبل القطاع الثاني. وبالعكس سوف يتجه الرأسمالي المالي صوب حقل الصناعة في الحالة التي يهبط فيها مُعدل ربحه ويرتفع معدل ربح الرأسمالي الصناعي.
- الذي يُفسر وجود القطاع المالي (المصارف) بجوار القطاع الصناعي (المصانع) وعدم اختفاء احدهما، هو مساواة معدلات الربح الوسطية بين القطاعات.
- في ظل الصراع الجدلي بين الربح والفائدة على الصعيد الاجتماعي، فإن الذي يُفسر استمرار عملية اقتراض الرأسمال الصناعي من الرأسمال المالي، هو أنّ سعر الفائدة يحدَّد، من قِبل السلطات النقدية في الدولة، بأقل مِن مُعدلات الربح الوسطية السائدة من جهة، وقيام المؤسسات النقدية نفسها بمنح بعض التسهيلات (الزائفة) للرأسمال الصناعي، كَمدّ آجال السداد مثلاً، بما يؤثر بشكل إيجابي (ظاهرياً) في دورة الرأسمال الصناعي، من جهة أخرى.


ثانياً: ربح التاجر
إن القيمة التي زادت ليس حقل إنتاجها المصنع فحسب، كما تقول كراسات التعميم والموجزات الأولية ابتداءً من فهم قاصر لفكر الكلاسيك وماركس، الذين عاشوا في عصر الصناعة لا الخدمات. فلم يكن القطاع التجاري، بما يتضمنه من خدمات، بتلك الأهمية النسبية التي يحتلها الآن (64% من هيكل الاقتصاد العالمي). نقول إن القيمة الزائدة ليس حقل إنتاجها المصنع فقط إنما هي موجودة، كما ذكرنا سابقاً، في النظام الرأسمالي بأكمله، ليس في حقل الصناعة فقط، إنما كذلك في باقي القطاعات التي يتركب منها الهيكل الاقتصادي، فلا فارق بين إنتاج القيمة الزائدة في مصنع لإنتاج الحديد والصلب، وبين إنتاجها في مكتب للمحاسبة يعمل فيه عشرات المحاسبين بأجر.
فالعامل لا يُنتِج في المصنع فقط قيمة زائدة، وإنما يُنتِج المهني، كالطبيب، وغيره، أيضاً قيمة زائدة في المؤسسة التي يعمل فيها بأجر، ويُقدم من خلالها الخدمة، وبالطبع في قطاع الزراعة أيضاً يُنتِج العامل الزراعي قيمة زائدة مثل العامل في قطاع الصناعة، وكالمهني في قطاع الخدمات. ووفقاً لنفس القانون العام للحركة (ن - و أ + ق ع - س - Δ-;---;-- ن) وتلك هي القاعدة العامة في التنظيم الاجتماعي القائم على الرأسمال كظاهرة مهيمنة.
وعلى الرغم من أن ماركس كان يرى ان إنتاج القيمة الزائدة يتم في حقل الإنتاج المادي، كما يتم في حقل "الإنتاج غير المادي" ويضرب على ذلك مثلاً، في المجلد الأول من رأس المال: "وإذا ذكرنا مثالاً من خارج حقل الإنتاج المادي، لوجدنا أن المُعلم في المدرسة يُعد عاملاً منتجاً حين ينهك نفسه أثناء العمل، من أجل إثراء مالك المدرسة، بالإضافة إلى تعليم الأولاد. أما كون مالك المدرسة قد استثمر رأسماله في مدرسة للتعليم أم في مصنع لإنتاج المقانق، فذلك لا يُغيّر من الأمر شيئاً..." أيّ أنَّ ماركس لديه الوعي بأن إنتاج القيمة الزائدة ليس بقاصر على حقل الإنتاج المادي، أيّ الرأسمال الصناعي. إلا أنه وجد صعوبة، على ما بدا لي، حينما إنتقل، في المجلد الثالث، إلى مناقشة الربح التجاري. وبصفة خاصة حين تساءل: كيف يُنتِج العمال في قطاع التجارة قيمة زائدة؟:"ما وضع العمال المأجورين الذين يستخدمهم الرأسمالي التجاري؟" إذ رأى ماركس، بشكل مرتبك، أن العمال في حقل الإنتاج غير المادي يُنتِجون قيمة زائدة، إنما"بشكل غير مباشر"! إذ بفضل عملهم، كما يقول، يحصل الرأسمالي التجاري، أي قطاع الخدمات، على القيمة الزائدة المنتَجة في حقل الإنتاج الصناعي، ويُقدم لذلك تفسيرين: الأول:"أن الرأسمال الصناعي يُنتِج القيمة الزائدة من خلال الاستيلاء مباشرة على عمل الآخرين غير مدفوع الأجر، أما الرأسمال التجاري فانه يستولي على جزء من القيمة الزائدة عن طريق اجبار الرأسمال الصناعي على التنازل عن أحد أجزاء تلك القيمة له".
وهذا التفسير غير صحيح؛ لأن الرأسمال التجاري يدخل في حساب الرأسمال الاجتماعي الكُلي، بعد أن يفقد هويته أثناء الإنتاج، فكُتلة الرأسمال التجاري تنصهِر فعلاً، ومن هنا تُشارك بنصيبها هي، في كُتلة الرأسمال الكُلي الذي يتم تداوله اجتماعياً في حقول الإنتاج والتبادل والتوزيع، ولا يَنبغي أن يضللنا تفاوت الدورانات واختلافها مِن نوع إلى آخر من الرساميل، إذ يَنحل الرأسمال الكُلي إلى: رأسمال صناعي ورأسمال تجاري ورأسمال مالي. إنما بعد أن تَفقد أنواع الرساميل هذه هويتها وتدخل برمتها في دورة الرأسمال الكُلي. ولكن حين توزيع الأرباح الكُلية على القطاعات (صناعي، تجاري، مالي) فإن كُل قطاع يحصل من الأرباح الإجمالية على كُتلة الأرباح التي سبق أن تكونت بداخله هو، ومثلت أحد أجزاء الرأسمال الكُلّي.
ومن جهة أخرى من غير المفهوم ومن غير المبَرَر لماذا يَتنَازل الرأسمالي الصناعي عن أرباحه؟ وكيف يُجبر الرأسمالي التجاري صديقنا الرأسمالى الصناعي على هذا التنازل الدموي عن جزء من أرباحه؟ كان أوّلى بماركس حينما وجد قيمة زائدة تُنتَج في قطاع الخدمات أن يقول ان القيمة الزائدة هنا انتِجَت طبقاً لنفس صيغة الحركة (ن - و أ + ق ع - س - Δ-;---;-- ن) دون أن يُصور لنا معركة زائفة بين الرأسماليين. ولكن يتعين أن يكون لدينا الوعي بأن ماركس، ومن قبله الكلاسيك، لم يكن يشغلهم كثيراً، على أرض الواقع، قطاع الخدمات لعدم احتلاله، كما ذكرنا، مثل تلك الأهمية النسبية التي يحتلها الآن مع النظام الرأسمالي العالمي المعاصر.
أما التفسير الثاني الذي يُقدمه ماركس، فهو:"أن العامل في قطاع الخدمات لا يخلق قيمة زائدة مباشرة، بل يُساعد في تقليص تكاليف تحقيق القيمة الزائدة"(9). وهذا التفسير، وبما يكتنفه من ارتباك وغموض، أيضاً غير صحيح؛ فالعامل، في قطاع الخدمات، لا يُقلص ولا يزيد من تكاليف تحقيق القيمة الزائدة، المنتَجة في قطاع الصناعة، وإنما يخلقها في قطاعه هو، وفقاً لصيغة الحركة (ن - و أ + ق ع - س - Δ-;---;-- ن)، ولا شأن له بقيمة زائدة منتَجة في قطاع آخر؛ إلا بقدر كون ما يُنتِجَه من قيمة زائدة هو أحد الأجزاء المتساوية من القيمة الزائدة الإجمالية. التي تُنتجها الأشكال الثلاثة التي يتخذها الرأسمال.
إنني أرى أن التفسيرين، بمثل هذا التشوش، إنما يرجع إلى الطريقة التي تعامل بها ماركس مع الرأسمال التجاري، ومن ثم الربح التجاري؛ فبعد أن حلل ماركس القوانين الموضوعية التي تحكم عمل النظام الرأسمالي، الصناعي تحديداً أيّ (ن - و أ + ق ع - س - Δ-;---;-- ن) وجد لزاماً عليه أن يُحلل رأسمالاً، رأه هو، أيّ ماركس، له طبيعة مختلفة، وهذا غير صحيح، وهو الرأسمال التجاري الذي يتجسد في الصيغة (ن --- س -- Δ-;---;-- ن) ونلاحظ هنا أَنَّ ماركس لا يستقر في التحليل؛ إذ نجده مرة يُناقش ربح التاجر ابتداءً من الشكل الأولي للرأسمال التجاري، أيّ في صورته البدائية (ن --- س -- Δ-;---;-- ن) ومرة أخرى يُناقش هذا الربح في ظل وجود شغيلة في القطاع التجاري! أيّ إنتاج الخدمة من خلال الصيغة العامة للرأسمال التي أخضعت الأشكال الأخرى لهيمنتها (ن - و أ + ق ع - س - Δ-;---;-- ن) ولكنه لا يَصل في الأولى إلى أنَّ رأسمال التاجر يدخل بنصيب في دورة الرأسمال الكُلّي ومِن هنا يعود إليه الربح وفقاً لمعدلات الربح الوسطي السائد اجتماعياً. كما لا يصل في الثانية إلى أن الربح قد أُنتِج وفق صيغة الحركة (ن - و أ + ق ع - س - Δ-;---;-- ن).
ان الارتباك يزول حين يُعاد النظر إلى الرأسمال التجاري كأحد أجزاء الرأسمال الكُلي على الصعيد الاجتماعي والذي يستحوذ على نصيبه من الربح وفقاً لمعدلات الربح الوسطي، من جهة، وحين ننشغل بحقل الرأسمال التجاري، بوصفه أعلاه، ونُحلل كيف تُنتَج القيمة الزائدة بداخله هو كحقل مُستَقل في نفس الوقت، مِن جهةٍ أخرى. على كل حال ليس من المناسب هنا إلا أن نذكر أننا نمد، بدون إلتواء، القوانين الموضوعية التي تحكم عمل التنظيم الاقتصَادي الرأسمالي الصناعي، على القطاع التجاري. وكما يمكن استخلاص قيمة زائدة من عامل المصنَع، فيمكن بالمثل استخلاص قيمة زائدة من الطبيب الذي يعمل في أحد المستشفيات مأجوراً طالما كنا بصدد الصيغة العامة لقانون الحركة (ن - و أ + ق ع - س - Δ-;---;-- ن).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسائل إعلام إسرائيلية: اندلاع حريق كبير شمالي #الجولان عقب س


.. هل يمكن تَكرار سيناريو عملية -النصيرات- لاستعادة الرهائن الإ




.. #السودان.. قوات الدعم السريع تكشف التفاصيل الكاملة لأحداث -و


.. طفل فلسطيني من مجزرة مخيم النصيرات: شفنا الموت بأعيننا




.. وقفة تضامنية في جاكرتا استنكارا لاستمرار الحرب الإسرائيلية ع