الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائزة نوبل للآداب: -في نقد المركزية اللغوية الغربية-

علاء عبد الهادي

2014 / 9 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جائزة نوبل للآداب:
"في نقد المركزية اللغوية الغربية"

علاء عبد الهادي*

أصبح اتحاد كتاب مصر واحدًا من الجهات المرشحة لجائزة نوبل للآداب‏,‏ بدءًا من العام 2010‏,‏ وذلك بعد أن استجابت لجنة الجائزة لطلب رئيس اتحاد الكتاب المصري بشأن اعتماده بوصفه جهة رسمية لها حق الترشيح للجائزة‏,‏ وتجدر الإشارة إلي أن هذا الحق مقصور علي أعضاء الأكاديمية السويدية‏,‏ والمؤسسات الشبيهة بها في بنيتها وأهدافها‏,‏ بالإضافة إلي عدد مختار من أساتذة الأدب وتاريخه‏,‏ في الجامعات‏,‏ فضلا عمن منحوا جائزة نوبل من قبل‏.‏ ولا يستحق الجائزة إلا من رشحته شخصية أو جهة معتمدة‏,‏ تلقت دعوة من لجنة نوبل للآداب لتقديم ترشيحها‏.‏ ويمكننا القول إنه حتى عام 2010, حجبت الجائزة ست مرات‏,‏ في أعوام‏1935,1914,‏ والأعوام من‏1940‏ إلي‏.1943‏ بسبب الحربين العالميتين‏,‏ أما أهم القوميات التي حصلت عليها مرة واحدة فهي الهند وحصل عليها‏ ‏ رابندارات طاغور‏ ‏ عام‏1913,‏ واليابان وفاز بها‏ ‏ كاواباتا ياسوناري‏ ‏ عام ‏1968,‏ ثم تلتفت جائزة نوبل إلي الأدب الأفريقي بعد ستة وثمانين عاما فيأخذها النيجيري‏ ‏ وول سونيكا‏ ‏ عام ‏1986,‏ وينالها أديبنا‏ ‏ نجيب محفوظ‏ ‏ عام ‏1988,‏ كما تمنح أول مرة للأدب التركي فيأخذها‏ ‏ أورهان باموك‏ ‏ عام ‏2006,‏ وقبل كل هؤلاء مُنحت الجائزة للروائي الإسرائيلي شاموئيل يوسف عجنون‏(1888-1970)‏ عام ‏1966,‏ مشاركة مع الشاعر السويدي نلي شاس‏,‏ وما لا يعرفه الكثيرون أن طه حسين‏-‏ ونحن علي شفا الاحتفال بمئويته هذا الشهر‏-‏ قد رشح لها مرتين الأولي عام‏1949,‏ رشحه لها‏ ‏ أحمد لطفي السيد‏ ,‏ كما رشح لها مرة ثانية في عام ‏1950,‏ ورشحه لها‏ ‏ برنار جيون‏ ‏ أستاذ تاريخ الأدب في جامعة القاهرة آنذاك‏.‏

وهو المرشح العربي الوحيد في السنوات الممتدة ما بين عامي ‏1901 إلي ‏1951,‏ ربما لم يعلم طه حسين بترشيحه‏,‏ ذلك لأنه وفق اشتراطات الجائزة يظل اسم المرشح سرًّا خمسين عاما‏,‏ فنحن إلي الآن لا نعرف من الذي رشح نجيب محفوظ لهذه الجائزة‏!‏ وأي حديث عن كون أديب ما قد رشح للفوز بالجائزة هو حديث لا يمكن التأكد من صحته‏,‏ ويظل في إطار الادعاء حتي تعلن لجنة الجائزة هذه البيانات‏,‏ وهذا ما يجري علي ترشيحات اتحاد الكتاب للجائزة أيضا‏..‏

لا يماري أحد في أن لكل لغة آدابها‏,‏ وخصوصيتها‏,‏ وعبقريتها الخاصة‏,‏ فإذا ما نظرنا إلي من منحت لهم الجائزة من منظور لغوي كلي‏,‏ ومن خلال الأسرات اللغوية وآدابها المكرمة بهذه الجائزة لتبين لنا من فورنا هيمنة المركزية الأوروبية الغربية علي هذه الجائزة‏.‏ يتضح ذلك مباشرة من نتيجة أي حصر احصائي لأسرات اللغات التي منحت الجائزة‏.‏ ربما لا يتفق مع هذا التناول من يرون أن احتفال أدب ما للحصول علي جائزة نوبل هو احتفال يكون محصورا في الجانبين القومي‏,‏ والشخصي‏,‏ في الوقت الذي أري فيه أن النظر إلي الجائزة من خلال جغرافيتها اللغوية سيكون دالا علي ما نرمي إليه في هذا السياق‏, وهذا التناول حتى بداية عام 2010 ..‏

بداية‏,‏ هناك ما يزيد علي‏(24)‏ فصيلة لغوية‏,‏ ولكل فصيلة أسرات‏,‏ وفئات‏,‏ والمثير هنا أن معظم الحاصلين علي جائزة نوبل للآداب ينتمون إلي أسرتين لغويتين فقط من أسرات فصيلة واحدة هي فصيلة اللغات الهندو‏-‏أوروبية‏,‏ فقد فازت آداب الأسرة الجرمانية بفئتيها الشمالية التي تضم لغات السويد والنرويج والدنمارك‏,‏ وأيسلندا‏(12)‏ مرة‏,‏ وفازت آداب الفئة الجرمانية الغربية التي تضم فيما تضمه اللغات الإنجليزية والألمانية والفلامية بالجائزة‏(38)‏ مرة‏,‏ وحصلت آداب الأسرة الرومانية التي تضم اللغات الفرنسية‏,‏ والأسبانية‏,‏ والإيطالية‏,‏ والبرتغالية‏,‏ علي الجائزة‏(33)‏ مرة‏,‏ يتضح من هذا أن آداب الأسرتين اللغويتين الجرمانية‏, والرومانية‏,‏ وحدهما قد حازتا جائزة نوبل‏(83)‏ مرة‏,‏ بنسبة مئوية تزيد علي‏(80%)‏ من مرات الحصول علي الجائزة‏.‏ تشف هذه الأرقام عن وجه آخر‏,‏ لا يرتبط بقيمة الآداب المكتوبة بلغات الأسرتين الجرمانية والرومانية‏,‏ ممثلة في اللغات الفرنسية‏,‏ والإنجليزية‏,‏ والأسبانية‏,‏ والإيطالية علي نحو خاص‏,‏ فحسب‏,‏ بل يرتبط بقوة هذه اللغات بسبب ماضيها الاستعماري الذي فرض انتشارها‏.‏ ربما كان هذا التناول كافيا لتبيان كيف أن الرؤية الكلية الرابطة بين الأسرات اللغوية وجائزة نوبل‏,‏ قادرة علي الكشف عن مركزية النظرة الأوروبية إلي آدابها‏,‏ وعن غفلتها عن آداب عظيمة لشعوب أخير‏,‏ هذا فضلا عن محدودية رؤية لجنة نوبل لخريطة الآداب العالمية‏,‏ وقصر نظرها‏-‏ ولا أقول عنصريتها‏-‏ تجاه ما يرتبط بالآداب التي لا تنتمي إلي هاتين الأسرتين اللغويتين الجرمانية والرومانية‏..‏

كما تطرح هذه الرؤية أمرا بالغ الدلالة يرتبط بالدور الذي يمكن أن تلعبه جهات الترشيح في الفوز بالجائزة‏,‏ وأهمية أن يزيد عدد المرشحين للجائزة من أسر لغوية‏,‏ غير الأسرتين الجرمانية والرومانية‏,‏ حيث يكشف عدد المرشحين الإجمالي لهذه الجائزة في الأعوام الخمسين الأولي أن هناك علاقة بين كثافة الترشيح‏,‏ وكثافة الفوز‏,‏ وبإحصاء يسير نجد أنه في الفترة الممتدة ما بين‏1901‏ إلي‏1951‏ وهي الفترة التي كشفت ترشيحاتها‏,‏ حصلت الأسرة اللغوية الرومانية علي‏(547)‏ ترشيحا‏,‏ نسبته‏(31%)‏ تقريبا من مجموع الترشيحات‏,‏ وحصدت الأسرة اللغوية الجرمانية بفئتيها الشمالية والغربية‏(742)‏ ترشيحا‏,‏ نسبته‏(42%)‏ تقريبا‏,‏ وهي نسبة يزيد مجموعها علي‏(73%)‏ من مجموع الترشيحات الكلي‏,‏ وفي هذا ما يشير علي نحو مباشر إلي العلاقة القائمة بين عدد مرات الترشيح وعدد مرات الفوز بالجائزة‏..‏

يتضح من خلال التحليل‏,‏ اتجاه أنظار القائمين علي الجائزة‏-‏ علي نحو أساسي‏-‏ إلي الآداب الغربية الأوروبية‏,‏ وفي هذا ما يوضح أهمية أن يبادر اتحاد كتاب مصر, وجهات علمية عربية أخرى لأن تكون من الجهات المعتمدة للترشيح‏,‏ وذلك للعلاقة الطردية القائمة بين كثافة الترشيح والحصول على الجائزة, وفي هذا ما يسهم -على المدى البعيد- في تفكيك مركزية الرؤية الغربية للقائمين علي هذه الجائزة‏,‏ لصالح بعد إنساني ونظرة موضوعية أرقى في تعاملها مع م تسميه الآداب الأخرى! فللجائزة‏-‏ برغم كثرة ما يوجه إليها من نقد‏-‏ أهمية بالغة في سوق الصناعة الأدبية العالمية‏,‏ وذلك بسبب حركة الترجمة القوية التي تعقب منحها‏,‏ وما يمكن أن تقدمه هذه الترجمات من تأثيرات علي المشهد الأدبي العالمي‏,‏ والحضور فيه‏..‏

ومما لا شك فيه أن للجائزة أخطاءها‏,‏ وإخفاقاتها‏,‏ فقد يثير دهشتنا موت روائي عظيم مثل ليو تولستوي دون أن ينال الجائزة‏,‏ وذلك في ذروة نجاح روايته‏ ‏ الحرب والسلام‏ ,‏ ويفوز بها أدباء‏-‏ في الفترة التاريخية نفسها‏-‏ لم يعد لأي منهم ذكر الآن‏!‏ ويثير تساؤلاتنا أيضا أن فصيلة لغوية مثل فصيلة اللغات الصينية لم تحظ آدابها بجائزة نوبل حتي الآن إلا مرة واحدة‏,‏ هذا فضلا عن أسرات لغوية أخري لها آدابها الرفيعة والعريقة مثل آداب اللغة الكورية‏,‏ ولغات الملايو البولينيزية السومطرية‏---;---‏ ممثلة في الأدبين الأندونيسي والفلبيني علي سبيل المثال‏ لم تحظ بها على الإطلاق!‏

ربما كانت أهم أخطاء جائزة نوبل بعامة ارتباطها بتوجهات سياسية لها انحيازاتها‏,‏ حيث يصعب أن نغض الطرف هنا عن التأثير القوي للوسط الأكاديمي اليهودي علي الجائزة‏---;---‏ ولكن ألا يثير دهشتنا جميعا أن يرشح المهاتما غاندي لجائزة نوبل للسلام‏(12)‏ مرة ما بين أعوام‏1937-1948,‏ ولا يفوز بها‏,‏ ويفوز بها شيمون بيريز‏!‏
* (شاعر ومفكر مصري).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة