الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة من الجماهير الغاضبة في البصرة

علي المدن

2014 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إلى سرمد الطائي : لو نظرت بغير عدسة اللياقات، التي يفتقدها كل من شوَّه، ولازال، جسد البصرة وروحيها وتاريخها ومكانتها .. لو نظرت بعين "الواقعية السياسية" لوجدت أن غضب البصرة وأهلها أكثر من مبرر وسائغ. إن البصرة لا تعجز عن رؤية نفسها من خارج ثقوب النفط، بل هي تحتج على "حشرها" في تلك الثقوب!!. والإهمال الذي اعترفت بأنها تتعرض له، ليس سببه "عدم امتلاك المعرفة الوافية بها"، لا عند البصريين ولا عند غيرهم، فإي أحمقٍ هذا لا يعرف ما تعنيه البصرة، اليوم، وقبل هذا اليوم أيضا؟! إنما سببه الحقيقي في عدم تطوير البصريين (ويمكن قول ذلك عن الذي قاريين والميسانيين والأنباريين والواسطيين ... وغيرهم) مفهومهم عن "الإدراة" المستقلة الناجحة، وعدم إفرازهم لنخبة سياسية تفصل نفسها في المشاركة السياسية الوطنية عن قانون التماهي المطلق مع المواقف الحزبية التي ينتمون لها، لترى في تلك المشاركة، ومن خلالها، إلزاما سياسيا أخلاقيا بالنهوض بواقع الجماهير التي يمثّلونها. إن غياب هذا الرؤية للعمل السياسي هو ما يجعل من مفهوم "صاحب القرار" أيديولوجياً. وأنا أقصد بـ "الأيديولوجي" هنا: أنَّ تحوّل السياسي إلى "صاحب قرار" هو وليد إتقان التلاعب بأوراق القوة والنفوذ والهيمنية، سواء عبر الدين أو القومية أو المصالح الكاذبة، وليس عبر فكرة التميثل الانتخابي والإسهام في برنامج تنموي وطني. ومشكلة البصريين (والذي قاريين والميسانيين والأنباريين والواسطيين .. إلخ) هي في خسارتهم من الجانبين: فلا حدَّثوا مفاهيمهم عن العمل السياسي كخدمة، ولا عن المشاركة كصناعة قرار، ولا عن التمثيل الانتخابي كمديونية واستحقاق .. هذا من جانب. ولا استفادوا، بل ولن يستفيدوا، من ملهاة التلاعب بأسباب القوة والنفوذ (لأنها عاجزة عن بناء وطن وخدمة مواطنيه) من جانب آخر.
وبناء على هذه الفكرة عن العمل السياسي؛ فإن حضور السيد ضياء الأسدي لا يمكن احتسابه على البصرة إلا بمقدار انتسابه للبصرة بالميلاد (وربما في التكوين النفسي والثقافي). أما في السياسة، فهو "متماهٍ" مع كتلته بالمطلق (أكثر حتى من انتمائه لجمهوره البغدادي الذي انتخبه). وحتى لو اعتذرنا له بكونه رجلا سياسيا من الطبقة الأولى في العراق (وهو فعلا كذلك)، ورأينا فيه مثلا رائعا (وهو فعلا كذلك) لروح البصرة وهي (تشتغل في السياسة)، فإن ذلك لا يقلل، بل لعله يزيد، من مأساة البصرة التي قلنا إن جسدها شوّه بالاهمال. إن السيد ضياء سيكون "ثقبا أسودا" هو الآخر!! وتجليَّا جديدا لذلك الإهمال.
إن أكبر إهانة يمكن أن توجَّه للبصرة وشعبها وتاريخها وإسهاماتها هو ما ذكرته من شعور الحاكم العراقي (ولا أدري من هو هذا الحاكم السخيف الذي قصدته؟!) بالخشية أن "تضع البصرةُ العراقَ وراء ظهرها"!!، وأن تطّلعها لكي تستعيد ماضيها الجميل، الحافل بالرخاء والأمن والتسامح وتبجيل الحياة والإنسان والمعرفة، ذريعةً لهذا الحاكم التافه (فيلجأ إلى تقييد البصرة وفرصتها، كي لا تفر منه). هانحن إذن نعترف بسياسة الحاكم الجائرة التي يدينها ويرفضها أهل البصرة، وتاريخ البصرة، وواقع البصرة. هذه السياسية تحديدا هي ما تدعو البصريين لوصف مدينتهم بـ "البقرة الحلوب". وإن الابتذال الذي يراد الصاقه بهذه الكلمة له أليق آلاف بالمرات بمنطق هذا الحاكم الئيم الذي نقلت مشاعره التدميرية المريضة، بل إن المنطق الصحيح هو قلب هذه المعادلة؛ والنظر إلى قول البصريين هذا، المدعوم بواقع مرير لا يستطيع أي ضال عديم الضمير في العالم أن يتجاهله، على أنه خير برهان على عمق أزمة هؤلاء العناكب السوداء، وفشلهم وانحطاطهم الفكري والسياسي. ومن المؤسف حقا أن يرافق هذا التنكيل المتعمد والمقصود بالبصرة وأهليها خطاب من بعض أهلها يرى في مطالبهم بالمشاركة السياسية "مطلبا غير لائق"!! فإن الحقيقة التي لا يفترض بنا الممارة فيها أن السياسي في العراق هو أكثر الناس على وجه الأرض من يحتاج أن يتعلم قوانين وأصول اللياقة، وإنه آخر شخص فيهم يمكنه أن يمنحها. وإنني لم أجد شعبا يطالب بحقوقه بمنتهى اللياقة الفائضة جدا كما يطالب أهل البصرة بحقوقهم ... ودونكم أمثلة كثيرة، من داخل العراق وخارجه، لمشاهدة كيف يطالب الناس هناك بحقوقهم مقارنة بشعب البصرة.
قلتها سابقا وأعيدها الآن: لا سبيل للبصريين وغيرهم في إصلاح واقعهم دون أن يكون هناك واقع مادي يحمل تلك المطالب. ودون أن تكون هناك نخبة أو كتلة سياسية تؤمن بمطالبهم، متحررة من الأحزاب. وفي المقابل على البصرين (وغيرهم) أن يتحرروا من أوهامهم الساذجة بشأن السياسيين الإسلامويين والقومجيين الذين يمارسون السياسة بواسطة الدين والقومية. حين تكون مشاعر البصريين (وغيرهم أيضا) بشأن حقوقهم بنفس مشاعرهم في تحمل مشاق زيارة الأربعين (أو كما الاحتفال بالمولد النبوي بالنسبة لغيرهم)، وبنفس الهمة في أداء زيارة الأربعين، حينها سيكونون قادرين على تحقيق مطالبهم. على هذا المؤمن الصلب أن يتحول إلى موطن صلب. عليه أن يستبدل إيمانه الديني، أو يضع إلى جانبه، إيمانا سياسيا قائما على مفهوم الدولة العصرية وفلسفتها الحقوقية. على البصريين أن يروا في مطالبهم أنقى ما في الدولة العراقية المعاصرة، تماما كما قال كارل ماركس بشأن ألمانيا. لقد انشغلت ألمانيا بلاهوتيها وفلسفتها ونشاطها التنظيري المجرد، ولكنها عجزت عن لحاقها بركب التطور الذي كانت عليه الشعوب الإنجليزية والفرنسية. علق ماركس: إنها كانت الضمير الحي لتلك الشعوب. إن البصرة ومطالبها اليوم هي تطبيق النموذج الألماني في سياق الدولة العراقية ومواطنيها.
سوف أرغم نفسي على الاكتفاء بهذا القدر من الحديث. ولكنني أود أن لا أنتهي من مقالتي دون الإشارة إلى تلك الحكمة العميقة التي نطق بها (مرة أخرى) كارل ماركس، حين قال: (إن النظرية لا تتحقق أبداً في شعب ما إلَّا بقدر ما تكون التحقيق العملي لحاجاته).
فكروا بهذه الكلمة ... فإنني على استعدادٍ، أن أهب، لمن يعيها، نصف عمري!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله