الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصريحات الحكيم.. عشرة عصافير بحجر واحدة

سعد الشديدي

2005 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تصريحات السيد عبد العزيز الحكيم الأخيرة بصدد ما اسماه بفيدرالية وسط وجنوب العراق لا تثير الدهشة قدرما تثير عدداً من التساؤلات بخصوص أهداف وجدية تلك التصريحات.
فمن البديهيات التي ينبغي التذكير بها، أن السيد الحكيم وتنظيمه السياسي المدعو بالمجلس الإسلامي الأعلى والعسكري المعروف بفيلق بدر، ليس إلا امتداداً لما بُسمى بالثورة الإسلامية في إيران وممثليها الأكثر وضوحاً بين المنظمات والأحزاب في الساحة السياسية العراقية. وهذا لا ينكره لا السيد الحكيم ولا أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى ولا عناصر فيلق بدر.
فعلى سبيل المثال ينصّ النظام الداخلي لفيلق بدر، الميليشيات العسكرية التي تأسست في إيران من أفراد المعارضة العراقية الشيعية لنظام صدام البائد، بشكل واضح على التبعية العقائدية لما يسمى بمرشد الثورة الإسلامية، الذي هو نفسه القائد السياسي الأعلى للنظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية في إيران. وطبقاً لذلك فأن السيد خامنئي، لا غيره، هو القائد الروحي لفيلق بدر. وطهران، لا بغداد أو النجف، هي المركز الأكثر ثقلاً في ميزان العلاقات الإقليمية للسيد الحكيم وتنظيماته السياسية والعسكرية. هذا بالإضافة إلى صلات القربى وعلاقات المصاهرة التي تربط السيد الحكيم مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية شخصيا.ً فعلاقاته بقيادات نظام طهران واضحة وموّثقة ولا تحتاج إلى نفي أو إثبات بل هي تحصيل حاصل لا ينكره أو يتملصّ منه المجلس الإسلامي الأعلى ولا قائده السيد الحكيم.
ومن هنا تأتي علامات الاستفهام على تصريحاته المذكورة بخصوص ما اسماه بفيدرالية الجنوب والوسط التي أعلنها في النجف الاشرف، المركز الشيعي الأول في العالم وفي سياقٍ لا يقلّ غرابةً عن مضمون تلك التصريحات.
فالمعروف أن إيران، كانت ومازالت، ضدّ منح أي شكلٍ من أشكال الفيدرالية لأكراد العراق. إذ سيؤثر ذلك، من وجهة نظر طهران، على أكراد إيران ويشجعهم على المطالبة بحقوقهم القومية وربما المطالبة بفيدرالية كتلك التي يمنحها الدستور العراقي للأكراد القاطنين في العراق. الأمر الذي ترفضه القيادة الإيرانية بشكل قاطع.
فتطبيق النظام الفيدرالي في العراق سيكون له بالتأكيد تأثير واضح على وضع الأكراد وبقية القوميات في إيران. ولا يعلم إلا الله والراسخون في العلم ما ستؤول إليه الأوضاع في إيران حينذاك. فالقومية الفارسية لا تشكل إلا ما يقارب من 45 % من عدد السكان في إيران، على عكس السكان العرب في العراق الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من أبناء البلاد. وإذا ما أنطلق جنيّ القوميات الإيرانية من قمقمه الفارسيّ المختوم بختم الإسلام الشيعي فسيعني ذلك النهاية الأكيدة للسيطرة الفارسية على إيران، وستنتهي حالة الهدوء، المفروضة بالحديد والدمّ، منذ قرون عديدة.
من هنا يأتي قلق قيادات الثورة الإسلامية الناجم عن حصول أكراد العراق وغيرهم على حقوقهم القومية والثقافية، ومعارضتها لأي شكل من أشكال اللامركزية الإدارية الحقيقية في العراق.
بناءاً على هذه المعطيات تبدو تصريحات السيد الحكيم غامضةً كلّ الغموض. فما الذي يدعو ممثل القيادة الإيرانية وذراعها الطويلة في العراق إلى إطلاق تصريحاته تلك ؟؟
للجواب على ذلك علينا الرجوع إلى الوراء قليلاً. لنجدّ أن فكرة فيدرالية الجنوب قد طُرحت منذ أشهر من قِبلِ بعض الفعاليات السياسية في المحافظات الجنوبية. وأُعلنَ أكثر من سيناريو لأقاليم اتحادية على أساسٍ جغرافيّ. وكانت الفكرة التي تبناها عدد من المثقفين والناشطين السياسيين من أبناء الجنوب العراقي إنشاء إقليم يضمّ ثلاث محافظات هي البصرة وذي قار وميسان. وهو ما أثار غضب عددٍ من الأحزاب الشيعية، المؤيدة لإيران، وجميع الأحزاب السُنية العراقية تقريباً، بحجة أن ذلك لم يكنّ إلا دعوة مبطنة لإنفصال المحافظات الثلاث عن الوطن العراقي. ووُجهت أصابع الاتهام حينها إلى دولة الكويت الشقيق التي تقوم، حسب تلك الأحزاب شيعيةً وسنية، بتنفيذ مخطط كويتي إسرائيلي يرمي إلى إضعاف العراق عن طريق سلخ الجنوب العراقي الغنيّ بالثروات النفطية ووضعه تحت الوصاية الكويتية الإسرائيلية!!!
فما ألذي حصل، منذ ذلك الوقت، لتغيّرَ إيران والأحزاب المؤيدة لها في العراق من سياساتها في موضوع مبدئيٍ كهذا؟ ولماذا تطوّرَ سيناريو الفيدرالية ليشمل الوسط والجنوب بأكمله؟ وكيف لو فكرّ الإقليم الشيعي المزمع إنشاءه من قبل السيد الحكيم، كيف لو فكّر- على سبيل الإفتراض- بالانفصال عن العراق مستقبلاً؟؟ ألن يكون من الأفضل والأهون انفصال ثلاث محافظات بدلاً عن تسعة منها مرةً واحدة، هذا إن حصل ذلك لا سمح الله؟
وما يزيد الأمر غموضاً أن السيد الحكيم كان قد أعلنَ منذ أيامٍ قليلةٍ فقط عن نيته ترك العمل السياسي وتحويل منظمات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق إلى منظمات مدنية تكون في خدمة الصالح العام وتعمل ضمن إطار المشاريع المدنية والخيرية. فلماذا يندم على تصريحه الذي أدلى به منذ أيام قليلة ويعود ليخلط أوراقِ اللعبة السياسية ويثير الغبار حول نفسه وحول حزبه السياسي الذي كان من المفروض أن تهيأ منظماته حقائبها وترحل عن الساحة السياسية متحولةً إلى مؤسسات لا علاقة لها بالعمل السياسي المباشر؟
لا تبدو الإجابة على تلك التساؤلات سهلة المنال. ولن يستطيع أحدٌ الإدعاء بقدرته على معرفة نوايا السيد الحكيم والقيادة الإيرانية في هذا الجانب. ولكن الظروف المحيطة بتلك التصريحات مضافاً إليها معرفتنا بعدم رغبة الإيرانيين تشجيع أية نزعات فدرالية في العراق قد يُلقي بعض الضوء الذي نستطيع من خلاله تلّمسَ طريقنا لإيجاد جوابٍ على تساؤلاتنا تلك.
ان تصريح السيد الحكيم بعزمه على دعم إنشاء إقليم فيدراليّ على أساسٍ طائفي في وسط وجنوب العراق كان بعد لقائه مع المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي السيستاني. مما أعطى انطباعاً لدى الوسط الشيعي العراقيّ بأن سماحة المرجع الأعلى يقف إلى جانب مشروع الفيدرالية الطائفية، أو على الأقل لا يقف ضده. هذا أولاً. أما ثانياً فقد كان اختيار السيد الحكيم لمدينة النجف الاشرف مكاناً لإطلاق تصريحاته تلك مدروساً وبعناية. فالنجف هي مدينة المرجعية العليا لعموم الشيعة في العالم. وترتبط كذلك في ذهن الشيعة بعلاقة السيد الحكيم الوثيقة بالمؤسسة المرجعية إذ كان والده المرحوم السيد محسن الحكيم مرجعاً أعلى ومركزه في مدينة النجف. وهنا يحاول الحكيم الأبن، عبد العزيز، ضرب عصفورين بحجر واحدة وليعطي انطباعاً عن أهمية المشروع وأهمية وقداسة القائمين عليه، بنظر أوساط الشيعة على الأقل.
يبدو من المعقول التصوّر أن أحد أهداف التصريحات بشأن الفيدرالية الطائفية كان أيضاً لسحب البساط من تحت أقدام دعاة فيدرالية المحافظات الثلاث التي أزعجت ملالي طهران وسببت لهم بعض الأرق. وردود الأفعال في الشارع العراقي تشهد أن الحكيم قد نجح إلى حدّ كبير في هدفه هذا. فقد صمتَ دعاة فيدرالية الجنوب بعد أن اشتدت ردود الفعل الشعبية على الفيدرالية الطائفية التي خلطت الحابل بالنابل. ولكنّ من حقنا توجيه السؤال الى السيد عبد العزيز الحكيم المؤيد الكبير ونصير الفيدرالية لوسط وجنوب العراق، عمّا إذا كان يؤيد حصول إقليم الأحواز العربي في إيران على فدرالية مشابهة لتلك التي يدعو إليها في وسط وجنوب العراق؟؟ والحق يقال أن إقليم الأحواز العربي مشابهٌ تماماً في ظروفه لإقليم وسط وجنوب العراق الأمر الذي يجعل من حصوله على حق تشكيل إقليم فيدرالي أمراً طبيعياً. هنا، وهنا فقط ستتبين نوايا آل الحكيم وما إذا كانوا يؤمنون بحق الفيدرالية فعلاً وللجميع أم أنهم طالبوا بها لغايةٍ في نفس يعقوب.
أخيراً يبدو من الضروري لفت أنظار السيد الحكيم الى أن استغلاله اسم المرجعية، ولو عن طريق الأيحاء غير المباشر، سيؤدي الى هدر مكانتها السامية في نفوسنا نحن الشيعة الذين ننظر جميعاً، حتى أولئك الليبراليين والديمقراطيين والعلمانيين منّا، للمرجعية العليا كمظلةٍ واقيةٍ من صروف الدهر وملاذاً آمناً لنا جميعاً ورمزاً من رموزنا التاريخية والروحية التي نكنّ لها كلّ الاحترام والتبجيل ولا تنفصل عن ضمائرنا ووجداننا ما حيينا.
ندعو السيد الحكيم إلى ترك المرجعية وشأنها دون إقحامها في قضايا لا تخدم أهدافها السامية وتبعدها عن مجال عملها الذي مارسته بتفوق وأمانة منذ اكثر من ألفِ عام.
لا يحق لي أن أتكلمَ بأسم شيعة العراق جميعاً، كما يفعل السيد الحكيم وذلك ليس من حقه بالتأكيد، ولكنني لن أعدو الصواب إذا ما قلت بأن كثيراً من شيعة العراق يرفضون الفيدرالية الطائفية، تلك التي يدعو إليها آل الحكيم، وتقسيم العراق العربي ووضع جزءٍ مهمٍ منه تحت السيطرة الإيرانية بحجة وحدة المذهب والمصير.
أن مصير عرب العراق، سنة وشيعة، هو في منح الأكراد حقوقهم التاريخية والخلاص من المشكلة الكردية وإلى الأبد. لنتفرغ بعد ذلك لمعالجة المشاكل والاحتقانات التي أورثتها لنا الاختلافات المذهبية عبر التاريخ وبحكمة وتعّقل دون اللجوء الى مصادرة الآخر واستعمال لغة العنف والإرهاب الدموي. اللهم إلا إذا أردنا أن نهدم العراق علينا وعلى أعدائنا.
فهل يريد السيد الحكيم ذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة