الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الأسئلة ( هل قدم الإسلام علاجا لظاهرة التحرش أم مسكنا؟ )

محمد غنيم

2014 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أكثر ما يميز الإسلام عن غيره فى تناوله لبعض القضايا أو فى تقديمه حلولا لبعض المسائل هو حسن تشخيصه للمرض. وهذه هى البداية الصحيحة لوصف العلاج، أو هى أولى خطوات العلاج . إشكالية التحرش هذه قد تحدث الكثيرون عنها، وقتلها البعض بحثا، أو أجابوا على كثير من أسئلتها من منظور إسلامى أو من منظور حضارى، وأنا أتشجع وأفكر أيضا بصوت عال. قد يكون حديثى تكرار، ولكنى أعتبره إعادة إنتاج، أو فكر وفهم آخر لأحد المسلمين لنصوص عالجت هذه القضية.
بداية يمكننا اعتبار التحرش بابا من أبواب الزنا، أو نافذة عليه، وقد حاول الإسلام إغلاق هذه النافذة وإقفال كل باب مفتوح عليه. فحين يتحدث الإسلام بالنهى فى القرآن عن الإقتراب من الزنا " ولا تقربوا الزنا "(1) علينا أن نفهم أن النهى هنا عن الاقتراب أى التحرش . ولكن نطرح سؤالا ملحا؛ هل النهى هنا كاف لحل هذه المشكلة أو القضاء عليها ؟! وهل الإلتزام بالأومر الإلهية كافية للتغلب على الرغبات الجنسية المشروعة، أم وأد هذه الرغبة المشتعلة كاف من أجل أمر إلهى ؟ ولو كان الأمر كذلك لوجدنا مشكلة أكبر وهو غفل الأوامر الإلهية لحاجة وطبيعة الإنسان الفسيولوجية. لكن بجوار هذه النهى الإلهى نجد العلاج الحقيقى لهذه المشكلة النفسية والتى قد أتجاوز وأقول أنها مشكلة حضارية تهدد الإسلام بسسب أفعال المنتمين إليه .
ظاهرة التحرش ليست فقط من جانب الذكور بل هناك تحرشا آخر من جانب الإناث-لكن البنات تتعرض أكثر لمضايقات المتحرشين- ثم إن التحرش ليس فقط على الصعيد اللفظى والفعلى كتطاول اليد أو ما شابه بل قد يصل أيضا إلى الملبس وعلى هذه الطريقة فالذكور والإناث متهمون وضحايا فى نفس الوقت.
يبدأ التحرش أول ما يبدأ بالعين، ولذا فلم يكن من العجب أن يبدأ الإسلام الاعتناء وعلاج هذه القضية من حيث النظر، إذا علمنا أن الإسلام يستأصل المرض من جذوره ولا يؤمن بالمسكنات. فالعين هى النافذة المفتوحة والطريق الأول للتحرش كما أنها هى أيضا بابا آخر من أبواب الخير، ولذا كانت العين هى الأولى من غيرها إذا حاول الإسلام علاج هذه المشكلة . فحينما طلب القرآن من المسلمين غض البصر كان الأمر والطلب للجنسن على السواء " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" (2) والأمر فى الآية الأولى الذى كان فى صورة النهى "ولا تقربو الزنى" والثانى الذى كان فى صورة أمر(قل للمؤمنين) يحملان تعليلا للنهى والأمر. فالتعليل فى النهى فى الأية الأولى ماهو إلا لأن ذلك "فاحشة وساء سبيلا" (3) والتعليل فى الأية الثانية هو أن الالتزام بهذه الأوامر "أزكى لهم" (4) فكأن الأية الاولى قد خاطبت المؤمنين اللذين يستجيبوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحيهم دون مناقشة. والثانية لمذبذبين، أو اللذين يبحثون عن علاج حقيقى لهذه المشكلة فكان العلاج بحفظ العين وغضها عن المحارم .
إذا انتقلنا لبعض النصوص النبوية لوجدناها تفسر هذه الأيات أو تشرحها أو تعايش وتطبق هذه النظريات والأوامر القرآنية على أرض الواقع. فهاهى النصوص النبوية بين حض على الزواج للقضاء على هذه المشكلة وإن كان مشروطا بالاستطاعة -قد فسرها البعض بالاستطاعة المالية- أى المسؤلية، مسؤلية هذا العقد ومسؤلية تحمل تبعات الزواج. " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " (5) وبين محاربة الغلاء فى الزواج والتى تعيق الإرتباط الحقيقى؛ أى الزواج، وتساعد على تفشى هذه المشكلة –التحرش-فى المجتمع أو قبول علاقات أخرى فى غير إطار العلاقة الزوجية لعدم القدرة المالية على تحمل نفقات الزواج. وها هو النبى يبدأ بنفسه وبأسرته فى عدم المغالاة فى المهور لتيسير عملية الزواج والتى تعتبر المشكلة الأكبر لانتشار ظاهرة التحرش كما أنها تعتبر القنبلة الموقوته التى يُنتظر انفجارها فكما قال عمر : لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثني عشرة أوقيه. (6) والأوقية: أربعون درهمًا، فتكون الاثنتا عشرة أوقية أربعمائة وثمانين درهما. وقد حسب البعض الأربعمائة والثمانين درها فكانوا ألفين ومائة وستين ريالا سعوديا تقريبا. وهاهو النبى يوصى المؤمنين فى عدم المغالاة فى المهور ليعلن القاعدة الأساسية فى الزواج أنها ليست المال –وإن كان لازما- ولكن الدين والأخلاق " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلو تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير " (7) وها هو الفساد يطل من خلال ظاهرة التحرش . بين أمر بعدم الاقتراب من الزنا –التحرش- وإتباعه بأمر آخر وهو غض البصر وبين حض للزواج وعدم المغالاة فى المهور للقضاء على هذه الظاهرة وإيجاد حل لها يبقى الصوم علاجا مكملا لمن لم يستطع الزواج لحفظ نفسه ومن لم يستطع أن يكف عن التحرش ففى الصوم غض البصر وحفظ الفرج.
نعود مرة أخرى لأيات القرآن فنجد الأمر المباشر لتزويج الشباب والفتيات "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونو فقراء يغنهم الله" (8) فالأمر هنا ليس فقط لأولياء أمر الشباب والفتيات بل هو أيضا أمر للدولة، فعلى عاتق الدولة أن تقوم بتزويج الشباب أو تسهيل الزواج ففيه علاج هذه المشكلة . ويبقى السؤال هل يمكن أن نرى نماذج لأباء تقول لمن يتقدم لخطبة بناتهم ما أريد أن اشق عليك إن أرادت البنات تحصنا أم أن الأباء يبغون عرض الحياة الدنيا ؟
فى كلماتى هذه فهمى الخاص لمشكلة التحرش وكيف تعامل الإسلام للقضاء عليها فبين الكبت والعوز والرغبة والامتناع وقلة ذات اليد يبقى التحرش وسيلة لبعض الشباب يفرغوا من خلاله ما يخفون من قهر ومعاناة يعيشونها. واذا كان الإسلام قد قدم حلولا أجملناها لهذه المشكلة فإنه أيضا قد قدم عقابا زاجرا لكن من تسول نفسه ارتكاب هذا الجرم فبينما يرى بعض العلماء أن التعزير هو عقوبة المتحرش يرى البعض الآخر أن عقوبة المتحرش قد تصل إلى حد الحرابة !
(1) (الإسراء:32)
(2) (النور:30-31)
(3)(الإسراء:32
(4)(النور :30)
(5) الشيخان : كتاب النكاح
(6) سنن ابن ماجة كتاب النكاح
(7) الترمذى وغيره : كتاب النكاح
(8) (النور : 32)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل


.. 52-An-Nisa




.. 53-An-Nisa