الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جامعة دمشق والمدرسة الداعشية

عفيف رحمة
باحث

2014 / 9 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقف اليوم أما المشهد السوري بكل تداعياته لنسأل عن الأسباب التي أنتجت هذه الحالة الفريدة من ‏نوعها، من حيث التمزق المجتمعي والتراجع الفكري والإنحطاط المسلكي والأخلاقي مع ظهور ‏تنظيمات مثل القاعدة وداعش و النصرة وغيرها من المسميات التي لا يقيم أتباعها للحضارة معنى.‏

لكن لا غرابة في ذلك فعدد كبير من المثقفين الإسلاميين منهم والقوميين تفاخروا يوماً ببطولات ‏أسامة بن لادن لمجرد أنه استخدم في حديثه وخطبه وتوجيهاته مصطلحات تثير غريزة العزة القومية ‏و النشوة الدينية، كحال إستخدامه مصطلحات العداء والتحريض ضد الولايات المتحدة الأميركية ‏والغرب الكافر وووو... مصطلحات تم فيها استبدال المحتوى الطبقي والوطني التحرري بمحتوى ‏طائفي غرائزي.‏

وإن كان لمثل هذه المواقف جذوراً تربوية وثقافية واجتماعية تفسر هذا النزوع نحو فكر تحريضي ‏وتمييزي، فلا يوجد ما مبرر لجامعة دمشق أن تلعب دور المنبر لتسويق مثل هذا الفكر الإسلاموي ‏الذي حمل في بذوره منذ ولادته هول ما نراه ونعيشه اليوم من ممارسات فوق استثنائية.‏

جامعة دمشق التي تاسست عام 1934، الأقدم والأعرق بين الجامعات العربية بعد مدرسة الأزهر، ‏لم تاخذ قيادتها اي اعتبار لحقيقة الواقع الفكري والثقافي الذي هيمن على حياتها العلمية والثقافية ‏والذي لم تجرؤ يوماً على استقراء مخاطره على سوريا ومستقبل ابنائها، لان همّ "قيادتها السياسية ‏والعلمية" كان موجهاً نحو هدف آخر، إحكام القبضة على المؤسسة التعليمية لتمرير سياسة إحتكار ‏السلطة وتجريم الحق بالتفكير والإبداع الذي يتعارض مع منظومة الإستبداد سند بقائها! قيادة رغم ‏ادعائها العلمانية والتقدمية لم تعر أي اهتمام أو بالأحرى لم تجروء على ممانعة إنتشار الفكر ‏الإقصائي كيف ؟ وهي التي تمارس مختلف أشكال الإقصاء الفكري والسياسي.‏

عام 2010، قبل بدايات الأزمة الوطنية في سوريا، نشرت مجلة جامعة دمشق (الآداب والعلوم ‏الإنسانية) المجلد 26 العدد الأول+الثاني مقالة للدكتور عزت محمود فارس، من قسم‎ ‎اللغة‎ ‎العربية‎ ‎وآدابها‎ -‎كلية‎ ‎الآداب‎-‎جامعة‎ ‎الزيتونة‎ ‎الأردنية‎ ‎الخاصة، مقالة بعنوان "قراءة في العهدة العمرية" ‏عرض فيها حسب رأيه (أهمية‎ ‎العهدة‎ ‎بوصفها‎ ‎وثيقة‎ ‎متقدمة‎ ‎ومعبرة‎ ‎عن الفكر‎ ‎الإسلامي‎ ‎من‎ ‎مختلف‎ ‎الوجوه) و (سماحة الإسلام وعدله واحترامه لمعتقدات الآخرين، وتسهيل وصولهم إلى مقدساتهم ‏وممارسة شعائرهم التعبدية).‏
لكن ما هو مثير وملفت للإنتباه أنه في يونيو 2006 ظهر للدكتور رمضان إسحاق الزيان (أستاذ ‏مشارك في الحديث الشريف وعلومه - قسم الدراسات الإسلامية – جامعة الأقصى –غزة)، بحثاً في ‏مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإسلامية) المجلد الرابع عشر- العدد الثاني، تحت عنوان ‏‏(روايات العهدة العمرية – دراسة توثيقية)، حيث خلص فيه كاتب البحث إلى عدم إمكانية إثبات ‏مصداقية أي نص للعهدة العمرية من الناحية الحديثية (نسبة للحديث الشريف) حسب مقاييس النقد ‏عند المحدثين، كما وصل الباحث بدراسته إلى: رفض نص العهدة القائم على كونه صيغة رسالة ‏موجهة إلى صفرونيوس (إسقف بيت المقدس)، لعدم ثبوته في أي مصدر معتبر من مصادر التراث ‏الإسلامي، مع ظهور علامات الوضع عليه (لأنه لا أصل له حسب رأيه)، وردِ ما سمي بالشروط ‏العمرية لضعف اسانيدها.‏

إذاً مجلة الجامعة الإسلامية تشكك بمصداقية نصوص العهدة العمرية وجامعة دمشق تؤكدها وتروج ‏لسماحتها وعدلها !!!‏

فيما يتعلق بالعهدة العمرية يميز الباحثون بين نص العهدة وشروط العهدة، لكن يمكن أن تقسم ‏النصوص المتواترة في المراجع الإسلامية المختلفة إلى ثلاث، نص العهدة (وهو ما يعتبره عدد من ‏الباحثين النص الحقيقي للعهدة العمرية) وشروط العهدة (وهي موضع إلتباس وخلاف بين الباحثين) ‏والرد (وهو نص رد نصارى مدينة أيلياء على شروط العهدة الذي يتناساه البعض لكن لا يتبرأ منه ‏أي من الباحثين).‏

أما شروط العهدة (المزلة لاهل الكتاب) فقد وردت في عدد من كتب التراث الإسلامي، مثل كتاب ‏أحكام أهل الذمة للإمام‎ ‎شمس‎ ‎الدين‎ ‎محمد‎ ‎بن‎ ‎عبد‎ ‎الله لإبن القيم الجوزية، كما وردت في تفسير إبن ‏كثيرالقرشي لسورة التوبة (رقم 9) الآية رقم 29 من كتابه البداية و النهاية، و كتاب السلوك لمعرفة ‏دول الملوك لأحمد بن علي المقريزي، وكتاب "صبح الاعشى" لأحمد بن علي القلقشندي، وكتاب ‏‏"أحكام أهل الزمة" لمحمد بن ابي بكر أيوب الزرعي، كما وردت في كتاب مجموع الفتاوى لإبن ‏تيمية ورسالة المتصوف لمحي الدين العربي إلى أحد قادة المسلمين.‏

ورغم أن بعض الباحثين يرى أن سند العهدة العمرية (شروط العهدة) ضعيف بحكم طبيعتها ‏المخالفة للعهود التي أبرمها الخلفاء الراشدين في فترة حكمهم، إلا أن إعادة طرحها بعد قرون من ‏زمن تداول نصها بالصيغة الإشكالية التي وردت بها في عدد من كتب التراث، يعيد هذه القضية إلى ‏طاولة البحث لا من حيث صحتها التاريخية بل من حيث الفكر الذي تحمله والذي يتسلح به كثيرون ‏من "أصحاب الفكر والراي الإسلامي" والذي نرى اليوم أشد تجلياته المرعبة في الممارسات السياسية ‏واحكام المحاكم الشرعية لداعش.‏

وإذا كان ما يفسر منهجياً تبني بعض المؤسسات الفكرية والتعليمية لمثل هذا الفكر والمنهج، فإن ‏محاولة إحياء نص ملتبث وخلافي للعهدة العمرية، في القرن الواحد والعشرين، في مجلة علمية ‏تصدرها جامعة دمشق يدفعنا للسؤال عن دور جامعة دمشق في تصنيع وترويج الفكر الداعشي؟! ‏كما يسمح لنا أن نبحث عن الهوية الحقيقية لمن تولى إدارة جامعة دمشق خلال عقود أربعة من حكم ‏حزب "عقائدي" لطالما رفع شعارات العلمانية والتقدمية وقضايا التحرر الوطني!!!.....‏

في البحث الذي نشرته مجلة جامعة دمشق، وبعد أن أورد كاتبه ما جاء في كتاب "تاريخ الأمم ‏والممالك" للطبري من نص يرتاح له جميع الباحين لما فيه من أمان وسماحة تتفق والأحكام ‏الإسلامية (حسب تعبير الكاتب)، وبعد أن قضم الكاتب النص الخلافي (شروط العهدة) الذي يبدأ ‏بشرط: الا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا ‏يجدِّدوا ما خُرِّب، ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم، ...... ‏وينتهي بشرط : ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين. فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه ‏فلا ذمّة لهم، وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق، ... ، يسرع الكاتب متباهياً ‏بسماحة الإسلام ليورد تعهداً من آهل إيلياء لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يناقض فيه فكراً ‏ومضموناً كل ما سبق أن أورده من تبجيل للعهدة العمرية.‏

هذا التناقض في منهجية البحث لم يستوقفنا لأن الغرض ليس مناقشة وجهات النظر في سلامة ‏النصوص الإشكالية من عدم سلامتها، بل مناقشة ما سمحت جامعة دمشق بنشره لأن فيه مؤشر ‏واضح لهيمنة الفكر الديني والوهابي والقاعدي على عدد من مرافق الجامعة رغم الواجهة الحزبية ‏الصارمة والأمنية التي لم تستخدم يوماً إلا لسحق الوطنيين اصحاب الفكر التنويري و الحداثي.‏

في تحليل الكاتب لسيرة العهدة العمرية، يقول أن نصارى القدس‎ ‎وجهوا كتاباً لأمير المرمنين يقولون ‏فيه: (إنكم‎ ‎لما‎ ‎قدمتم‎ ‎علينا‎ ‎سألناكم‎ ‎الأمان‎ ‎لأنفسنا وذرارينا‎ ‎وأموالنا‎ ‎وأهل‎ ‎ملتنا،‎ ‎وشرطنا‎ ‎لكم‎ ‎ألا‎ ‎نحدث‎ ‎في‎ ‎مدينتنا‎ ‎ولا‎ ‎في‎ ‎ما‎ ‎حولها ديراً‎ ‎ولا‎ ‎كنيسةً‎ ‎ولا‎ ‎قلايةً (مسكن‎ ‎الأسقف)‏‎ ‎ولا‎ ‎صومعة‎ ‎راهب‎.‎ولا‎ ‎نجس‎ ‎منها‎ ‎ما‎ ‎كان في‎ ‎خطط‎ ‎المسلمين‎ ‎ولا‎ ‎نمنع‎ ‎كنائسنا‎ ‎أن‎ ‎ينزلها‎ ‎أحد‎ ‎من‎ ‎المسلمين‎ ‎في‎ ‎ليل‎ ‎ولا‎ ‎نهار، وأن‎ ‎توسع‎ ‎أبوابها‎ ‎للمارة‎ ‎وابن‎ ‎السبيل‎.‎وأن‎ ‎ننزل‎ ‎من‎ ‎مر‎ ‎من‎ ‎المسلمين‎ ‎ثلاث‎ ‎ليال نطعمهم،‎ ‎ولا‎ ‎نواري‎ ‎في‎ ‎كنائسنا‎ ‎ولا‎ ‎في‎ ‎منازلنا‎ ‎جاسوساً‎ ‎ولا‎ ‎نكتم‎ ‎غشاً‎ ‎للمسلمين‎ ‎ولا نعلم‎ ‎أولادنا‎ ‎القرآن،‎ ‎ولا‎ ‎نظهر‎ ‎مشركاً‎ ‎ولا‎ ‎ندعو‎ ‎إليه‎ ‎أحداً،‎ ‎ولا‎ ‎نمنع‎ ‎أحداً‎ ‎من‎ ‎ذوي قرابتنا‎ ‎الدخول‎ ‎في‎ ‎الإسلام‎ ‎إن‎ ‎أراده،‎ ‎وأن‎ ‎نوقر‎ ‎المسلمين،‎ ‎ونقوم‎ ‎لهم‎ ‎من‎ ‎مجالسنا،‎ ‎ولا نتشبه‎ ‎في‎ ‎شيء‎ ‎من‎ ‎لباسهم‎ ‎في‎ ‎قلنسوة‎ ‎ولا‎ ‎عمامة‎ ‎ولا‎ ‎نعلين‎ ‎ولا‎ ‎فرق‎ ‎شعر،‎ ‎ولا‎ ‎نتكلم بكلامهم‎ ‎ولا‎ ‎نتكنى‎ ‎بكناهم،‎ ‎ولا‎ ‎نركب‎ ‎السروج‎ ‎ولا‎ ‎نتقلد‎ ‎السيوف،‎ ‎ولا‎ ‎نتخذ‎ ‎شيئاً‎ ‎من السلاح‎ ‎ولا‎ ‎نحمله‎ ‎معنا،‎ ‎ولا‎ ‎ننقش‎ ‎على‎ ‎خواتمنا‎ ‎بالعربية،‎ ‎ولا‎ ‎نبيع‎ ‎الخمور،‎ ‎وأن‎ ‎نجز مقادم‎ ‎رؤوسنا،‎ ‎وأن‎ ‎نلزم‎ ‎زينا‎ ‎حيثما‎ ‎كنا،‎ ‎وأن‎ ‎نشد‎ ‎الزنانير‎ ‎على‎ ‎أوساطنا،‎ ‎ولا‎ ‎نظهر الصليب‎ ‎على‎ ‎كنائسنا،‎ ‎ولا‎ ‎نظهر‎ ‎صلباننا‎ ‎ولا‎ ‎كتبنا‎ ‎في‎ ‎شيء‎ ‎من‎ ‎طرق‎ ‎المسلمين‎ ‎ولا أسواقهم،‎ ‎ولا‎ ‎نضرب‎ ‎نواقيسنا‎ ‎في‎ ‎كنائسنا‎ ‎إلا‎ ‎ضرباً‎ ‎خفيفاً،‎ ‎ولا‎ ‎نرفع‎ ‎أصواتنا‎ ‎مع موتانا،‎ ‎ولا‎ ‎نتخذ‎ ‎من‎ ‎الرقيق‎ ‎ما‎ ‎جرت‎ ‎عليه‎ ‎سهام‎ ‎المسلمين،‎ ‎ولا‎ ‎نطلع‎ ‎عليهم‎ ‎في ‏منازلهم"‏‎.‎

ثم يخلص الكاتب ضمن ما خلص إليه من عظمة هذه العهدة وسماحتها وعدالتها ما يلي:‏
‏_ إن‎ ‎لفظة‎ "‎أعطى"‏‎ ‎تومئ‎ ‎إلى‎ ‎أن‎ ‎هذه‎ ‎الميزات‎ ‎التي‎ ‎قدمتها‎ ‎المعاهدة‎ ‎هي‎ ‎هبة‎ ‎ومنحة من‎ ‎أمير‎ ‎المؤمنين‎ ‎لأهل‎ ‎إيلياء،‎ ‎وليست‎ ‎حقاً‎ ‎من‎ ‎حقوقهم.‏
‏- أن‎ ‎إيلياء‎ "‎القدس‎ " ‎التي‎ ‎شرفها‎ ‎الله‎ -‎سبحانه‎ ‎وتعالى‎ - ‎بذكر‎ ‎مسجدها‎ ‎في‎ ‎قرآنه، وذكر‎ ‎مسجدها‎ ‎ينسحب‎ ‎عليها،‎ ‎وبإقامة‎ ‎رسول‎ ‎الله الصلاة‎ ‎في‎ ‎مسجدها‎ ‎الأقصى‎ ‎إماماً‎ ‎لكل‎ ‎الأنبياء،‎ ‎أصبحت‎ ‎مملوكة‎ ‎لدولة‎ ‎الإسلام‎ ‎وأن‎ ‎الإسلام‎ ‎أصبح‎ ‎وارثاً‎ ‎كذلك‎ ‎لكل‎ ‎الشرائع‎ ‎السماوية‎ ‎السابقة.‏
‏- تعد‎ ‎هذه‎ ‎الرسالة (العهدة‎ (‎وثيقة‎ ‎متقدمة‎ ‎في‎ ‎العدل‎ ‎والمساواة‎ ‎بين‎ ‎طرفي‎ ‎التعاقد، وقمة‎ ‎في‎ ‎الموضوعية‎ ‎والتجرد،‎ ‎والبعد‎ ‎عن‎ ‎الذاتية‎ ‎والنوازع‎ ‎الشخصية،‎ ‎أو الارتهان‎ ‎للشعور‎ ‎بالقوة‎ ‎وإملاء‎ ‎الشروط‎ ‎على‎ ‎الطرف‎ ‎الأضعف،‎ ‎إذ‎ ‎هدفت‎ ‎إلى تطبيق‎ ‎نظرة‎ ‎الإسلام‎ ‎وتعاليمه‎ ‎بشأن‎ ‎الفتح‎ ‎وبيان‎ ‎سماحة‎ ‎الإسلام‎ ‎أملاً‎ ‎بنشره،‎ ‎لما يرى‎ ‎الناس‎ ‎من‎ ‎جليل‎ ‎مبادئه‎ ‎وحسن‎ ‎تعامله‎ ‎مع‎ ‎غيره‎ ‎من‎ ‎أهل‎ ‎الشرائع‎ ‎الأخرى.‏

ورغم منهج التضليل الفكري الممزوج بالتعالي العقائدي الذي يمارسه الإسلاميون وبالاخص ‏الإخوانيون منهم، والذي تبناه الباحث، فإن الباحث لم يفسر لماذا يقدم قوم بالتنازل عن هويتهم ‏وحققهم وكرامتهم طوعاً إلى حدً العبودية (شرطنا لكم ....)، دون ان يلزمهم أحد على ذلك، ولم يفند ‏الباحث كيف يمكن أن يكون حق قوم بما يملكون هبة (ميزات) من شخص عبد لله وهو (الكاتب) ‏الذي يقول أن العهدة تبدأ بكلمة عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، كما يتجاهل الكاتب كيف ‏يمكن لأمير المؤمنين وهو العادل أن يقبل بهذا التنازل من قوم ذي شأن رحبوا بقدومه ودخوله مدينة ‏المقدس من منطلق إنتمائهم إلى القبائل العربية (الإنتماء القومي).‏

أما أخطر ما طرحه الكاتب فهو شرعية إستملاك قوم لأملاك قوم آخر بذريعة ورود إسم مدينتهم ‏إيلياء القدس في القرآن، فبالقياس على ما يورده الكاتب من تبريرات لحق المسلمين في استملاك ما ‏ليس من أملاكهم لمجر ورود إسم مدينة إيلياء في القرآن، (ذكر‎ ‎مسجدها‎ ‎ينسحب‎ ‎عليها،‎ ‎وبإقامة‎ ‎رسول‎ ‎الله الصلاة‎ ‎في‎ ‎مسجدها‎ ‎الأقصى‎ ‎إماماً‎ ‎لكل‎ ‎الأنبياء،‎ ‎أصبحت‎ ‎مملوكة‎ ‎لدولة‎ ‎الإسلام...)، ألم يفكر ‏الكاتب (والمجلة التي نشرت بحثه) أن في منهجه الميكانيكي لسي فقط أنه منهج إستلابي بدوي بل ‏هو تبريرٌ لإقامة دولة إسرائيل لمجرد ورود إسم إسرائيل وقوم بني إسرائيل في القرآن ومن قبله في ‏التوراة.‏

وكما جميع المفكرين الإسلاميين والقوميين أقحم الكاتب قضية (معاملة‎ ‎الغزاة‎ ‎المحتلين في أيامنا‎ ‎هذه‎ ‎من‎ ‎حقوق‎ ‎المواطنين‎ ‎الذين‎ ‎يكونون‎ ‎تحت‎ ‎الاحتلال‎! ‎‏ على‎ ‎الرغم‎ ‎من المعاهدات‎ ‎الدولية‎ ‎وما‎ ‎يدعونه‎ ‎من‎ ‎حقوق‎ ‎الإنسان‎ !.‎‏) وكأنه لا يمكن التأكيد على صحة فكرة (عدالة وسماحة العهدة العمرية خاصة ‏والإسلام عامة) إلا بالإسقاط على قضايا معاصرة لا علاقة لها بصلب البحث، وكأنه يريد أن يقول ‏أن القضايا نسبية وعدالة الإسلام نسبية لما هو كائن في عصرنا وهذا يتناقض مع مفهوم الرسالات ‏السماوية التي يتغنى بها شريحة واسعة من المفكرين العرب والمسلمين.‏

كثيرة هي المواضيع التي رفضتها مجلات جامعة دمشق لعدم توافق مضمونها الفكري مع القيود ‏الأمنية التي تدار بها هذه الجامعة والتي لم تنتج سوى تدمير للإبداع الفكري والعلمي وإغتراب دائم ‏لشريحة واسعة من خيرة كوادرها وتحجيم ممنهج لطاقات الشباب الجامعي المرشح لتطوير المجتمع ‏السوري.‏

وإذاً كان للكاتب حقه الشخصي في التفكير والدعوة لما يعتقده صحيحاً، إلا أن مؤسسة علمية مثل ‏جامعة دمشق لا يصح لها أن ترويج في مجلاتها لمثل هذا الفكر الإقصائي التمييزي لحد العنصرية، ‏لأنه حينها لن يبقى غريباً ما تفعله داعش من ممارسات فمرجعيتها الفكرية وسندها الفقهي تغنى ‏ويتغنى به عدد لا يستهان به المفكرين والباحثين العرب والسوريين.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر