الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعيُّ التآمرِ في التاريخ الإسلامي

عبدالله خليفة

2014 / 9 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لا يستطيع الوعي الديني غير المكتشفِ للواقع الموضوعي أن يعي أسباب المشكلات والأزمات، وسبل تشكيل طرق التحول، بسبب ارتباطه بالخوارق.
ولهذا فإن الكثير من القدماء ربطوا وجود الشر وحصول المشكلات بالشياطين وغيرها من الكائنات المسئولة عن هذه الأمور الاجتماعية.
ولكن الثيمة الأولى الأساسية من الوعي الديني حاضرة خلال آلاف السنين، وهي الثيمةُ التي استندتْ على العفوية وغياب العلوم وغياب القراءات النقدية للإرث الخرافي المتغلغل في المادة الثقافية، وهذه الثيمةُ تعتمدُ على جهلِ الجمهور الذي لم يُعلَّم ولم يُدخل في إنتاج متطور خلال تلك الحقب، وتكرست فيه تفسيراتُ التآمر الخارجي، فمشكلات الزواج والنظام والعلاقات الاجتماعية تعود الى تلك القوى المرتبصة المتآمرة، ولهذا نجد ان هزائم المسلمين وانهيار حضاراتهم المختلفة تعود الى ذلك التآمر بحسب هذه الآراء، وحتى الآن مازال فشل أنظمة الاستبداد يُفسر بمؤامرات الغرب التي تُعطى الدور الغالب الكاسح فيما تُضمر عناصر الداخل الإسلامي السلبية ولا تظهر تحت المجهر التحليلي.
والغريب أن بعض المثقفين يروجون لمثل هذه الأفكار، وينشرونها عبر الكتابات الفكرية والسياسية والأدبية، وثمة أرضية كبيرة في التراث العربي يرتكزون عليها وهي التي صنعتْ هذه الفزاعات الخيالية، كاعتبار عبدالله بن سبأ وراء الفتنة الكبرى والصراعات الدامية التي تتالت بعد ذلك على سبيل المثال.
وقد وُضع اليهود كنمطٍ عام اسطوري في إنتاج مركزي لمثل هذه الخرافات الفكرية السياسية، وهو وُضعٌ يبرئ الداخل المسئول الرئيسي من مشكلات الواقع وصراعاته وعدم قراءاته العميقة.
يقول مؤلفُ إحدى الروايات الصادرة مؤخراً على لسان شخصياته الإيجابية المسلمة:
(أما عن هذه الفرق فهي كثيرة، البعض منها معروف لدينا والبعض الآخر مجهول. ولكن ذُكر في أدبياتها أن لبعض هذه الفرق نجاحات باهرة، كسقوط الأندلس والخلافة العباسية؛ ومع غير المسلمين، سقوط الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا)، حكومة الظل، ص 159، الدار العربية للعلوم.
تتحول أحداث تاريخية معقدة هنا كسقوط الخلافة العباسية إلى تآمر، فكلُ أسبابِ التاريخ العميقة تُحذف، مثل فساد الارستقراطية الحاكمة وعدم وجود سياسات إصلاحية على مدى قرون، وغياب قوى عقلانية على مستويات الاقتصاد والفلسفة والعلوم، والحذفُ يقودُ الى عروض فنية وفكرية متخيَّلة سطحية، وتتحولُ الى رموز على طريقة ابن سبأ وغيره من العفاريت الاجتماعية الشبحية.
وفي هذه الحالات يسهل خلق أرجوازات فنية وشخصية تتحرك بحسب خيوط الكاتب التي تشدُّ كلَ شيء، فيصبح مشروع شركة هواتف مؤدياً الى كشف شبكة تغتال علماء لأنهم عرفوا مؤامرة تمت في تركيا الإمبراطورية العثمانية واكتشفوا فيها تآمر يهود على هدم هذه الإمبراطورية (العظيمة) وعلى احتلال فلسطين.
يتم التصور هنا بأن الإمبراطورية العثمانية كانت جسداً قوياً لولا بعض المشكلات وأن الخليفة الأخير ليس سلبياً، لكن التآمر اليهودي الذي تجسد في تنظيم الاتحاد والترقي هو المسئول عن ذلك الانهيار التوحيدي لآخر بناء سياسي ربط المسلمين في أصقاع الدنيا!
هذه الأفكار صارت تُبعث وتتردد بقوة الآن مع تشكل فئات وسطى تحنُّ الى عودةِ الإمبراطورية وتقوية العلاقات التجارية والسياسية التركية العربية.
والأشكالُ السياسيةُ التوحيدية والمقارباتُ بين الأمم الإسلامية ليست مرفوضة بطبيعة الحال بل ومطلوبة ولكن ليس من خلال وعي إسطوري.
إن قيام المؤلف بتحويل الأمم إلى كيانات صماء متراصة من الداخل، وتغييب صراعاتها الداخلية، هو مثلُ تحويلهِ الشخصيات والأحداث إلى خيوطٍ واهية، واعتماد حبكة القتل البوليسية وسهولة تنفيذها وقدرة المجرمين على اختراق العصور والتأثير في هدم الإمبراطورية العثمانية ومنع تقدم المسلمين الراهن.
ودور مثل هذه الأفكار هي إنعاش الأسطرة وتجفيف وعي التاريخ من أبحاثه وموضوعيته، فلم ير المؤلفُ الإمبراطوريةَ العثمانية ككيانٍ إقطاعي متحلل فرضَ نمطاً من الخراج القاتل وجمدَ تطور المسلمين لقرون وسلمهم غنيمةً باردة للأمم الأوروبية الناهضة الباحثة عن مستعمرات ومواد خام، ثم جاء حزبُ الاتحاد والترقي التركي بأفكار إصلاحية مسطحة وقومية متعصبة، فعجل بذلك الانهيار.
مثل هذه الحبكات البوليسية تخلق تشويقاً، وتتماشى مع وعي جمهور لايزال يعيش في مواد القرون السابقة، وعبر دور نشر تجارية تسوق هذه المخدرات الثقافية، للكسب والحصول على أكبر مبيعات ممكنة.
وهذا جانبٌ تحولَ الى مشروعٍ هدفهُ تكريس الرؤى البوليسية والخرافات الدينية والأساطير الحديثة ودلالاتها السياسية السلبية، وغرس كل هذا في الجمهور العربي.
والغريب أن هذا التخريف يسوق عبر كلمات العلوم والحداثة، وكأنها مادة جديدة مع بعض الإبهار والتزويق والإثارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا