الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروعية الأحلام في مواجهة قداسة الأوهام.

ابراهيم حمي

2014 / 9 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الثوابت المنطقية، التي لا جدال فيها ولا نقاش، هي الاعتراف و التسليم بأن الأحلام طبيعة بشرية، وإن كانت فعلاً كذلك، فمن البديهي أيضا أن الحقيقة التي لا يتناطح فيها كبشان هي أن كل الأحلام البشرية ليست ممكنة في جلها، وغير قابلة للتحقيق في معظمها، وهذا أمرا عادي وواقعي بنسبة تفوق 100 %.
و إلى حدود هذا المنطق وهذه الحقيقة إذن ماذا يمنعنا كبشر أن نحلم كما نشأ وكما نريد، ولا أحد يستطيع أن يمنع أحدا من حقنا في أن حلم على قد المستطاع. وانطلاقاً من حرية وإباحة الأحلام، تبقى إذن الأحلام مشروعة و من حق أين كان أن يحلم كيفما يحلو له، ولا عيب أو ضرر في ذلك، ولو وصل الأمر حد التطرف في الأحلام، ما دام الواقع بالمرصاد الأحلام البشرية، و عنيدا جدا ومتشبثا جداً بعناده الذي بات صخرة تتكسر عليها كل الأحلام البشرية، الغير قابلة للتحقيق، أو حتى التي يعتقد أنها ممكنة التحقق. وانطلاقا أيضا من هذا المنطلق يبقى السلاح الوحيد للبشرية هو المزيد من الأحلام ومزيدا من التخيل وإطلاق العنان للمخيال البشري إلى أقصى مداه، إتجاه ونحو عناد هذا الواقع الجبار، ولكن هناك أيضا معطى أخر لابد من استحضاره أمام عناد هذا الواقع الذي علينا أن نتحداه ونتجاوزه أيضا ولما لا، مدام كذلك أن التاريخ اثبت لنا أن كل ما تحقق وللحدود الساعة من نظريات وأفكار وإنجازات فكرية جبارة، هي نتيجة وثمرة من المخيال ومن الحلم البشري.
ولهذا يبقى السلاح المتاح للبشرية لتطور نفسها هو الحلم و المخيال الذي ينتج الفكر، وينتج مع هذا الفكر الشك أيضا.
و بمعنى أخر أن الحلم أو المخيال يساعد في بلورة التصور، والتصور يحفز الذهنية البشرية لاستخراج الفكر، كما أن الفكر ينمي في الذهنية البشرية الشك، أي الفكر و الشك بمعناه الفلسفي والعلمي، وليس بمعناه البسيط المتداول عند العامة، إذن ما دامت كل الأفكار الكبرى في حياتنا الأن كانت في بدايتها مجرد أحلام ومخيال لا أقل ولا أكثر، كما أن كل النظريات الكبرى هي والأفكار المهيمنة لحدود الساعة هي من مخيال الإنسان ونتيجة حلم وتصورات بشرية، فمن الأكيد أن البشرية لا زالت قادرة على العطاء وعلى الحلم وعلى التخيلات، في جميع المجالات بما فيه المجال الذي ينعت بالمقدس، مدام أنه فكر يضم تناقضات وصراعات و اختلافات ككل حقل من الحقول الفكرية. فقط علينا أن نبدأ في حلمنا وفي مخيالنا بمعيار الشك لكل ما سبق من أفكار أيديولوجيات ما دامت هي في آخر المطاف حصيلة للتطور المخيالي عند البشر.

وهنا لابد من الوقوف عند جانب من الطقوس والسلوكيات الموروثة من الأفكار الغابرة، والتي تم إعادة إحيائها من جديد ومحاولة تجديدها و تسقيلها لتواكب عصرنا الحالي، رغم أن القوالب التي يتم بها التجديد لهذا النوع من الأفكار هي قوالب من الأزمنة الساحقة، وبالضبط أقصد هنا العبادات بكل أشكالها وأنواعها، بحيث أن هناك تساؤل منطقي يتساءل كيف لكل هذا الكم من العبادات أن تكون كلها مقدسة، رغم تطاحنها فيما بينها وتناقضاتها اختلافها بين الطوائف والمذاهب والجماعات إلى أخره، طبعا هناك الكثير من العبادات المقدسة، وأن أسوأ هذه العبادات عبادات الأشخاص.
هنا سأستسمح الانتقال إلي مجال أخر من النقاش الذي يتناول تقديس الأشخاص مهما كانت مراتبهم. وفعلا هناك أشخاص علينا احترامهم، وعلينا احترام قناعتهم وأرائهم، ومن واجبنا أيضا الاعتراف برصيدهم التاريخي وتضحياتهم ومواقفهم، ولكن ليس من حقهم أن يجبرونا على تقديسهم، وجعل أنفسهم في مكانة تفوق المستوى الإنساني في أذهننا، وليس من حقهم أن يرغموننا بأساليب و بأشكال مباشرة أو غير مباشرة أن نؤمن بأن طاقتهم وقدراتهم وممارساتهم مهما كانت خارقة، بأنها تخرج عن النطاق البشري والإنساني، فمن الخطأ ومن البلادة الاعتقاد بأن هناك فئة من البشر بتسلطها وجبروتها فقط يبقى من واجبنا تقديسها وجعلها في مراتب عليا، ونظرا لأسباب تاريخية وثقافية معينة تفرض علينا هذه الشرذمة من البشر أن ننحني تحت أقدامها، لأنهم يعتقد أنهم منتخبين من طرف الطبيعة ليكونوا أمراء فوق رؤوسنا وفوق القانون وفوق الجميع، وما علينا نحن البشر العاديون إلا أن نقوم بالتبعية العمياء لهم و لقراراتهم الفوقية وتنفيذها حسب رغباتهم وإراداتهم المقدسة، ونقوم كذلك بخدمتهم، وهذا هو واجبنا ودورنا الذي خلقنا من أجله.
إن هذا المنظور وهذا المنطق السائد وللأسف، من الأفكار هو الذي تروج له كل أنواع الديانات المتواجدة على البسيطة. ولو كان الفكر الديني عادلا ومنصفا ويحمل في طياته نوعا من الاحترام للإنسان، وقسطا من المساواة بين كل أجناس البشر، ما فكر الإنسان يوما ما أن يحلم و يبدع أنواعا أخرى من القوانين تعترف بالكينونة الإنسانية، ككيان مستقل عن ما تدعيه الأساطير والخرافة الدينية التي لا ترى الإنسان إلا في درجته الدنيوية والسفلى، وأنه غير مؤهل إلا للاستعباد، ورهن إشارة المعبود ومن يحتل مكانة هذا المعبود من السلالة البشرية أيضا.
لهذا فمن حق ذوي العقول المتحررة والمنفتحة أن يحلموا ويتخيلوا كيفما أرادوا دون أي تدخل في طريقة وأسلوب تفكيرهم، ما داموا لا يغتصبون ولا يعتدون على أحدا، بطريقتهم من التفكير هاته، كما من واجبهم ومن حق الآخرين عليهم أن يسمحون لهم بأن يتمتعوا بحقهم في التفكير أيضا كما يحلو لهم شريطة الابتعاد عن العنف والإرهاب بكل أشكاله المادي والمعنوي أيضا.
أما أن تتم المحافظة على طريقة واحدة من اللاهوتية في التفكير وعلى صياغتها أن تحتكر أذهان البشر، فهذا نوع من الاحتكار للتفكير حتى في الحلم، وهذا المنطق مرفوض في عصرنا الحالي، ويندرج هذا المنطق المتحجر في إطار العبودية التي تسعى الإنسانية اليوم للتحرر من براثنها التي كرستها ظروف وشروط وعوامل تاريخية متعددة من ضمنها العنصر الثقافي المكرس مند مراحل زمانية ساد فيها الجهل والتخلف المورث والمؤثر على التربية والنشأة عبر صيرورة من الأحداث التاريخية و كذلك للأجيال، وما علينا إلا التخلص من هذا المنطق المعرقل لكل تقدم نحو التحضر الذي علينا أن نجتازه سعيا من لترسيخ لسيادة الحقوق الكونية التي بدونها لا يمكن ان نتكلم عن أي تحضر و لا عن أي احترام للفكر و للآراء، كما لا يمكن أن نزعم أننا نمارس أية ديمقراطية من أي نوع، و هذا فعلا يتطلب ما يتطلبه من النضال المظني من اجل نشر للفكر العلمي الذي هو السبيل الوحيد لمواجهة أي فكر متشدد و متعصب و يتقمص كل الحقيقة.
فمزيدا من الحلم و مزيدا من تنمية للخيال في جل الميادين و أمالنا كبير رغم كل ما يحيط بنا من تزمت ومن تعصب فكري و عقائدي الخ...
"لست مهزوما مادمت تقاوم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت