الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كي لا نخسر أزل وأخواتها

سعد تركي

2014 / 9 / 16
المجتمع المدني


ليس هناك من رقم يمكنه منافسة عدد التفجيرات التي تحصل في العراق بشكل يومي تقريباً إلاّ أعداد الوفود الكبيرة التي تقوم الوزارات والمؤسسات الحكومية بإيفادها إلى مختلف دول العالم. أيّ شخص يسعده حظ الوصول إلى صالة مطار بغداد الدولي سيتيقن أن جزءاً كبيراً من موازنة أيّة وزارة أو مؤسسة حكومية لا يتم إنفاقه على مشاريع تمسّ الحاجة إليها، إنما تذهب عبثاً في إيفادات لا أول لها ولا آخر، مثلما ليس لها من هدفٍ غير تسلية كبار الموظفين بسفرات سياحية يستجمون بها في بلاد الله الآمنة بأموال عامة. وفي حين يستطيع أي متنفذ في هذه الوزارة أو تلك المؤسسة حجز مقعد دائم في أية "سفرة" من دون أن تستفيد الجهة المرسلة شيئاً من "الدورات التطويرية أو العلمية" التي خضع لها، فإنّ كثيراً ممن يمكن أن يكون الإيفاد طريقهم لتقديم خدمة جليلة للوطن يعجزون عن مزاحمة أصحاب النفوذ!!
الطفلة الموهوبة أزل عدي كريم، فنانة تشكيلية سحرت فرشاتها ذواقي الفن وأدهشت العالم بلوحاتها وتعدت شهرتها العراق وهي لم تتعدّ عامها العاشر بعد.. أزل تلقت دعوة للمشاركة في بطولة العالم للمبدعين العرب التي أقيمت في لندن، وكانت الأقرب للفوز باللقب لولا تقاعس وزارة الثقافة وروتينها القاتل الذي فوّت الفرصة.. أزل استكملت كلّ الإجراءات والتعقيدات التي وُضعت ـ عن عمد أو بدونه ـ في طريقها ولم يتبق إلا توقيع وزير يندر أن يزور وزارته.. الوزير كان مشغولاً دائماً بوزارة أخرى، ولم تستطع أزل أن تعرف كيف تسير هذه الوزارة، مثلما لم يكن بمقدور أحد أن يعطي جواباً مقنعاً لتساؤل صغير بحجم قلب طفل: لماذا يحضر توقيع الموافقة على سفر عشرات الوفود لآخرين ويغيب عنها!!
المدارس والجامعات بإمكانها أن تضخّ ملايين الخريجين في مختلف صنوف العلم والمعرفة والآداب.. يمكن الحصول على أعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين والمدرسين والضباط بتوفير جامعات رصينة وأساتذة أكفاء. ما لا يعرفه كثيرون أن الموهبة نادرة لأنّها قدرة متميزة وذاتية، ولأنها قدرة عقلية عالية وقدرة ابتكارية مرتفعة ودافع قوي للإنجاز والمثابرة، وهي صفات يمكن صقلها وتطويرها إلا أنه يستحيل إيجادها في شخص لم تولد معه. ولهذا تحرص الأمم والشعوب على أية موهبة وتوفر لها أسباب النجاح، لعلمها أن التطور الحضاري اعتمد في مختلف مراحله على الموهوبين والعباقرة لقدرتهم الكبيرة على الابتكار والإبداع، ولعلمها أيضاً أن الشعوب التي لا تحتفي بموهوبيها ستخسر مستقبلها.
خسرت أزل فرصتها الأولى وخسرنا معها فرصة الابتهاج والفرح في زمن لا يحمل لنا سوى أنباء الموت والخراب. ولأنّ الموهوبين كائنات رقيقة شفافة تمتلك أحاسيس مفرطة ينبغي ألا توضع أمام انطلاقها العوائق والعراقيل.. أزل أحبطها روتين وزارة قضت بين أروقتها أكثر من شهرين بلا نتيجة، ومن المؤكد أنها ما زالت تحلم بفرص أخرى.. الخشية، كلّ الخشية، أن ينتهي الآتي من الفرص بأبواب موصدة أيضاً، فنخسرها كما خسرنا كثيرين غيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هيئة البث الإسرائيلية: الحكومة تدرس بقلق احتمال إصدار -العدل


.. الأمم المتحدة: هجوم -الدعم السريع- على الفاشر يهدد حياة 800




.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو خائف جدا من احتمال صدور مذكرة اعتقا


.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام




.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف