الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعوقات الخارجية للديموقراطية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط

التهامي صفاح

2014 / 9 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المعروف أن الإختلاف بين مظهري الكرانيت و البازالت Granite , basalte) ( و هما صخرتان صهاريتان صلبتان الأولى تشكل القشرة القارية والأخرى تشكل القشرة المحيطية يكمن في مراحل التبريد التي خضعت له كل منهما .فالأولى خضعت لتبريد بطئ بالكامل أدى الى تكوين بلورات كبيرة محادية لبعضها البعض بينما الثانية خضعت لتبريد بطئ أول أدى إلى تكوين بلورات كبيرة ثم لتبريد سريع أدى لتكوين بلورات صغيرة جدا ثم إلى مادة هلامية شفافة .و من حيث المظهر المجهري يبدو الكرانيت أكثر تناسقا وجمالا من البازالت الذي يبدو مُعَوَّقًا..
وما يسري على الكرانيت والبازالت يسري على كل الصخور الصهارية دون إستثناء أنه قانون فيزيائي عادي.
لكن إذا قلت أن مثل هذا القانون يسري أيضا على ظواهر إجتماعية سياسية مثل تطور المجتمعات نحو الديموقراطية فسيبدو الأمر فيه غرابة .
والغرابة تزول إذا علمنا أن تاريخ أوروبا المتميز لم تكن تتحكم فيه قوى عظمى مثل أمريكا و روسيا و الصين و غيرها التي تتحكم عالميا الآن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولذلك فقد كان تطور مجتمعاته نحو الديموقراطية قد سبقه عصر الأنوار و الإكتشافات و الإصلاح الديني ..و كل هذا حدث بشكل بطئ ومعاناة أدى إلى تطور الانسان بشكل تدريجي ليصبح يحس بقيمته و كرامته وبالتالي لاستحقاق حريته وفي النهاية لنتيجة حتمية هي زوال الأنظمة الإستبدادية وإعلان حقوق الإنسان بعد الثورة الفرنسية المجيدة .فكان الناس يعرفون ما يريدون و شكلوا بديلا للانظمة التي كانت قائمة .لقد كانوا مختبرين للسياسة وعارفين باسرارها فاخذوا مشعل تنظيم المجتمع بشكل عقلاني تحققت فيه سيادة الشعوب و المساواة والعدالة و الاخوة .كان تاريخ اوروبا مثل تاريخ الكرانيت الذي تحدثنا عنه قبل قليل .
في العراق و سوريا و أفغانستان و اليمن وشمال إفريقيا ليبيا مصر تونس وغيرها أدى التدخل العسكري الغربي الذي كان الهدف منه محاربة الإرهاب و معالجته لزوال مفاجئ للأنظمة الديكتاتورية .لكن الناس الذين تهمهم مسألة الديموقراطية لم يكونوا مهيئين لتشكيل البديل التاريخي مثل ماحدث في أوروبا .لذلك لحد الساعة لم يقف لا العراق على رجليه و لا تونس و لا مصر ولا اليمن و لا غيرهم ..رغم الفرق بين العراق الذي تم غزوه في 2003 قبل الانتفاضات لسنة 2011.
في العراق وتحت الصدمة بدا الجميع وكأنه لا يصدق زوال نظام صدام حسين فأصيب كثيرون لا يفهمون في السياسة و ليست لهم اي تجربة بالادارة ب(الإسهال الفكري لزوال نظام صدام حسين) حتى صاروا لا يعرفون ماذا يقولون و لا مايفعلون .بدت سلوكاتهم و اقوالهم مخالفة تماما لما تتطلبه المرحلة والوحدة الوطنية(التيار الصدري نموذجا و تصريحاته النشازالخارجة عن لغة السياسية ).
قبيل الإنتفاضات في شمال إفرقيا والشرق الأوسط بقليل صرحت هيلاري كلينتون ذات مرة قائلة إن الإستبداد هو سبب الإرهاب .هذا الكلام يعني أن الإسلاميين الذين ضربوا نيويورك لو كانوا يشاركون في الحكم في بلدانهم لما نشطوا خارج هذه البلدان و ربما لشاركوا في العملية السياسية وألقوا السلاح .لكن رمي هؤلاء في السجون ومعاناتهم مع الأنظمة الديكتاتورية التي لا ترحم صرف أنشطتهم التخريبية إلى خارج هذه البلدان .لذلك الحاجة إذن لتحقيق أمن الغرب هو السماح لهؤلاء بالمشاركة في السلطة في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط لكي يجذبوا المتطرفين لإلقاء السلاح والمشاركة في العملية السياسية .و هكذا كان.
و ضدا على التطور التاريخي الطبيعي الذي كان يجب أن يوصل الحركات و القوى التقدمية القانونية (العلمانية) العصرية المناصرة للحرية و المساواة والمسلحة بالعلم و الفلسفة والمعرفة الواقعية في السياسة والإقتصاد والإدارة و الفنون ، فقد رأينا صعود التيارات الاسلامية ذات الأدوات القديمة البسيطة المضادة للديموقراطية والمساواة والعلوم و الفنون لسدة الحكم في تونس و مصر و المغرب و ليبيا وبروز داعش والنصرة و غيرهما ضد النظام في سوريا ..والمفاوضات السرية بين طالبان و الولايات المتحدة الأمريكية بوساطة قطرية كما العادة.
إذن إمعانا في استغلال المنطقة وخيراتها فالتدخل الأجنبي إلتف على مطالب الحركات الاجتماعية المطالبة بالتحرر والتقدم والديموقراطية لانه كان يراقب تطورها الطبيعي فسَرَّع سقوط بعض الأنظمة و بالتالي جعل شمال إفريقيا و الشرق الاوسط في تطور رجعي نحوالماضي العقيم .
مجازا يمكن القول تكون عندنا البازالت المعوق عوض الكرانيت الجميل .
وتحياتي للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah


.. 236-Al-Baqarah




.. 237-Al-Baqarah