الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطالبانية في مواجهة الحداثة

جورج كتن

2005 / 8 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التمسك بأساليب الحياة السائدة منذ مئات السنين ورفض التغيير، هي ردة فعل متوقعة على صدمة الحداثة التي تدخل حالياً, معروضة على شاشات الفضائيات, إلى كل بيت, بعد أن كان الإطلاع على الحياة الجديدة في البلدان المتقدمة محصوراً فيمن يقرأ أو يسافر ليطلع... في البداية قلة تتقبل وتتمثل التغيير مخاطرة بمواجهة الأكثرية المتمسكة بالقديم لأسباب مختلفة أكثرها تأثيراً وانتشاراً التذرع بأن النصوص الدينية القديمة طرحت وسائل وطرق وسنن وشرائع للحياة صالحة لكل زمان، كانت صحيحة أيام الخلفاء الراشدين وهي صحيحة في عصر الذرة والانترنت والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة المتعلمة...
كل من يقبل بالجديد في الحياة يغامر بالخروج على النصوص أي تكفيره، مع أنه ببساطة يمكن عقلياً ملاحظة أن النصوص في مقصدها لم تهدف لإيقاف الزمن عند حدود الحياة كما وردت فيها، وأن الانتقال للجديد المتغير باستمرار لا يعني مناقضة الأهداف الرئيسية للأديان الداعية لعلاقات إنسانية بين البشر تأخذ أشكالاً مختلفة حسب الأزمان المتوالية.
"الطالبانية" هي التعبير الذي يشمل معارضي تغيير المفاهيم وأساليب الحياة وتبني مفاهيم العصر في منطقتنا, فرغم مرور أربع سنوات على سقوط أمارة الطالبان الأفغانية فأن مفاهيمها وأساليبها في الحياة هي النموذج الأكمل للظاهرة "الطالبانية"، لقد فرت قيادات الطالبان وبعض منتسبيها إلى الكهوف، لكنها مطمئنة إلى أن ما باشرت تطبيقه يلقى رواجاً طبيعياً في القطاعات الأكثر تخلفاً من مجتمعات العالم الإسلامي دون الحاجة لجهود طالبان في "نشر الدعوة".
النموذج المكتمل الطالباني الأفغاني أنشأ "أمارة إسلامية" تشددت في تطبيق النصوص وتدمير ومنع وحجب وإلغاء كل ما هو حديث في شتى المناحي الاجتماعية والسياسية والثقافية، إذ حرمت سماع الموسيقى والغناء والرقص ولعب الشطرنج وصادرت الأجهزة التلفزيونية من البيوت وشنقتها على أشجار المدن الأفغانية وحظرت كل وسائل الترفيه وأغلقت دور السينما وحرقت الأفلام ومنعت استعمال الهاتف واستعمال الكراسي وأمرت بالجلوس على الأرض, ومنعت المرأة من التعلم ومن حقها في العمل ومن الخروج من البيت ووشمت كفها بختم زوجها لإثبات ملكيته لها ونقبتها بحيث لا يظهر سنتمتراً واحداً من جسدها، وتدخلت في تحديد لباس الرجال ومنعت ارتداء الملابس الغربية وحلق اللحى, ونسفت التماثيل الأثرية وأنشأت وزارة خاصة "للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لملاحقة المواطنين مع صلاحيات بجلد المخالفين للتعاليم، وقامت بمجازر للمسلمين الشيعة "الروافض"...
إلى أن وفرت "إمارة الإيمان" الطالبانية ملاذاً آمناً لبن لادن ومنظمته الإرهابية وقواعد للتدريب والتخطيط والتنفيذ لعمليات إرهابية في أنحاء "عالم الكفر" خارج الأمارة، مما نبه العالم إلى أن ترك التخلف يعشش في أي مكان, خطر على العالم بأجمعه وبذلك سحقت "الإمارة" بالضربة العسكرية الخارجية ويتم حالياً إدخال الحداثة في أفغانستان بإشراف الأمم المتحدة.
ولكي يتكرر النموذج الطالباني في أمكنة أخرى لا بد من أحزاب تتعهد تطبيقه مستفيدة من تجنيد القطاعات الأكثر تخلفاً في مجتمعاتها، الأحزاب التي تخلط الدين بشؤون الدنيا, وهي حتى لو بدت أنها معتدلة خارج الحكم, فلدى وصولها لأية سلطة تنتقل إلى "الطالبانية" تدريجياً. ففي باكستان دعت الأحزاب الإسلامية مؤخراً لمشروع قانون حسبة في الإقليم الشمالي الغربي المحافظ ولشرطة من المطوعين، لمنع التجار من العمل في أوقات الصلاة وفرض القيم الدينية في الأماكن العامة وسجن المخالفين، إلا أن الحكومة الباكستانية العلمانية عارضت المشروع لأنه يسلب المواطنين حرياتهم الشخصية، وواجهت المدارس الدينية التي صدرت "طالبان" لأفغانستان، بطرد 1400 طالب أجنبي منها للحؤول دون تجنيدهم لنشر الإرهاب في العالم، ويمكن أن تغلقها نهائياً أو تسيطر على برامجها الدراسية التي تحض على قتل الآخر باسم "الجهاد".
وفي العراق تحاول أحزاب إسلامية مشاركة في لجنة صياغة الدستور إدخال بعض مفاهيم طالبان في مواد الدستور العراقي الدائم بعد أن عملت لتطبيق مفاهيمها المتخلفة في مدن الجنوب وخاصة البصرة حيث اعتدى مسلحو تنظيمات إسلامية على الطلاب والطالبات في الجامعات ومنعوا نشاطاتهم الاجتماعية وراقبوا الملابس التي يرتدوها، وشنوا حملة على الحلاقين وحطموا محلاتهم وقتلوا عدداً منهم لمنعهم من حلق الذقون!! وحملة أخرى على الأطباء لإيقاف معالجتهم للنساء، وعلى السافرات في الطرقات وحتى المسيحيات منهن، وقتلوا عدداً من المتاجرين بالخمور ومنعوا تعاطيها، واعتدوا على شبان يلبسون الجينز وهاجموا دور السينما وأغلقوا مراكز للفنون الجميلة، وقاموا باغتيال بعثيين سابقين، ويشتبه مؤخراً في أنهم وراء مقتل الصحفي الاميركي الذي كتب مقالات تفضح ممارساتهم، وقدموا برامج في فضائيات تفيد بأن غير المسلم كافر حتى لو كان كتابياً.
أما في لبنان فالعديد من قرى الجنوب يخضع لنوع من لجان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وقد عقد مؤخراً مؤتمراً لعلماء دين طالبوا بتعميم التجربة الطالبانية، فكان من توصياتهم: "ضرورة انبثاق لجان في كل بلدة وشمول عملها كل أطياف المجتمع وتنوعاته". وفي الضفة الغربية منذ فترة تم إلغاء مهرجان فولكلوري من قبل بلدية قلقيلية "الحماسية" بحجة أن الغناء والموسيقى والاختلاط والسفور تشجع الفسق والفجور!! أما السودان فقد نأت قليلاً عن الطالبانية بعد إبعاد الترابي وحزبه الإسلامي عن السلطة الذي فرض الحجاب على المرأة وضيق على حريتها في السفر والعمل وحطم تماثيل ودمر أرشيف أغاني الحب وطبق عقوبات همجية مثل الجلد والرجم وقطع الأيدي والأرجل، وحمى الإرهابيين وسعى ل"أممية أسلامية" لتعميم "الطالبانية" في العالم.
التيار الطالباني في إيران موجود ضمن الجناح المحافظ في السلطة ويعمل للاستفادة من كل مناسبة للتضييق على الحريات الاجتماعية والسياسية ورفض التقدم في كافة المجالات.
ما تحدثنا عنه بعض نماذج "الطالبانية"وليست جميعها, إذ تبدأ الأمور عادة بدعوة أحزاب إسلامية لمقاومة الحداثة بالإقناع و"بالموعظة الحسنة"، ولكن عند أول فرصة لنيل سلطة ما، حتى لو كان ذلك في حي من مدينة، تتراجع الموعظة ليبدأ الفرض القسري، كما تتراجع أيضاً في حالة منظمات عنفية تنبثق أو تنشق عن المنظمات المعتدلة، بعد أن عيل صبرها وأخذ تطبيق مفاهيمها المتخلفة طابع الاستعجال, فتنتقل لعمل إرهابي تدعي أنه جهاد مفروض على كل مسلم، لا يقتصر على قتل المدنيين الأبرياء بل يتعرض للمفكرين والمثقفين الذين يدعون للإصلاح الديني وملائمة النصوص للعصر، مثل قتل فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ والتهديدات الأخيرة للعفيف الأخضر وسيد القمني، وتصريحات علي بلحاج المسؤول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي بررت قتل الدبلوماسيين الجزائريين في العراق.
العقلانية وتطور المفاهيم الحياتية التي لا يقيدها أي نص هو ما سيسود في النهاية, هذا ما أثبتته التجارب الإنسانية في العالم الذي يتجه للتماثل والتقارب في إطار تعددية لا تزول ولكن يتضاءل تأثيرها.
العجز الدائم وإعاقة النهضة في البلدان العربية والإسلامية منذ قرنين بالاستبداد والنصوص، يستدعي نابليوناً آخر ينسف السدود أمامها ويعيدها إلى طريق الحضارة الإنسانية الحديثة, فمن المستحيل إيقاف عملية توحد العالم لكن يمكن عرقلتها مؤقتاً في العالم المتخلف حيث "الطالبانية" تخوض معركتها الأخيرة قبل اندثارها النهائي.
*كاتب من سوريا










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب #رئيسي قد يعيد النظر بمنصب المرشد الأعلى في #إيران #أخب


.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة بيطرية بمحافظة المنوفية




.. لقاء الرئيس التونسي مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإ


.. 1-Ali-Imran




.. 2-Ali-Imran