الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هالة الفيصل و حلم العقل

علي سفر

2005 / 8 / 17
المجتمع المدني


" حلم العقل استولد وحشه
أعجوبة العصر الخاطئ
و اللون الخاطئ "
( ديريك والكوت )


مسكينة هالة الفيصل ..
فقد أسقط في يدها و لم يصل من معاني تعريها في إحدى ساحات العاصمة الأمريكية الى أبناء جلدتها القدامى من العرب و السوريين و المسلمين و المسيحيين على حد سواء ..سوى انها تبحث عن شهرة ما تضيف الى رصيدها بعض من الصور الضاجة و المغرية ..
ومن بين عشرات ومئات التعليقات على خبر احتجاجها المتعري و التي كانت تتمحور حول اختراقها غير المقبول للتقاليد العربية و الإسلامية بقيت بعض التعليقات المرحبة شبه منبوذة و موضوع هجوم هي الأخرى من قبل الأنا الجماعية التي توحدت خلف ساتر الرفض ..
فمن قال للأخرين " أن من حق هالة أن تحتج وبحرية و بأي شكل تريد " هوجم و بصفاقة على أنه يرحب بالعهر و بالإنحلال الأخلاقي ..
حتى أن البعض سأل كل من رحب بخطوة هالة و بشكل ساذج عبر سؤال ذكرني بألعاب اطفال المدارس يقول : هل تقبل بأن تقوم أختك أو زوجتك بهذا الأمر ..؟
و بالتأكيد لم يكن أصحاب الأقلام أخف وطأة على هالة من السوقة و الرعاع الذين شتموها بأخلاقها و سمعتها كفنانة ..فهاهي خولة غازي تتحدث عن إفلاس هالة الفيصل في مقالتها على موقع شام برس و كأن هذه الفنانة التي حصلت على الجنسية الأميريكية قبل ثلاثة أشهر هي شركة مساهمة من شركات الفساد المعشش في الوطن .. فترى " ان ماسلكته في ظل العالم الجديد لايقع عليها وحدها بل فيه تعميم يستخدم لاغراض وضيعة بقصد الاساءة الى المرأة العربية واولها السورية " و هنا يحق لنا أن نتساءل حول اسلوب التعميم الذي تسلكه خولة هي الأخرى حين تضع نفسها في موقف المفتي الذي يريد أن ينقل لنا الفكرة الدينية من خلال تصورات العوام عنها لا من خلال المنطق الفكري الذي تسير عليه فقد نقلت لنا منطق الذين أستاؤوا من تصرف هالة عبر اقوالهم فقد " طق عقلها " و جنت البنت " كما يرون هم ..و بالنسبة الى خولة فإن الرؤية الحصيفة لهؤلاء تكفي لأن يتم تعميم هذا التصور عن المرأة السورية الشاذة و المخالفة لتقاليد مجتمعها ..دون ان تأخذ بالحسبان التصور الأخر الذي يرى بأن الحرية الشخصية يجب أن يكون أمراً مقدساً لا في امريكا التي حاولت هالة ان تخاطبها بل في سورية بلدها الأصلي أيضاً ..فالرضوخ للتصورات المستكينة لمسألة التقاليد و الأعراف أمسى أمراً حتمياً كي تمر أفكار الكتاب و الصحفيين الأشاوس الذين ينوصون بين أن يكونوا مثقفين حقيقيين و بين أن يبقوا مجرد صحفيين ينقلون الخبر على ذمة مصادره ( وما أدراك ما هي مصادره ) دون أن يتدخلوا فيه ...!!
و في جهة لا تبعد كثيرا عن شام برس يكتب السيد داوود البصري في جريدة السياسة الكويتية و ببذاءة مقالاً ينقله موقع العربية نت عنوانه : " مؤخرة ابنة الوزير و تحرير الجولان " في مقاربة تنم عن روح تجرم الفنانة كما تجرم المجتمع فيقول :
" يقينا ان تصرف تلك الفنانة السورية والذي يعبر عن ازمة فكرية واخلاقية انما هو افلاس تام ومحاولة مضحكة للظهور وركوب الموجة والالتفاف على القضايا المركزية من اجل خلط الاوراق ومحاولة مخاطبة الرأي العام من خلال الغرائز , كنا نتمنى لو ان السيدة هالة فيصل قد خلعت ملابسها احتجاجا على مجازر النظام السوري ضد شعبه طيلة اكثر من اربعة عقود عجاف سوداء ? كنا نتمنى لو ان عريها وكشفها لمؤخرتها قد صبا في اطار الدفاع عن الحرية الشهيدة او مطالبة باطلاق سراح السجناء والمغيبين منذ عقود." و يسوق السيد البصري في مقالته الكثير من مطالب المعارضة السورية جاعلاً منها مطالب بديلة عن مطالب هالة الفيصل ..!! دون أن يكلف نفسه عناء قراءة تاريخ هالة الفيصل التي لم تكن بعيدة عن كثير من هذه المطالب ...فإذا كانت هالة قد تعرت من أجل أن توقف الحرب على العراقيين و على الفلسطينيين وهذا هو مطلب الجميع قبل الحرب و بعدها و قبل ان تقرر أمريكا " تحرير الشعب العراقي " و قامت بفعلتها هذه في عاصمة الإدارة الأمريكية فإن ما غاب عن السيد البصري هو تلك الدلالات التي تجعل من مطلب وقف الحرب مرادفاً أخر من مرادفات الطلب من المجتمع الأمريكي أن يحاسب إدارته على دعمها للأنظمة الديكتاتوية هنا و هناك ..
و لعل اقل ما يمكن أن يقال عن كلام البصري ههنا أنه كلام حق يراد به باطل ..فإن يستغل تصرف هالة من أجل مهاجمة النظام السوري و من أجل التنديد بالبعثيين في سورية و العراق في أنٍ معا فإن هذا احتيال ساذج على الوقائع من اجل الوصول الى غاية في نفس يعقوب ...
مشكلة العقل العربي السائد في وسائل الإعلام في قراءته للظواهر أنه عقل جزئي يمارس الإنفصام منهجاً و ممارسةً فهو ينحني أمام السطوة الدينية كي يضمن قبولها له و يمارس الإحترام الكامل للتقاليد المجتمعية المزعومة كي تستمر مسيرته الظافرة في مجتمعات السحر و الشعوذة و التيس الحلوب ..و في الختام يقرر سلم الأولويات للمثقف غير المضوي في إهاب السلطة (أي سلطة) فيقول لهالة مثلاً ان التعري واجب من أجل تحرير الجولان و من أجل الحريات في سورية و .. و .. متناسياً تلك الضريبة التي دفعها المثقف السوري بعري و بدون عري ثمناً لمواقفه ...
و نتذكر أن هذا العقل ذاته هو من سكت طوال عقود عن تغلغل التطرف الإسلامي في بنية و مفاصل المؤسسات الثقافية و الإعلامية و هو من بكى أو أستبكى على صورة العربي و المسلم التي شوهها بن لادن حين قصف الأمنين في برجي التجارة العالميين و كأن بن لادن نسيج وحده و ليس صنيعة غياب العقل و التعقل في التفكير العربي ... هذا العقل الذي كان يستظرف ان تقوم بعض من عارضات الأزياء و الفنانات بالتعري احتجاجاً على عمليات صيد السناجب و الثعالب هو ذاته من اشاع صورة الفتاة العمانية التي مسخت لأنها عصت والدتها و سخرت من كتاب الله العزيز و تبين فيما بعد أن الأمر لا يعدو صورة منحوتة لفنانة أوسترالية ..هذا العقل هو ذاته من يريد أن يقرر لفنانة سورية أسلوب الإحتجاج المناسب ...
ربما كان على هالة الفيصل أن تقصف سكان واشنطن و هي بكامل ثيابها و ربما بحجاب أيضاً كي تقنع هؤلاء العقلاء بأنها ترغب فعلاً بان يوقف قتل الآمنين في فلسطين و العراق .. و لعلها كانت ستحصل على ميزات إضافية كأن يقبل العربان على شراء لوحاتها في ما يشبه رشوة أخلاقية تستحقها بعد ان سارت على صراطهم المستقيم و لم تخالف شرائعهم الأمنة ...
حين سيسألني الأخرون عن موقفي الشخصي من تعري هالة الفيصل في واشنطن لن أجيبهم بل سأحيلهم الى لوحاتها ..فجمالياتها كفيلة ان تقنعهم أنها ليست بحاجة الى رأيي أو أرائهم ففي انسجامها مع ذاتها ما يكفي لأن يكون جواباً بلا تعقيب ....










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية