الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديد السلفية

محمد سيد رصاص

2014 / 9 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



في العهد الأموي تمَلك الكثير من المسلمين شعور بالابتعاد عن المثال الذي كان زمن النبي ومن بعده أبوبكر وعمر:قال سعيد بن جبير(ت94هجرية):"مالم يعرفه البدريون فليس الدين"(الشاطبي:"الموافقات"،ج4،دار المعرفة،بيروت1975،ص78).هذا الشعور وجد أيضاً عند بعض الصحابة منذ زمن مابعد وفاة عمر بن الخطاب في اليوم الأول من عام24للهجرة بعد ثلاثة أيام من الطعنة التي تلقاها في المسجد من الفارسي أبولؤلؤة: قال عبدالله بن مسعود(ت32ه):"ليس عام إلاوالذي بعده أشَر منه"(الشيخ محمد بن عبد الوهاب:"كتاب فضل الاسلام"،وزارة الشؤون الاسلامية،الرياض 1422ه،ص13).وصل هذا الشعور إلى ذروته عند الإمام مالك بن أنس(93-179ه)الذي كان أول من قال بمقولة(السلف الصالح)وقصد بها الصحابة ومن عاصر الصحابة وتابعهم،،والإمام مالك أتى وريثاً ل(مدرسة أهل الحديث)في الفقه المتمركزة في الحجاز والتي قالت ب(الأثر)كأساس للفقه وأحكامه،وأوله (الحديث النبوي) ومعظم رواته حجازيون،ضد (مدرسة الرأي)المتمركزة في العراق،وقد عنت هذه المقولة أن هناك عهداً مثالياً يكون الاقتداء به هو الاسلام ومادون ذلك هو (بدعة) أو(إحداث) لم يعهده الاسلام المعطى زمن النبي ومعه ومن بعده المسلمون الأوائل من الصحابة والتابعين.
لم يكن تفكير مؤسس المالكية هو الغالب في السياق التاريخي العام لمسار الفكر الاسلامي ،ولكن،في محطات منفردة، وجدت نزعات مماثلة تنتخب "ماضياً اسلامياً مثالياً" تضعه في مواجهة مسلمي عصرها وبالتضاد معهم،كمانجد عند ابن حنبل(ت241ه)في مواجهة المعتزلة بزمني المأمون والمعتصم حيث طرح نزعته الحرفية الاقتدائية بالكتاب والسنة في مواجهة المخاطر العقائدية التي رآها في عقيدة المعتزلة حول (خلق القرآن).هذه النزعة هي وقائية ودفاعية . كان هذا أيضاً عند ابن حزم الأندلسي(994-1064م ت594)،الذي عاش فترة انحطاط الدولة الأموية في الأندلس وسقوطها ثم بدء عهد ملوك الطوائف منذ عام1031ميلادية،لماطرح المفكر الأندلسي فكرة(الأصل – النبع)ممثلاً في (الكتاب والسنة) وضرورة الاقتداء بظاهرهما من دون تأويل أوإعمال الرأي. وصلت هذه النزعة إلى اكتمالها مع ابن تيمية(ت728ه1328م)،وهو الذي عاش فترتي الصليبيين والتتار وحارب فكرياً الفلاسفة وعلماء الكلام والمتصوفة والشيعة ثم دخل في صدام مع المماليك حتى انتهى الأمر بوفاته في سجن القلعة بدمشق،لماطرح في كتابه" الفرقان بين الحق والباطل" أن أصل (مذهب أهل السنة) هو النظر "فيماقاله الله والرسول،فمنه يتعلم وبه يتكلم،وفيه ينظر ويتفكر،وبه يستدل،فهذا أصل أهل السنة"(مكتبة دار البيان،دمشق1993،ص41)،ومحدداً فضل الصحابة من خلال"اعتصامهم بالكتاب والسنة"(ص17) أي محدداً (السلف) من خلال (الأصل)،ومحدداً مفهوم (البدعة) عبر"ماتقدمواأي أصحاب الرأي من فلاسفة ومتكلمين ومتصوفة فيه بين يدي الله ورسوله"(ص42).
يلاحظ هنا انفراد الإمام مالك بمقولة(السلف الصالح)،فيما اقترب ابن حنبل من ملامسة مفهوم (الأصل) الذي لاحقاً كان أول من طرحه ابن حزم ثم وصل إلى اكتماله في مفهوم (أصل أهل السنة)مع ابن تيمية:مفهوم(الأصولية)انبنى على فكرة ابن تيمية تلك التي وصلت عند سيد قطب في "معالم في الطريق"(مكتبة وهبة،القاهرة1964)إلى حدود القول بأنه كان"قصد رسول الله أن يقصر النبع الذي يستقي منه ذلك الجيل في فترة التكوين الأولى على كتاب الله وحده"(ص16)وهو يبني مفهومه كأصولي عن (الانحراف)و(العودة إلى الجاهلية) بسبب "اختلاط النبع الأول"(ص16).
(السلفية) و(الأصولية)مفهومان في الفكر السياسي حديثان من بنات أفكار القرن العشرين،ولوكانت قاعدة الأول عند مالك بن أنس،وقاعدة الثاني عند ابن تيمية:اختلط الإثنان عند شامي طرابلسي هو رشيد رضا(1865-1935) جعله سقوط دمشق بيد الفرنسيين مع معركة ميسلون(24تموزيوليو1920)،وهو الذي كان قبل أربعة أشهر ونصف رئيساً للمؤتمر السوري الذي نصَب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على المملكة السورية،يهجر الأفكار الاصلاحية لأستاذه محمد عبده.تأسست (السلفية)على يد تلميذ دمشقي له هو محب الدين الخطيب(1886-1969)،وتأسست (الأصولية) على تلميذ مصري له هو حسن البنا(1906-1949).
مال رشيد رضا أكثر نحو (السلفية) ومات سلفياً،وهو يعتبر "الاسلام الحق هو ماأعلنه النبي والسلف الصالح...وحواه القرآن والحديث وسنة النبي وأصحابه"(ألبرت حوراني:"الفكر العربي في عصر النهضة"،دارالنهار،بيروت1968،ص276) فيماكان أستاذه محمد عبده يمد زمن(السلف الصالح)إلى عند الغزالي(ت505ه).كان رشيد رضا متشدداً عقائدياً مع الشيعة وميال سياسياً ل(الوحدة الاسلامية) معهم ضد الهجمة الغربية وضد الأتاتوركية. لم يكن هذا اتجاه محب الدين الخطيب عندما قال، ضد محاولات التقريب بين السنة والشيعة التي حاولها حسن البنا في عام1947،ب"استحالة التقريب بين طوائف المسلمين وبين فرق الشيعة بسبب مخالفتهم لسائر المسلمين في الأصول"( كتيب "استحالة التقريب"،25صفحة،نسخة ألكترونيةwww.shemala.ws،ص22).هذا الموقف العقيدي ضد(الشيعة)،الذي يضعهم خارج ملة الاسلام،يترافق عند محب الدين الخطيب مع (الولاء للصحابة):"يوالي المسلمون سائر الصحابة الذين قام الاسلام،والعالم الاسلامي، على أكتافهم"(ص24)،وهو يعلن في تصدير كتاب "العواصم من القواصم "لأبي بكر بن العربي أن "أصحاب رسول الله هم قدوتنا في ديننا....كانوا سبب كياننا الاسلامي،ولهم ثواب انتمائنا إلى هذه الملة الحنيفية.."(دارالبشائر،بدون مكان وتاريخ الطبع ، ص 26و28)،وهو يرفض تخطئة أحد منهم:"أصحاب رسول الله تتفاوت أقدارها ،وتتباين في أنواع فضائلها ،إلاأنها كلها كانت من الفضائل في مرتقى درجاتها"(ص25-26)،بخلاف مانجده عند سيد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعية في الاسلام"تجاه عهد الخليفة عثمان بن عفان.
كان هناك دمشقي آخر في تأسيس (السلفية)هو الشيخ ناصر الدين الألباني(1914-1999) : يقول الألباني في تحديده لكيفية فهم الدين:"يفسر القرآن بالقرآن والسنة،ثم بأقوال الصحابة"("منزلة السنة في الاسلام"،الدار السلفية،الكويت1984،ص15-16) وهو يوحد بين القرآن والسنة:"الشريعة الاسلامية ليست قرآناً فقط،وإنماهي قرآن وسنة"(ص13) ،"لافرق بين قضاء الله وقضاء رسوله"("الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام"،مكتبة المعارف،الرياض1425ه،ص31)،و"القرآن لايغني عن السنة"("المرجع السابق"،ص33).
لم يقترب الألباني من السياسة بل ركز على العقيدة وتحديد تخومها،ولكن وبالرغم من هذا ومن قول الألباني ب(طاعة ولي الأمر) وقوله "من السياسة ترك السياسة"،إلاأنه وفي محاضرة "الحديث حجة بنفسه.."،الملقاة في غرناطة عام1972،ينوه بشكل ايجابي (في الصفحة91)بمبدأ(الحاكمية لله)عند الأصوليين أبوالأعلى المودودي وسيد قطب الذي كان أساس النزعة الجهادية في وسط (الاسلام السياسي)،إلاأنه من الواضح أن ذلك لأسباب عقيدية مفهومية،وليس لأسباب تتعلق بالسياسة.
حاول سوري ثالث هو محمد سرور زين العابدين،وهو من حوران أتى للتدريس في السعودية عام1965، التوفيق أوإقامة جسر بين (السلفية) و(سيد قطب):قاومه (الاخوان المسلمون)،وقاومه السلفيون.لم تنجح (النزعة السرورية)في ذلك.مافشل فيه سرور زين العابدين نجح فيه قيادي اخواني أردني- فلسطيني هو عبدالله عزام،الأقرب إلى سيد قطب من قربه للبنا، لماتتلمذ على يديه في السعودية شخص اسمه أسامة بن لادن قبل أن ينتقلا إلى أفغانستان،حيث انتقل ابن لادن من السلفية ،التي في بنائها العقائدي (طاعة أولي الأمر)،إلى (السلفية الجهادية) بتأثير عزام، ثم تبلور هذا تنظيمياً من خلال تأسيس(تنظيم قاعدة الجهاد) في عام1998،القائم على (السلفية الجهادية)، عبر تلاقي ابن لادن مع زعيم (تنظيم الجهاد)المصري أيمن الظواهري الذي يحمل أفكار سيد قطب في تكوينه العقائدي.
في البنية العقيدية ل(السلفية الجهادية)يحضر دائماً مبدأ (الحاكمية لله)بالمعنى السياسي ،كماكان بالأصل عند المودودي وسيد قطب و عبدالله عزام وأيمن الظواهري: هناك مثال سوري متأخر على ذلك هو ماورد في "ميثاق الجبهة الاسلامية" ،الصادر في يوم22تشرين ثانينوفمبر2013 ،عن"بناء دولة اسلامية تكون السيادة فيها لشرع الله - عز وجل - وحده مرجعاً وحاكماً وموجهاً وناظماً لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة". في نفس السياق يندرج أبوبكر البغدادي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما حاجتنا اليه؟
محمد البدري ( 2014 / 9 / 18 - 12:31 )
ان يموت رشيد رضا سلفيا دون ان يعرف انه سلفي يجعلنا نؤكد قولك بالمقال من أن (السلفية) و(الأصولية) مفهومان في الفكر السياسي حديثان من بنات أفكار القرن العشري لكن الوعي بهما كان مفقودا. فالفكر ينتج لغته، لكن ليس معني هذا ان السلفية انتاج فكر جديد استجدت معه لفظني السلفية والاصولية، فهما موجودتان دون الوعي بهما ولعلنا الان يمكننا وبكل تاكيد ان نرفضهما ونضع مكانهما الجاهلية العربية بعد ان اكتشفنا ان ما كان رشيد رضا (كنموذج) وغيره كثيرين، لم يكن هدفهم الا العودة بنا الي اصول زمن قريش الاولي باسلامها الذي هو مجرد حصيلة للعادات القبلية من غزو ونهب واسترقاق وهو ذاته ما تقوم به داعش. فهل كانت الجاهلية غير معروفة؟ ويبقي السؤال ما حاجتنا للاسلام بعد ان لوثت العروبة وعرب الجزيرة المنطقة برمتها لقرون طويلة والان تعيد انتاج نفسها ونحن علي ابواب حداثة ومعرفة وعلم وانسانية لا يوجد في الاسلام شئ منها؟ تحياتي وتقديري واحترامي

اخر الافلام

.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع


.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية




.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا


.. 161-Al-Baqarah




.. 162--Al-Baqarah