الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشغول ومُتعب جدا

جهاد علاونه

2014 / 9 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقال بأن الفنان دافنشي لم يكمل فنيا معظم لوحاته التي كان يرسمها, فقد كان ينتقل من عملٍ إلى عملٍ آخر دون أن يتم العمل الذي يقوم به, طبعا لا أحد يعلم سبب ذلك, ولكن تجربتي الرائدة في هذه الحياة تقول بأن المخ هو المشغول وتدفق سيلا كبيرا من الأفكار هو الذي كان يدفع دافنشي بأن يترك هذه الفكرة لينطلق إلى فكرة أخرى, وأنا أيضا لا أتم أي عملٍ أبدأ به, لأن سيل الأفكار عندي كبير وكثير جدا , وليس عندي حاليا أي عمل أكسب منه رزقي ورزق عيالي وهذا شيء ينغص عليّ حياتي ويجعلني مهموما طوال النهار بالتفكير وبالبحث عن الرزق, وأشعرُ دوما بأن وقتي ضيق فعلا وبحاجة إلى مزيد من الوقت لكي أنجز ما أريد أن أنجزه , وعندي حماس شديد للكتابة ولعمل عدة أشياء ولكن جلوسي في البيت بدون عمل يجعلني أشعرُ بضيق الوقت على عكس ما يتوقعه بعض الناس, فالناس يتوقعون من أن العاطل عن العمل لديه وقتا كافيا ليفعل ما يحلو له, وهذا اعتقاد خاطئ 100% فالعاطل عن العمل لا يجد وقتا كافيا لممارسة هواياته, لأنه يكون في وضع صعب جدا ومكتئب وحزين وخصوصا إذا كان مثلي عليه الكثير من الديون ولديه زبائن كثر يطاردونه ماليا أينما ذهب.

في أكثر الأحيان أرتمي على الأرض وأتكئ على وسادتين وأغط في نومٍ عميق من شدة التعب والإرهاق رغم أنني طوال النهار لا أفعل شيئا إلا القراءة ساعة واحدة وأحيانا تمرُ بي الأيام دون أن أقرأ أي شيء ومع ذلك أشعر بالتعب وبالنعاس, ويوميا أستيقظ مبكرا من السادسة صباحا أو الخامسة صباحا وأذهب إلى المطبخ لصناعة فنجان من القهوة وأجلس على الكمبيوتر وأبدأ بالتفكير الطويل, ومن ثم أعود إلى فراشي منهك القوى ولا أكاد أحتملُ أي شيء, وأنا لا أدري هل الحياة صعبة إلى هذا الحد على رجلٍ مثلي ؟أم أنني أنا الصعب وأفكاري هي المتعبة جدا؟, لا أجد طوال النهار وقتا كافيا لأجلس فيه على باب الدار كما يفعل كل الجيران, وأحاول أحيانا أن أندمج معهم ومع أحاديثهم ولكن نفسي لا تروق لها, فدائما حديثهم عن أمريكيا وأن أمريكيا تريد تدمير الإسلام لأنه هو الدين الصحيح, لا أحتمل أن أجالس أناسا مرضى بهذا الشكل إلى هذا الحد رغم أنني أشعر بأنهم بحاجة لي كونهم جهلاء ومسئولية تنويرهم هي وظيفتي الرسمية , أنهض من بينهم وأدخل منزلي وأرتمي على الأرض من شدة التعب والإرهاق وكأنني أحمل على كتفي الحجارة والإسمنت المسلح, أنا طوال النهار متعبٌ جدا دون أن أفعل أي شيء.

دائما ما تكون أوقاتنا ضيقة جدا,ودائما نحن مشغولون, وهنالك دوما شعور ينتابنا جميعنا وهو أن الوقت ضيق ولا يسمح لنا بعمل ما نحبه, وحتى لو جلسنا طوال النهار على الكنبة دون أن نفعل شيئا فإننا مع هذا نشعر بأن الوقت ليس بصالحنا, ذلك أن عقولنا مشغولة بكثرة التفكير ولا نعرف متى سيأتي علينا يومٌ نرتاح فيه من كثرة التفكير, فهذا يفكر في رزق اليوم التالي من أين سيأتي به, وذاك يفكر في ماذا سيفعل في اليوم التالي أو في الوقت الراهن, نحن مشغولون جدا ورؤوسنا متصدعة من كثرة التفكير رغم أننا نجلس أكثر من نصف يومنا دون أن نفعل أي شيء, الحياة قصيرة جدا ولا تكفينا لنفعل فيها ما نحبه.

أنا مثلا مشغول جدا وفي رأسي مليون فكرة وألف عنوان بحاجة للكتابة فيه وعنه, ولكني أستسلم في كثيرٍ من الأحيان لليأس لأنني لا أملك وقتا كافيا للاستمتاع في هذه الحياة, وعندي كثيرٌ من المشاريع والأعمال التي تنتظرني بفارغ الصبر ولكن أشعر بأنني مشغول جدا وليس لدي وقتٌ كافي لأفعل فيه أي شيء أحبه, والرسائل الخاصة على الفيس بوك والياهو كثيرة جدا ولا أملك وقتا كافيا لرد عليها علما أنني في أغلب الأحيان أكون جالسا في البيت بدون عمل, وأحيانا زوجتي تستدعيني لكي أقوم بمساعدتها في بعض الأعمال المنزلية وأقول لها: أصبري قليلا كي أرتاح, فتقول لي : (مالك من شو تعبان؟) طبعا هي لا تدري بأن في رأسي مليون شغله وشغله ومليون فكره وفكره, والتفكير متعب جدا أكثر من حمل الرمال والأتربة والحجارة على الكتفين, صحيح أنني أجلس مكتوف اليدين ولكن المشكلة هنا في عقلي, فهذا العقل لا يتوقف عن التفكير وهذا القلب لا يتوقف عن الحب, وخيالي دوما مشغول بمشاهد رومنتيكية مع من أحبها, أشعر بأنني مشلول الحركة ويداي لا يساعدنني على عمل أي شيء, ومخي يأخذني بعيدا في عوالم أخرى, وتهديدات على الإنترنت تستهدفني شخصيا, ومشغول بهذا العالم العربي الإسلامي وبكيفية إنقاذه من جهله وتخلفه, أنا عاطل عن العمل, نعم أنا عاطل عن العمل ولا أكاد أجد أحدا يرغب بي كعاملٍ لديه ومع ذلك وقتي ضيق جدا ومشغول جدا.

أحيانا لا أجد وقتا كافيا للخروج من باب البيت لشراء باكيت سجائر من السوبر ماركت المحاذية لبيتي, وأحيانا يأتوني أطفالي من أجل مساعدتهم في الدراسة وحل الواجبات المنزلية فأطلب منهم المعذرة وأتأسف لهم جدا على ضيق الوقت وأقول لهم: معليش يا بابا والله إني مشغول جدا, طبعا يتركونني وهم يقولون بصوتٍ يكاد أن يكون مسموعا: إبشو مشغول بابا؟ ما هو قاعد من الصبح بدون أي شغل, طبعا هم لا يعرفون بأن المخ والعقل مشغولان, أنا عندي كثير من المشاريع العملاقة التي تحتاج إلى دولة وطاقم حكومي لاستكمالها, أنا أفكر فقط دون أن أعمل, ولا أكاد أنجز أي عمل أفكر فيه, مثلي في هذا مثل الفنان (دافنشي), فمقالاتي معظمها أرسمها رسما وألونها وأطعمها بأجمل الكلمات وهذا وحده متعبٌ جدا وشاق جدا.

طبعا لستُ وحدي المتعب بدون أي عمل, فأمثالي من الناس كثرٌ في المغرب والمشرق ولو عاش الواحد منا مليون سنة وجاءت ساعة موته لقال: لو يعطيني الله مزيدا من الوقت لأنني لم أفعل كل ما أحببت أن أفعله كوني كنت متعبا ولا أملك وقتا كافيا, نحن دائما ما نشعر أننا بحاجة إلى مزيدٍ من الوقت,هذه الحياة كلها لا يوجد فيها من الوقت ليسمح لنا فيها أن نفعل الذي ما بأنفسنا , ودائما ما نشعر بأن أوقاتنا ضيقة وبأننا متعبون دون أن نفعل شيئا أمام الناس يجعلهم يصدقون أننا متعبون, الناس يظنون بأن العاطل عن العمل مرتاح والعامل هو فقط المُتعب وربما أن العكس هو الصحيح,وفي المؤتمرات العلمية الكثيرة والندوات والمحاضرات والنشاطات التي أحضرها,نعم, دائما ما يقول مدير الجلسة فيها:إن وقتنا ضيق ولا يكفي لطرح مزيدٍ من الأسئلة, حياة الإنسان هكذا هي دوما, ضيق في الوقت وعدم شبع من هذه الحياة, وتعب وإرهاق.

موضوع آخر لنفس الكاتب .

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=232137








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بب
rami ( 2014 / 9 / 18 - 23:01 )
لو تضيع وقتك في تلفيق الاعجاز العلمي كنت لتكون الان صانع راي مترف في العالم العربي ـ يسمع لك الناس و يمجدوك
،


2 - أطعم أطفالك هذه المقالات
عبد الله اغونان ( 2014 / 9 / 19 - 01:45 )

في القران المقدس

ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم

حشرتنيأعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك اياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسى


3 - اوعى يا ابو على لتكون مصاب بمتلازمة الارهاق المزمن
بشارة ( 2014 / 9 / 19 - 09:26 )
فكرت ان اكتب لك عنوان تعليقي باللغة الفصحى واقصد (انتبه يا ابو علي ! علك مصاب بمتلا...) لكني وجدت لغتنا العامية ابلغ واكثر إفصاحا من الفصحى نفسها وانه كلما كان الامر المراد الكتابة فيه شخصيا اكثر , كلما كانت اللغة الفصحة اقل وقعا بل توحي بكلام مصطنع
ومتلازمة الارهاق المزمن يجب علاجها بالعقاقير الطبية فهي تمثل موقع معين في طيف الاضطرابات العاطفية المسمى اكتـءـاب. وهذه الاضطرابات النفسية تنتقي من الناس اصحاب العقول المتميزة بالقوة والتعقيد (وانت ما شاء الله موسوعي المعرفة وبحر من العلوم ووجدان متيقظ داخل سحابة افيون الادلجة الدينية المبتلية بها شعوبنا ههههه). فكل ما قلته في المقالة يعطي دلاءل في هذا الاتجاه
دافنشي ربما لم يكن يعاني من هذا العارض لكنه مثلك كانت افكارة تحشر في عنق الزجاجة بالاضافة الى اضطرابات النوم فيقال انه كان لا ينام ليلا مثل اغلب البشر: بل كان ينام ثلث ساعة كل ساعة على مدار اليوم نهارا وليلا
تحياتي الخالصة لك


4 - احتمال بانك دخلت بسن الياس يابوعلي
مروان سعيد ( 2014 / 9 / 19 - 12:45 )
تحية لكاتبنا الكبير جهاد علاونة وتحيتي للجميع
هذه اعراض سن الياس يابو علي راجع الطبيب فورا
نعم ياخي ان السن له حق ولاتحسب النساء فقط تدخل بهذه المحنة عند انقطاع الطمس بل الرجال ايضا لهم حالة مشابهة عندما يتراكم الدين وقلة العمل وكثرة التفكير ياتينا مثل هذه الحالة ولست انت المنفرد بها
وانصحك باقفال التلفاز وخذ ام الاولاد والاولاد لمكان خالي من التلوث واعمل صحن تبولة وكاس عرق ينسيك كل شيئ
وخلي املك بالرب فهو الذي يعطي كل انسان رزقه ولاينسى احد
وانا رح اعمل بنصيحتي هذه غدا واخبرك هل كانت ناجعة ام لا
ومودتي للجميع

اخر الافلام

.. #روسيا تحبط محاولة اختطاف -قاذفة استراتيجية-.. وتحدد الفاعل


.. جيش الاحتلال يستهدف عددا من الفلسطينيين في منطقة القادسية با




.. بلال الشوبكي: إدراج نتنياهو شرط منع تهريب الأسلحة عبر مصر لا


.. ناصر كنعاني: أي اعتداء إسرائيلي على لبنان سيزيد من حدة التوت




.. شبكات | الانتخابات الفرنسية.. ماذا يحدث عندما لا يفوز أي حزب