الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان أبو الأنبياء مُداهنًا؟! المقال الأول بعد التأسيسي لنظرية الضيق

مختار سعد شحاته

2014 / 9 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقال الأول بعد التأسيسي لنظرية الضيق

يتوجب عليك قبل أن تقرا المقال أن تجيب على السؤال الآتي:
- هل إبراهيم أبو الأنبياء كان شخصًا من المُخْلَصين "بضم الميم وتسكين الخاء وفتح اللام"، ممن قال عنهم الله "عبادنا المُخْلَصين"؟
يقينًا ستختلف الإجابات، فإن قلت مباشرة إحدى إجابتين بلا ابتسام، فأنت واقع ضمن نطاق نظرية الضيق، فإجابتك التي ستخرج مباشرة وسريعة بالإيجاب أو السلب على سؤالي والتي ستخلو من الابتسام ستكون يقينًا نتاج وطأتك تحت نير الضيق. دعنا نقفز ونتكلم حول السؤال والإجابة، ونربط ذلك بمفهوم النظرية، وما له من تشابكات مع النظرية القرينة اللاصقة وهي نظرية الأنصاف –راجع المقالات السابقة- فالنظريتان وجهان لعملة واحدة هي الجهل بأمر مباشر تناولته في مقالات مثل "اقرأ" و"العلم بين السماع والحكاية"..

خطيب الجمعة الأزهري:
خطب الشيخ في خطبة الجمعة اليوم، وهي خطبة درج الأزهريون على تعلمها وترويجها، وهم يدعون –مؤسسة الأزهر- وسطية ما حين يخوضون فيها ويكررونها حكاية وخطابة. الخطبة بسيطة ضمن سلسلة خطب احتفالية مناسباتية، لتؤكد يقيني بأن ثمة فهمًا مغلوطًا بأن هذا الدين منجمًا بالأحداث، وأن هذه "التحفة التفسيرية" في منهاج القراءة والتفسير القرآني يجب مراجعتها بشكل جاد، إذ صارت يقينًا راسخًا عند أصولي التفسير ومن يعلمون، وقاعدتهم تلك تقول "القرآن جاء منجمًا، والدين جاء منجمًا في أحكامه"، وهو أو ل آفة ودليل على نظرية الضيق التي تخاف أن ترى احتمالية خطأ تلك القاعدة، وأعرف أن كلامي هذا كفيل باستدعاء كم ما من الاتهام ربما سيصل بالبعض إلى حد الاتهام بالكفر والتشكيك في الدين على أقل اتهام.
لاحظ أنني ربما أنا الآخر وقعت ضمن طائل النظرية فقصرت التعاطي مع المقال من منظر المهاجمين فقط، لكن كما قلت في مقالي التأسيسي هي نظرية مراوغة ولها من أشكال المراوغة ما لا يخطر ببال.

هل القرآن منجم بالحدث؟:
تعال معي نتساءل كيف يمكن أن يكون القرآن والقواعد الدينية منجمة على الحدث؟ وكيف نُصِّرُ على ذلك بل ونفسر به الأشياء التي لا صلة بينها وبين الحادث سبب التنجيم غير أنهما حدثا في نطاق الحياة البشرية مهما تباينت تفاصيل الحدثين واتسع الفارق بينهما؟. ولنسأل كيف يصير الحادث المنجم أساسًا لبناء قاعدة صالحة لكل زمان ومكان ولكل حادث آخر؟ دع عنك مقولة رديكالية نرددها دون تَفَهُّم، وإلا لما كتبتُ سلسلة المقالات تلك، إذ يقول الكثير "هذا القرآن صالح لكل زمان ومكان". نعم أوافق صلاحيته، لكن أختلف حين تقول أن القرآن نُجم بالحدث وتقف عندها، فقط اهدأ وفكر قليلا في الفرق بين الحدث –الذي نظنه سببًا مباشرًا للنص القرآني- وبين ذات النص وأحكامه اللازمة الراتبة.
أرجع إلى الخطيب اليوم في خطبة الجمعة وأول المقال، حين قال في حكايته عن إبراهيم أبو الأنبياء –وهو متداول ومتواتر في الأثر- أن إبراهيم أشار بإصبعه حين "قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون"، وكرر الخطيب الأزهري –الوسطي- أن إبراهيم كان يقصد ربما السبابة أو غيرها من أصابعه.. العجيب المدهش تأوهات الكثير حين يخبر بذلك الخطيب بل وابتسامة كبيرة يرسمها البعض على وجهه إعجابًا بذكاء أبي الأنبياء..
ودعنا هنا نخرج من نظرية الضيق ونفكر تفكيرًا خارج ضيق المرويات وما تُلزمه من استدعاءات، وكذلك لنخرج من فهم الأنصاف إلى محاولة جادة لفهم كامل، وذلك سيكون من سؤالنا عن إجابة السؤال في أعلى المقال. يقينًا كان إبراهيم من عباد الله "المُخْلَصين"، فالله أخلصه واجتباه لرسالته، إذن هل يليق به أن يُدَاهن؟ وأن يكذب؟ ألا يتعارض ذلك مع موقفه العقيدي حين قال في المشهور عنه لجبريل ورفضه أن يتدخل، فإبراهيم لم يُعذَّب لأجل جبريل، بل فعلها بيقين أنه مرسل من قبل ربه الذي سيحميه، وهو ما كان حين عطل رب النار خاصية الإحراق لأجل رسوله. والسؤال كيف يمكن أن نكرر ذلك في خطبنا؟ وكيف لا ننتبه إلى الاتهامات التي تأتي من خلف هذا التكرار والنقل الآلي غير الماحص الناقد والمدقق؟ وهو نفس النقل الذي لم يأت به نص قرآني حين ينقل لنا –وهو ما فعله الخطيب أيضًا- أن إبراهيم حين قدم إلى مصر، كذب وقال بأن السيدة سارة هي أخته خوفًا من فرعون مصر، وهو ما يجعل كثير من أتباع نظريتي الأنصاف والضيق يحاولون أن يخرجوا الامر فيتعللون بأن "أخت" كانت في لغة إبراهيم تعني "الزوجة"، وهو التواء ولي للكلمة لا أصل له في اللغة أو التاريخ إذ أخذنا في اعتبارنا اختلاف لغة إبراهيم عن لغة فرعون مصر، أو تداخل اللغتين، أو حتى لو كانت لغة واحدة، وهو ما يؤكد المزلق الذي يقع فيه هؤلاء؛ فيضيفون اتهامًا ضمنيًا لإبراهيم بأنه يكذب. ولنرجئه إلى نفس السؤال أول المقال، هل يجوز أن يكذب أو يُداهن نبي ورسول مرسل؟ أظن سؤالي هذا في حاجة إلى نقد للنقل لا نقل للنقل المتواتر قبل الإجابة عنه بما نعتقده، ولا أرى غضاضة في محاولاتنا إثبات صحة ما نؤمن به قبلا، وهو فهمي خارج نظرية الضيق ونظرية الأنصاف.

الإشكالية الحقيقية:
يتعدى الأمر إشكالية النصوص والحاجة إلى قراءتها قراءة ناقدة ومؤسسة لفهم حقيق وصحيح للتاريخ والدين معًا، بل محاولة منا لتبريرات تنقلب على رؤوسنا جناية وجهلا في آن. لكن أن يظل هكذا الأزهر يُصدر لنا عقليات هؤلاء الخطباء، بتكرارهم الناقل لا الناقد، وهم نتاج أساتذتهم ومشايخهم ودكاترتهم، فهذا هو عين الضيق وأم الأنصاف، وهو ما يجعل الأزهر الشريف يدخل في صراعات هو في غنى عنها متى عرفنا أساس علميته هل النقل أم النقد، وهو ما كان سيريحنا من معارك كلامية في نفس المستوى من نظريتي الضيق والأنصاف، فيخرج علينا طبيب فشل في الطب مهنيا أو مترجما لا عمل له أو تاجرًا يخشى كساد سلعته أو حتى دكتور جامعة، ويُصدرون أنفسهم للناس باعتبارهم الفهم الأوضح والأقرب إلى الدين من تلك المؤسسة العريقة، والحقيقة هم بكاملهم شر البلية، فهم حراس نظرية الضيق ونظرية الأنصاف وحماتها، وهو ما ندفع –نحن- ثمنه غاليًا من حياتنا واتهاماتهم الفجة الجاهلة في عقيدتنا وعقولنا.

ما يحتاجه المؤمنون:
لا يحتاج الناس أن ينقل لنا خطيب الجمعة –أيما كان توجهه أزهريًا أو وهابيًا أو جهاديًا أو حتى إخوانيًا أو تكفيريًا- نقلا محافظًا لكتب قديمة وتفسيرات واجتهادات عقول ماتت منذ عشرات المئات من السنيين، إنما يحتاج أن يتخلص من تلك العقلية السائدة التي أفهمته أن الوسطية هي نقل للمشهور المتواتر لا نقده وتنقيحه، وأن هذا الفهم لا ينفى هذا الفهم القديم جملة وتفصيلا ويشكك فيه شكًا مطلقًا وعامًا. إن صمم الأزهر على هذا الفهم والمنهج، فهو في يقيني الشخصي يمثل مثلاً عظيمًا وناصعًا لنظرية الضيق ونظرية الأنصاف وكيف تخللتا كل حياتنا واخترقتا تفاصيلنا حتى العقائدية والدينية. يحتاج المؤمنون ان يعاملهم الأزهر والدعاة بنفس منطق إبراهيم عليه السلام حين استلهم الاستدلال العقلي المنافي ظاهره لباطن الاعتقاد العقائدي اليقيني، وان تكون الإشكالية الحقيقية كيف يمكن تدريب الدعاة عليه كي يعتمدوه استدلالاً على ما نؤمن به ونعتقد فيه يقينًا.
أقول قولي هذا ورزقي على الله.

مختار سعد شحاته.
Bo Mima
روائي.
مصر/ الإسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني


.. سياسي يميني فرنسي: الإخوان ساهموا في نشر الإسلاموفوبيا في أو




.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف