الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام و الفكر في البلاد العربية و مسألة الهوية

ايت عمر رشيد

2014 / 9 / 20
المجتمع المدني


عرف العالم العربي في العقود الأخيرة تطورا إعلاميا كبيرا. فإلى مستهل القرن الحادي والعشرين كانت المحطات الإعلامية العربية(نخص بالذكر المرئية منها) محدودة و ذات تقنيات ووسائل بسيطة. غير أن أعدادها تضاعفت مرات عديدة الى درجة أن أصبحت عملية عدها صعبة إن لم نقول مستحيلة. وهذا التطور العددي )الذي عرفته محطاتنا الإعلامية( صاحبه تطور كبير على مستوى التقنيات و الوسائل التي تعتمدها. مما جعلنا أمام صرح إعلامي كبير يجعل المشاهد البسيط يعتقد أنها من صنع أمة فائقة العظمة, والحقيقة أن كل من شاهد هذا الكم الهائل من القنوات العربية سيراوده نفس الإعتقاد، فهناك قنوات سياسية وأخرى رياضية وقنوات ترفيهية و أخرى دينية وقنوات شبابية وأخرى للأطفال ...إلخ، حتى أصبح مصطلح المحطات الإعلامية يتلاشى ويتراجع ليفسح الطريق لمصطلح أخر هو الإمبراطوريات الإعلامية كدلالة واضحة على هذا التطور الإعلامي المهول بالبلاد العربية.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل هذا التطور الإعلامي الذي تعرفه البلاد العربية يعكس التطور الفكري و الثقافي لساكنتها؟
الجواب في اعتقادي سيكون هو لا وألف لا. فالبون شاسع بين التطور الأول والتطور الثاني. والأدلة على ذلك كثيرة وواضحة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الإدمان الكبير للسواد الأعظم من المجتمع العربي على الأفلام ذات المستوى المنحط على جميع المستويات، والتي تبعد كل البعد عن ثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية، وتأثرهم الكبير بكل ما يقع فيها من أحداث، الى درجة أن أصبحنا نرى البعض يحزن لحزن بطل الفيلم ( مذكرا كان أو مؤنثا) و يفرح لفرحه، هذا على مستوى الوجدان أما على مستوى السلوك فالتأثير أكبر وأوضح بكثير، ومن أراد معرفة ذلك بشكل جلي فما عليه إلا أن يلقي نظرة من شرفة منزله أو حتى من نافذته على الشارع المقابل لبيته فسيرى شبان وشبات بلباس يخالف كل ما له علاقة بهويتنا وثقافتنا، حتى يعتقد أن هؤلاء الناس يجتهدون في طمس وإفناء هويتم من أجل إظهار وتبني هوية الأخر, غير أن الأمر في الحقيقة ليس كذلك، بل إن كل مايقومون به ما هو إلا تقليد أعمى لكل ما تبثه محطاتنا الإعلامية من برامج ذات مستوى منحط، لغاية أصبحت مكشوفة لمن يتابعها بنظرة نقدية غير أنها خفية لمن يتابعها دون ذلك.
في هذا الإطار جاءت ثورات بالربيع العربي، ففي بدايتها كانت ثورات بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لأن البلاد التي بدأت فيها(تونس) توفرت فيها الشروط الأساسية لقيام ثورة حقيقية، ليس على المستوى السياسي فحسب، بل ثورة تشمل جميع المستويات الحياتية، ومن أبرز هذه الشروط المستوى الثقافي المرتفع. فقد عرفت تونس في الآونة الأخيرة ارتفاعا كبيرا في المستوى الثقافي لساكنتها، وذلك راجع الى نسبة الأمية التي لم تعد تتجاوز 11 % ناهيك عن التعليم الجيد والدعم المستمر لتطويره... ومن الطبيعي أن شعبا بهذه المواصفات سيكون قادرا على تفجير ثورة شاملة بنسبة نجاح كبيرة، وهذا ما نراه اليوم، فتونس تمكنت من عبور مرحلة الثورة بأمان وهي الأن في طريق جني الثمار رغم حقد الحاقدين في الشمال و الجنوب، حتى أصبح الشعب التونسي مثالا يتحدا به. وبما أن الأشياء الجميلة يمكن استغلالها بشكل جميل أو بشكل وقح، فإن الثورة التونسية الجميلة استغلت ــ من طرف إعلامنا الموجه بجهاز تحكم صهيوأمريكي ــ استغلال وقحاً فعمل على تصديرها للشعوب الجاهلة بأية وسيلة، وهكذا رأينا الثورة تنتشر كالنار في الهشيم الى أن وصلت بلدان ذات شعوب لا يتوفر فيها الشرط الأساسي للقيام بثورة ــ هذا الشرط هو المستوى الثقافي المرتفع ــ ، فثار الشعب الليبي و ثار الشعب المصري ثم ثار الشعب السوري و ثار الشعب اليمني...إلخ وبما أن الشرط الأساسي لنجاح الثورة لم يتوفر في هذه البلدان فقد كان من البديهي فشل ثوراتها، ولم تجني شعوبها سوى القتل و الدمار، وأكثر من ذلك فقد أصبحت سوقا خصبا لمافيا بيع السلاح و الإتجار في البشر، والشيء الأكثر خطورة هو أنها أعادت إنتاج أنظمة سياسية أكثر استبدادا مما كانت عليه أنظمتها السابقة، ولنا في مصر أوضح مثال.
من هنا نقول إن الإعلام العربي بمختلف أنواعه يضمر عكس ما يظهر، ففي ظاهره يبدو إعلاما ذو رسالة نبيلة، هدفها السير بالشعوب العربية نحو التحرر و التقدم و الإزدهار بغية اللحاق بالأمم التي بلغت مبلغا كبيرا من التقدم و الرخاء، أما باطنه فلا يتضمن سوى الأحقاد لهذه الشعوب التي صنعت حضارة راقية في زمن من الأزمان، كيف لا وهو إعلام الأنظمة التي لا تعمل سوى للمحافظة على كراسي الحكم مهما كلفها ذلك من ثمن، دون أن تكلف نفسها عناء حمل مشروع حضاري جديد يرفع من شأنها عند شعوبها التواقة الى إعادة بناء مجد الأجداد.
في هذا الإطار يعمل إعلامنا المشؤوم، فهو يعمل على تغريبنا داخل بلادنا بنشره ثقافة غير ثقافتنا، ثقافة جاءت بها الطبقة الحاكمة من عند الأخر الذي طالما كان وما يزال وسيبقى ينظر إلينا على أننا أعداءه الألداء. وهنا تكمن أهمية النظرة النقدية خلال متابعة جميع محطاتنا الإعلامية كيف ما كان نوعها، فلن تستطيع أخي القارئ اتقاء شرها إلا إذا تابعتها بنظرة نقدية ثاقبة تتجاوز ما هو ظاهر لتنفذ الى ما هو باطن في هذا الإعلام المشؤوم، وهكذا يمكنك حماية وتحصين هويتك وثقافتك من حملات الغزو الجديد الذي يستهدف ضربها و القضاء عليها لتفسح الطريق لهويته وثقافته حتى تسود في جميع بقاع المعمور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي في الجمعية ا


.. موجز أخبار السابعة مساءً - الأونروا: غارات الاحتلال في لبنان




.. لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و


.. طلاب جامعة السوربون بفرنسا يتظاهرون من أجل غزة ولبنان




.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن