الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكاح العقل!

هبة عبده حسن

2014 / 9 / 22
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


هناك لوحة لفنان إيراني معاصر يدعى مرتضى كانوزيان تصور حبل مشنقة ضخم يتأرجح من أعلى اللوحة ويحتل معظم مساحتها. وتحت ظلال أنشوطة الحبل هناك بشر (عددهم تسعة بالضبط) بالغين وأطفال على أعماق مختلفة من اللوحة لفت انتباهي أنهم صغيرو الحجم جداً بالقياس لحبل المشنقة، كما لفت انتباهي أنهم جميعاً في حالة حركة ما عدا المرأة الوحيدة في الصورة والتي صورها الرسام مرتدية الزي الإسلامي الإيراني (التشادور) واقفة مطأطأة رأسها بلا حركة. أعتقد أن المغزى السياسي هو ما سيصل للمتلقي بداءة عندما يرى هذه اللوحة، ولا أظن أن الكثيرين سوف يقفون عند تلك الزلة التي ارتكبها الفنان في حق النساء إذا اختصرهن في امرأة واحدة مغطاة بالكامل ومجمدة في مكانها رغم أنها محاطة بحركة الحياة متمثلة في كل هؤلاء الرجال والشباب والأولاد ورغم أن الجميع يرزح تحت نير حبل المشنقة، والأكثر أنني أظن – صادقة – أن الرسّام لم يقصد هذا الاختصار المخل... وهنا المأساة الحقيقية.

في العام 1999 كنت قد شاهدت المسرحية "الطليعية": مخدة الكحل للمخرج المصري انتصار عبد الفتاح، ولمن لم يشاهد هذه المسرحية ذات الفصل الواحد فهي تعبير بالحكي والموسيقى والرقص عن قوسي حياة المرأة (أي امرأة وكل النساء)... الحكّاءة في المسرحية هي امرأة في منتصف العمر جالسة تغزل (أو تخيط لا أتذكر)... حكايتها التي تقصّها بصوت دافيء تعبر عنها بالرقص فتاتان شابتان إحداهما رقيقة بيضاء البشرة تحوم كملاك مسحور والأخرى سمراء البشرة ذات جسد وافر تدب على الأرض كفهد جسور... تنتهي المسرحية بالمرأة الحكّاءة واقفة في منتصف المسرح والفتاتان جالستان أمامها مطأطأتين رأسيهما وهي تغطيهما بملاءة كبيرة بيضاء في إشارة (كما وصلتني) لأن هذه المرأة هي نفسها من قمعت إنطلاق روحها (الفتاة التي تحوم كملاك مسحور) بقدر ما قمعت رغبات جسدها (الفتاة التي تدب كفهد جسور)... فعلت هذا ثم عادت قابعة تكمل غزلها وتعيد الحكاية من البداية. جمال العمل فنياً واكتمال عناصره إبداعياً لم يمنعا عقلي وروحي من الحزن الشديد لتلك الحقيقة المأساوية... النساء تقمعن أنفسهن وتقمعن بعضهن البعض بذات الضراوة التي يفعلها الرجال.

ليست اللوحة المعبّرة للفنان الإيراني مسألتي ولا تلك المسرحية الرائعة للمخرج المصري قضيتي، وإن كانتا بكل وضوح (وبفجاجة مذهلة) قد أقرتا إقصاء وتعنيف وتهميش النساء. مرتضى كانوزيان وبطلة مسرحية مخدة الكحل هما النتاج الفكري لما أسميه بنكاح العقل وهو نكاح اشتركت فيه الجماعة الإنسانية (ذكورها بالأساس وإناثها بالتبعية) منذ البداية. لقد قدمت الجماعة الإنسانية لنكاح العقل كل التبريرات التي جعلته مقبولاً ومستساغاً بل ومرغوباً من كثيرات. لن أفند هنا ما سبقتني إليه أستاذتي نوال السعداوي من أن امتلاك الرجل لجسد المرأة (ومن ثم تأكده من عفتها) كان ضرورة اقتصادية بالأساس طرأت مع تعقد المجتمع الإنساني الزراعي ونشوء فكرة الملكية ومن ثم التوريث (ضمان عفة المرأة هو ضمان شرعية الوارثين!) ولكن تلزم الإشارة لهذا التحليل كونه منطلق اجتماعي اقتصادي مؤسس للفكرة.

نكاح العقل يبدأ كذلك مع استخدامنا للغة... لقد أساءت اللغة العربية للمرأة عندما جعلتها صنو للكوارث فهي: مصيبة = نازلة حين يكون الرجل مصيباً أي على حق كما أن تكون المرأة نازلة = داهية حين يكون الرجل نازلاً لدرجات السلم وأن تكون المرأة قاضية = مميتة حين يكون الرجل قاض يحكم بالعدل. كلمات الإهانة هذه التي تعبر عن الكوارث والمصائب هي بصيغة المؤنث ولا يوجد في اللغة مرادف مذكر (مفرد) لها: (داهية، نازلة، مصيبة، كارثة، بلوة...). نكاح العقل أيضاً نطعمه لبناتنا في بيوت العز بدعوى الحفاظ عليهن، ولا أجروء على الحديث عما يحدث في بيوت الفقراء من إهمال للبنات في المأكل والملبس والدراسة لصالح الأولاد مما يجذر لفكرة أن الفتاة كائن ضعيف في حاجة للحماية (في حالة اليسر) وكائن حقير لا لزوم له (في حالات العسر)....

أمّا عن الدين وتحقيره للمرأة فهناك الأحاديث الصحاح التي تؤصل لكوننا خلقنا من ضلع أعوج لا انصلاح له وبأننا خليقات بالضرب والإهانة والتحقير وبأننا مع الحمير والكلاب السوداء من مفسدات الصلاة وبأننا بلا عقل ولسنا مؤهلات للتعلم وبأننا لا نتعدى كوننا مواطئ للنكاح حتى لو كنا رضيعات بنات عام واحد لا نزيد، وفي أحسن الأحوال ف "أمنا" حواء - التي بدأت مع آدم عمارة الأرض منذ 6000 سنة فقط - هي من غوت وهي من عصت الرب وهي من استمعت للشيطان وهي من حرمت ذلك المسكين آدم من جنات النعيم وأنزلته لسقم الأرض المقيم!

نكاح العقل هو جريمة بشرية بحق النساء انتبهت لها المجتمعات التي تأنسنت حديثاً فطفقت تعالجه وتضع القوانين لحماية المرأة، ولكنه أمر متأصل متجذر بل مرغوب مطلوب ومحبب في مجتمعنا العربي المسلم! نكاح العقل هو ميراث السقم ارتضيناه لأننا أشربناه مع حليب أمهاتنا في بيوت هي بالضرورة ملاذ الحماية والأمان... هل اتضحت المأساة؟

إن مجتمعاتنا العربية المسلمة هي مجتمعات مريضة لأن الوعي الجمعي لرجالها ونسائها هو وعي مريض لأنه (بالأغلب) يحتقر نصفه الذي يربّي. الأمر الأخطر أن الوعي الجمعي لنساء المجتمع العربي المسلم مريض لأنه مغيب مجهل راض بالمكانة الحقيرة غير العادلة التي دفعت إليها النساء دفعاً فقبلنها بلا مناقشة. نحن لن نشفى ولن نتقدم ولن نتطور طالما ظللنا قابلين بنكاح العقل. نحن بلا أمل وبلا مستقبل إلا بأن تشفى النساء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نكاح العقل
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 9 / 22 - 20:19 )
لست أدري لماذا يحقد الرجل على المرأة ؟ ولماذا يهينها ويحتقرها وينظر إليها كما لو أنها عورة ؟
ولماذا ألصقت بها كل العيوب ؟ في حين العيب أو النقص أو الشر موجود أيضا في الرجال .

-المرأة شر لابد منه - - المرأة ناقصة عقل ودين - - إن كيدهن لعظيم - - المرأة شرف الله قدركم -
- لا تنسى أن تأخذ السوط معك إذا كنت داهبا إلى المرأة - سوق النساء سوق مطيار - لا تثق في المرأة حتى ولو عاشرتكم أربعين سنة - ومن هذه المقولات الكثير والكثير .
لماذا تم إطلاق الكثير من الإتهامات على المرأة في حين الخير والشر والخطأ والصواب موجود في كلا الجنسين ؟ ولماذا تم تقييد المرأة بالكثير من القيود والأغلال دون الرجل في حين هي من تأخد وتتحمل الدور الأساسي في البيت والعائلة وتربية الأولاد وفوق كل ذلك هي من جعلها الله حاضنة للجنين وحاضنة للمولود إلى غاية بلوغ أشده . وهي أيضا منبع الحنان والحب والتضحية والتفاني . المرأة مخلوق عظيم حقا ولهذا السبب بالذات ألحق بها كل هذه المظالم . ومع ذلك حينما تتعرى يفقد الرجل صوابه أمام جسمها الخلاب والفاتن


2 - خطوة قدمكن على الأرض ( هدارة
john habil ( 2014 / 9 / 22 - 20:27 )
في أوروبا حصروا مهمة الدين في الكنيسة ، وكفوا يد الآباء عن أمور الدنيا، وهكذا انطلقت الحياة والنهضة الأوروبية
أم العرب والاسلام مليار و200 مليون منهم أكثر من 20 مليون شيخ متطرف وجاهل وهم المرجع الوحيد للمليار،منهم من يقر جهاد المناكحة -ومنهم من يقر مفاخذة الطفلة (عامان) ومنهم من يوصي بجماع الوداع للميتة) ومنهم من يوصي بالجاريات بديل لملكات اليمين- ومنهم من يفتي بزواج الطفلة- ومنهم من يلوم عيون المرأة المغرية من وراء فتحتي النقاب --وعدم الجلوس على كرسي ___ عدم الرد على الهاتف -- لآن صوتها اغراء- والقرأن رصد حركاتها ،ورنة خلخالها ،وجعلوها كلبة وحيوانة للركوب وكيدها عظيم -ولا تصلح للقيادةولا للشهادة منفردة- ويجب أن تضرب وتهان وتربط بالسريروتعاشر بالقوة- وهي كالتراب المداس في الحقل ( نسائكم حرث لكم ) وتقبل وتدبر يصورة شيطان
هذا غيض من فيض بما يخص المرأة فقط عدا النواحي العلمية والثقافية والجهاد والقتل والتكفير الذي تنتجه هذه الجماعات وليس هناك من رادع فلا عزاء للسيبدات إلا بالسيدات


3 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 9 / 22 - 23:56 )
فائده ثقافيه :

- الإلحاد يرى المرأه (حيوان مُعاق مُشوه) :
http://laelhad.com/index.php?p=2-1-131


- اقوى نصوص اهانة وتوبيخ المرأة فى الكتاب المقدس :
http://ya66ereg.blogspot.com/2013/07/blog-post_2032.html


4 - تحياتي أستاذة هبة عبده حسن المحترمة
ليندا كبرييل ( 2014 / 9 / 23 - 04:01 )
أهلاً بحضورك القوي في منتدى الحوار مدرسة العلم نور

أستاذة، من خلال صداقاتي لبشر من بلاد مختلفة وجدت أنهم جميعا يؤكدون أن في لغاتهم ما يشين ويخجل

في تلك البلاد،القائمون على شؤون اللغة والإشراف على تطورها بما يتناسب مع الإنجازات الإنسانية العظيمة الراهنة، يتابعون بكل همة ونشاط تخليصها من النزعات العنصرية، والإيحاءات المهينة التي دخلتها في زمن كانت مقبولة فيه، لكنها أصبحت مرفوضة في عصر حقوق الإنسان وتملّك المرأة زمام نفسها

في لغتنا العربية، من الألفاظ البشعة ما يجعلنا نحن النساء نختبئ خجلاً منها حتى ونحن نقرؤها
ولا أقول نسمعها
فأنا لم أعرف بحياتي لفظة تخدش الحياء إلا ما كان يتناهى لسمعنا من زعران الحارة فكنا نبتسم بالسر
إيه والله بالسر ، لأن الابتسام العلني يعني أننا سمعنا وفهمنا المحظور
وهكذا~ حتى تعلمت أصابع يدي استخدام الكومبيوتر! ووجدت كل هالبشر يستخدمون نفس الألفاظ، وتعلّمت أنها فصحى، ونازلة بتراثنا ومستخدمة من قبل شخصيات نجلّها

ربط اللغة بالدين جعلهم يتجمّدون أمام تعديل نصوص وكلمات وألفاظ تحطّ كثيرا من قدر الإنسان والمرأة خصوصاً

تفضلي احترامي وتقديري


5 - فلنقل الحقيقة
محمد البدري ( 2015 / 11 / 10 - 11:45 )
أفة مجتمعاتنا انها تدعي انها عربية واسلامية، تلك هي عورتنا التي بسببها سيظل البكاء علي النساء دون اي تغيير لوضعهن والصراخ علي الحقوق دون اي فعل لاستردادها. اكذوبة اننا عرب ومسلمين اخترعها ذلك الذي يريد للنساء هذا الوضع المهين. انها الثقافة التي علينا التخلص منها والدين الذي هو فلسفة غش وتضليل

اخر الافلام

.. ضجة في لبنان بعد الكشف عن عصابة -تيكتوكرز- تستدرج الأطفال لا


.. من بينهم مشاهير في تيك توك.. عصابة -اغتصاب الأطفال- في لبنان




.. كل الزوايا - سارة حازم: الرئيس السيسي أكد على دعم المرأة الم


.. المشاكل الأيكولوجية والحلول بوجهة نظر علم المرأة فيديو معدل




.. رئيسة الجمعية الدكتورة منجية اللبان