الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيم الحرية والديمقراطية في المجتمعات الدينية

زكي لطيف

2005 / 8 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المجتمعات الدينية مجتمعات مركزية شمولية الاعتبار فيها للرمز والذات في اغلب الأحيان، عند الشيعة يمثل الأئمة الأثنى عشر محور ديناميكي للحياة الفقيهة والسياسية والاجتماعية وبعد عصر الأئمة فيما عرف بمصطلحي " الغيبة الصغرى " و" الكبرى" برز الفقهاء الشيعة وتطور الفقه عندهم وآلت الشئون الاجتماعية والسياسية بيد الفقهاء الذين اعتبروا خلفاء للإمام الثاني عشر الغائب المنتظر ، ظهر الأمام الخميني في منتصف القرن الماضي ليعزز بسط يد الفقهاء على عالم التشيع بنظريته المعروفة " ولاية الفقيه" العديد من الفقهاء المعاصرين له ومن المتأخرين والمتقدمين عارضوا نظريته ووجدوا في الفقيه ولاية نسبية ضيقة عرفت ب" ولاية الفقيه الحسبية " إلا أن النظام الاجتماعي والثقافي والفكري عند الأغلبية العظمى من الفاعليات الشيعة ترى في الفقيه وليا ً عاما وتسقط فتاواه في العبادات والمعاملات على مراكز النشاط والحركة كالإعلام وحقوق المرأة والعلاقة بين الجنسين وغيرها الكثير وهنا تبرز مسألة مهمة إلى أي مدى تتخذ الفتاوى حجة في الأنظمة الاقتصادية والسياسية والمجتمعية المتجددة باستمرار ؟!
يتبع الأفراد والتجمعات الحركية بكافة آيدلوجياتها الدينية في المجتمعات الإسلامية بشكل عام والشيعة بشكل خاص الفقهاء وعلماء ورجال الدين في معظم الأنشطة سواء كانت دينية بحثه أو مدنية بينما تتوارى إلى الخلف الفاعليات الاجتماعية من مفكرين وساسة ومثقفين وفلاسفة وأتباع التوجهات الليبرالية والقومية والوطنية ، فعلاوة على محاربتها من قبل الفئات الدينية المتزمتة في الغالبية العظمة من الأحيان تحارب أيضا من قبل السلطة السياسية القائمة التي ترى أن نشاط ديني تقليدي مكبوح الجماح أفضل بكثير من بروز تعددية حقيقة تهدد وجود النظام المركزي الذي تديره عائلة مالكة أو حزب حاكم في معظم الأحيان .
المجتمعات الدينية على غرار أنظمتها السياسية مجتمعات مركزية يهيمن على مقدراتها فئة معينة على الأغلب طلاب العلوم الشرعية ومن خلفهم الفقهاء الذين تدار أمورهم من قبل مجموعة من رجال الدين المتنفدين داخل الجهاز المرجعي( إن صح التعبير) ومن خلال أموال الحقوق الشرعية يديرون شئون الجهاز المرجعي بدو ن أية ضوابط واضحة أو شفافية معتبرة ، والمجتمعات الدينية تدفع أموال الحقوق للوكيل الذي تعينه البطانة لاعتبارات غامضة في اغلب الأحيان ، ويدار الأمر برمته من خلال النفوذ الروحي فقها وشخصا وعقيدة للمرجعية الدينية .
قيم الروحية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان رجلا وامرأة وطفلا غير مطروحة في الآيدلوجية الدينية وفقا لمفهومها العام والشامل دوليا، إنما يتم بلورتها
من خلال الآيدلوجية الإسلامية التقليدية لتتماشى مع النظام الديني المركزي الحاكم ، فالديمقراطية أداة لممارسة السلطة في الحركية الإسلامية وليست أداة لتداول السلطة بين كافة شرائح المجتمع إسلامية كانت أم غير ذلك ، التعددية لا بد أن تتم في أيطار المذاهب والتيارات المعترفة بها فقط ، تطرح أنظمة حقوق الإنسان وفقا للضوابط الفقهية التي يقول بها الفقهاء، ويمكن إلقاء نظرة على ذلك من خلال فتاوى الفقهاء في المعاملات والعبادات، فأحكام الصيام مثلا تقول بوجوب الكفارة لمن تعمد أن يفطر في شهر رمضان ولكن ما هي هذه الكفارة ؟ يعدد الفقهاء ثلاث كفارات منها عتق رقبة رغم أن العبودية بمعناها التقليدي غير معمول بها في عالم اليوم إلا أن الفقهاء يقولون بجواز الاسترقاق كامتداد لأسلافهم في عصور العبودية التقليدية ، ومن هذا المنطلق يفتون بجواز عتق الرقبة ككفارة لإفطار يوم من شهر رمضان وقس على هذا العديد من الأحكام والفتاوى التي تعبر عن عدم إيمان النظام الإسلامي الفقهي والروحي الحاكم بقيم الحرية والديمقراطية ، ففتاوى الفقهاء تعج بفتاوى وأحكام التضييق على غير المسلمين من أتباع الديانات السماوية والأرضية الأخرى وفي فقه المرأة فتاوى تعج بسريان نظام العبودية وانعدام قيم الحرية في المجتمعات الدينية فالفقهاء يفتون بجواز حبس المرأة مؤبدا كما صرح بذلك السيد فضل الله في كتابه" دنيا المرأة"، ويجوزون تزويج الطفلة منذ كونها طفلة رضيعة إلى ما قبل البلوغ بمن يشاء الولي وليس لها حق فسخ العقد بعد بلوغها، ليس كذلك فقط بل إذا ما نكح الزوج زوجته قبل بلوغها ليس لها سوى النفقة طوال عمرها مهما كانت الأضرار الصحية جسديا ونفسيا ، وإذا ما أردنا الاسترسال في هذا الجانب سوف تصادفنا فتاوى مأساوية في هذا المضمار (1) .
إن المجتمعات الدينية شيعة كانت أم سنية لكونها محكومة بنظام ديني وسياسي استبدادية قهري تنعدم فيها على نحو الإطلاق قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتستشري بالمقابل القيم الفقهية والآراء العقائدية وما يرتبط بها من أراء في المجتمع والعلاقة بين الجنسين التي ينادي بها الفقهاء وأتباعهم من رجل الدين والمفكرين الإسلاميين الراديكاليين التقليدين ، لذا عندما يدخل الإسلاميون في صراع مع الأنظمة السياسية القمعية يكون محور الصراع "الوصول على السلطة" فقط، أما أن يدافع الإسلاميون التقليديون عن قيم الحرية والديمقراطية ويرفعون شعاراتها أمام الجمهور فإنما يكون ذلك وفقا لأدبياتهم وآيدلوجيتهم الرافضة للحرية والديمقراطية بمعانيها الواقعية وأصولها الحقيقة وكممر مرحلي للوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو "السلطة" هكذا كانت إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979م وتتغنى العديد من الأنظمة العربية والإسلامية بشعارات التقدمية والحرية والاشتراكية وحقوق الإنسان للبقاء في سدة حكم شعوبها المغلوبة على أمرها ولكي تتقي في هذه المرحلة الحرجة الطوفان الأمريكي والغضب العالمي على الدكتاتورية العربية والإسلامية التي ألهبت العالم بنيرانها في 11 سبتمبر 2001 .
عندما يطالب علماء الدين المتزعمين للحركة الإسلامية بالحرية الدينية فإنهم بذلك يرمون تعزيز سلطتهم الدينية والروحية والفكرية والثقافية على مجتمعاتهم وفي ذلك منافسة للسلطات الحاكمة لأنهم بتعزيز سلطتهم عبر الأنشطة الدينية المختلفة يبسطون سيطرتهم على أموال الحقوق الشرعية التي تعتبر بمثابة عصب السلطة ووقودها ويقومون بتعبئة الشارع بآيدلوجيتهم الرافضة للحرية والديمقراطية و وفي نفس الوقت يدخلون في حلبة المنافسة مع السلطات الحاكمة سواء كانت حزب حاكم أو عائلة مالكة في السيطرة على موارد المجتمع الذي يحكمونه لتتوارى قيم الحرية خلف الصراع السادي على السلطة وقد تستغل شعارات براقة قريبة من قيم الحرية والديمقراطية من اجل أذكاء روح الصراع وتأليب فئات محايدة لهذا الطرف أو ذاك ، أن مناهج التعليم في المراكز العلمية الدينية تخلو تماما من أي مفاهيم معاصرة لذلك كان من الطبيعي أن تخرج أجيالا من الاستبداديين على مر تاريخها الطويل.
تتميز الشخصية المتدينة في اغلب الأحيان بتحجر فكري وتوقف في النشاط الثقافي وانغلاق حضاري ومركزية في الإرسال و الاستقبال الذهني وعدم الانفتاح على الآخر، وهذا ما تعانيه مجتمعاتنا الإسلامية ومن ضمنها المجتمعات الشيعة للأسف الشديد، تتوارى قيم الحرية والديمقراطية ، وتنمو بسرعة مذهلة قيم الاستبداد المغلفة بفتاوى الفقهاء وخطب رجال الدين المجلجلة ، أما الشعب فهو الضحية الأولى والأخيرة للاستبداد والقهر ، فثرواته وإمكانياته تستنزف من قبل الديكتاتوريتان الحاكمتان وعندما يرفض الشعب الدكتاتورية السياسية فانه يبسط يديه للدكتاتورية الدينية لتنقده منها أما قيم الحرية والديمقراطية ومفاهيم دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان فليس لها شان يذكر في الذهنية الشعبية المتخلفة التي تغرد خارج سرب الأمل والنور في الألفية الثالثة.
إن الفرد والمجتمع يعيش وضعا شموليا امتدادية من الدكتاتورية والاستبداد تولد عنده رفضا منقطع النظير للتغيير ، فعندما تطرح الحرية للمرأة يرفض بشدة لكون ذلك مدعاة للفساد الأخلاقي وعندما ينادى بضرورة منح الهامش الحقيقي لغير الحركات الإسلامية كالتيارات الوطنية والقومية والشيوعية والاشتراكية فانه يرفض ذلك لكونها تشكل من وجهة نظر قطعية خطرا على الإسلام ، أما فيما يتعلق بحقوق الأقليات الدينية والمدنية فإنها تصب في ذات المعترك ، إن المجتمع الإسلامي منغلق على ذاته يرفض الآخر لذلك هو في أسفل درك الشعوب المتحضرة ويوصم بالعالم الثالث ، إن رفض التغيير ليس فقط من قبل الحكومات وإنما أيضا من معظم القوى الفاعلة في المجتمعات الإسلامية ، لذلك على القوى الديمقراطية في العالم الإسلامي والعربي أن ترتبط بالقوى الديمقراطية العالمية من اجل العمل على إنشاء تيار ديني ديمقراطي يأخذ على عاتقه إخراج الشعوب والمجتمعات من جحيم الديكتاتورية إلى نور الحرية والديمقراطية في أولى قرون الألفية الثالثة .
( راجع الإسلام والعالم للكاتب رائد قاسم الجزء الأول على صفحات " الحرية والحقيقة" www.alhuriya.net) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف صعد الآشوريون سلّم الحضارة ؟


.. أبو بكر البغدادي: كواليس لقاء بي بي سي مع أرملة تنظيم الدول




.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran