الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حج الفقراء

أحمد هيهات

2014 / 9 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حج الفقراء

المواسم مناسبات سنوية تقام على طول السنة ابتداء من فصل الربيع وعلى امتداد فصل الصيف الى مشارف نهاية الخريف .
و في تأصيل كلمة المواسم جاء في لسان العرب:وقد وسمه وسما وسمة اذا أثر فيه بسمة وكي والهاء عوض عن الواو .وفي الحديث:« أنه كان يسم ابل الصدقة أي يعلم عليها بالكي». ووسموا شهدوا الموسم ... موسم الحج سمي موسما لأنه معلم يجتمع اليه وكذلك كانت مواسم أسواق العرب في الجاهلية .قال ابن السكيت كل مجمع من الناس كثير هو موسم.وفي حديث عمر رضي الله عنه أن الموسم يجمع رعاع الناس أي غوغاءهم وسقاطهم وأخلاطهم ,
يحج الزوار الى المواسم من كل حدب وصوب ليشهدوا منافع لهم ويشد الناس اليها الرحال من كل الفجاج دانيها وقاصيها قاصدين قبر ولي صالح أوكذلك يدعي سدنة الضريح اذا تم التسليم أصلا بوجود ساكن لهدا القبرˎ-;- وما أكثر القبور والأضرحة والصالحين وبالتبعية كثرة المواسم التي لا تكاد تخلو منطقة من مغربنا الحبيب منها , وقد اقترنت المواسم منذ بداية ظهورها بالأولياء الصالحين فكانت دينية بالاساس ومع مرور الوقت وتباعد الزمان بدأت تنحرف وتميل عن طبيعتها الى وجهات سياحية أدمجت من قبل الجهات المسؤولة للمساهمة في الوصول الى هدف عشرة ملايين سائح في غضون سنة 2010 الذي فشل ثم أضيف الى وقته الأصلي عشر سنوات مثلها كوقت بديل للضائع .
فأصبحنا نرى مواسم مختلفة ومتعددة بعيدة عن طبيعتها الدينية (موسم حب الملوك - موسم الخطوبة- موسم الرمان...) وتم تطوير المواسم التي ارتبطت بالبوادي الى مهرجانات للمدن مع المحافظة على المواسم العريقة (مولاي عبد الله أمغار – مولاي عبد السلام – مولاي ابراهيم – المولى ادريس الأكبر ..) والمواسم الصوفية ( الطريقة البودشيشية – القادرية – المشيشية – التيجانية ...) .
جوانب مشرقة في المواسم
للمواسم جوانب مشرقة كثيرة نذكر منها تحريك عجلة الاقتصاد من خلال تنشيط الجانب التجاري وتشجيع مجموعة من المهن كالباعة المتجولين وأصحاب الأكلات الجاهزة الخفيفة منها والثقيلة وحراس المرائب ومهن الوشم والنقش بالحناء وثقب اذان الصغيرات وباعة الحلويات بمختلف أنواعها وباعة الخضر والتمور والفواكه الجافة والملابس والأواني الفخارية ومظاهر الترفيه من الفكاهيين وألعاب الأطفال ومصورين فوتوغرافيين ..
ومن الجوانب المشرقة كذلك المحافظة على التراث المتمثل في الفروسية والتذكير بالماضي المجيد للأمة في نشر الدين والذود عن الأوطان ومعلوم أن الخيول مؤثت أساسي للمواسم التقليدية والمهرجانات الحديثة ووسيلة ضرورية لتحقيق الفرجة الشعبية وكذلك ابراز خبرة وتجربة المغاربة الطويلة في تربية الخيول وتدريبها على التباري في حلبات التبوريدة التي لم تنل منها عوادي الزمن.
ومن الجوانب المضيئة أيضا اظهار التسامح الديني الكبير للمغاربة من خلال السماح باقامة بعض المواسم الدينية اليهودية كموسم هيلولة السنوي الذي يقام بضريح أولياء بن زميرو السبعة بمدينة أسفي وعدة مدن مغربية أخرى ويحضره اليهود المغاربة من مختلف أقطار المعمور مما يدل على أن المغرب ملجأ امن لليهود منذ أمد بعيد .
جوانب مظلمة في المواسم
توفر المواسم مرتعا خصبا لممارسات منحرفة وشاذة وعادات وتقاليد لا تمت بصلة للاسلام والمسلمين والعصر الذي نعيش فيه ومن الممارسات الغريبة المنحرفة اقامة القبب المزخرفة على الأموات وأحيانا تقام وهي خواء وأحيانا على أموات الحيوانات أو على الجن ( مقام شمهروش بجبل غيغاية بأحواز مراكش) وانفاق جلائل الأموال على هذه القبب والمقامات والتبرك والتمسح بها والالتجاء البها دون الخالق سبحانه لطلب الولد وفك الكرب وتفريج الهم وادرار الرزق وقضاء الحوائج وتلبية الرغبات وتحقيق الأمنيات , وتقديم القطع والأوراق النقدية والشموع والسكر وطقوس الجذبة واحياء ليالي الدروشة والحضرة وكل ذلك بذريعة الحصول على بركة الولي الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا «ضعف الطالب والمطلوب».
من المظاهر المنحرفة في المواسم صور السحر والشعوذة والدجل والتي تعد لازما من لوازم المواسم وفي مقدمتها مدعو الاطلاع على الغيب "الشوافة" «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو» مما يوضح تعشيش الخرافة والشعودة في أذهان قطاع عريض من أبناء بلدنا العزيز واقبالهم على أسواق بيع الأوهام وقبولهم بفضح اسرارهم على رؤوس الاشهاد وكذلك المسارعة الى قراء الطالع يجلسون بذل وصغار يصيخون السمع للتعرف على مصير مسروقاتهم وسارقيها والاطلاع على زوج أو عمل المستقبل أو غيرها من الرغبات الماسة المشتركة بين المستضعفين في الأرض .
و من مظاهر الدجل والشعودة انتشار تجارة المواد والأعشاب الطبية والسحرية اذ يعمد مجموعة من الدجالين -ممن طوعت لهم أنفسهم الافتراء على الناس- الى ادعاء امتلاك وصفات لعلاج الأمراض المزمنة التي استعصت على الطب الحديث كالعقم مزدرين مراحل الطب وانجازاته وتجد أحدهم يتحدث عن منافع الشبة الحية التي لا تحصى ومنافع جذور الشيبة في علاج أمراض الأذن والأنف.
كما ينتشر السحر والسحرة بشكل لافت وفي وصلاتهم الاشهارية يركزون على تقدييم المنتوجات نفسها (توفير الشغل – تسهيل الزواج – ضمان محبة الزوج أو الخليل – تطويع الزوج والتحكم فيه – تحقيق القبول عند الناس ..) كما يعتمدون المواد الأولية نفسها والتي تتسم بالغرابة والخطورة ( أظفار الهدهد- شعر القط الأسود- مخ الضبع- لسان الحمار- معدات غسل الميت( الصابون -المنشفة )- ماء تغسيل الميت- يد الميت(لتحضير الكسكس)... كما ينصح السحرة روادهم وزبناءهم باستعمال هذه الوصفات وتقديمها في مواسم ومناسبات معينة ومعتبرة أكثر من غيرها( تاسوعاء-عاشوراء-ليلة القدر- شعبانة- وأيام الاعراس- وخصوصا ليلة الدخلة..)وكل يأتي من هذه النصائح حسب مبلغ حيلته ومحتد همته.
ومن صور الانحراف كذلك انتشار أوكار الدعارة وبيوتات بائعات الهوى وأعشاش المخدرات بأنواعها وفي بعض المواسم تقدم خدمات جديدة في الرذيلة للمثليين والشواذ وكلها ممارسات تفتل في حبل الاغراء والالهاء وافساد الطبائع السليمة وخدش العقيدة الصحيحة.
السلطات المغربية والمواسم
تقام المواسم برعاية رسمية من قبل السلطات المحلية التي تمنح الرخص وتوفر الحماية الأمنية من خلال تسخير الأمن والدرك والقوات المساعدة وسيارات الاسعاف والوقاية المدنية... كما تشجع الدولة هذه المواسم بالدعم المالي الضخم وفي بيت النملة تصبح قطرة الماء طوفانا وخصوصا المواسم الصوفية التي تقدم لها هبات مالية مهمة يطير لها لب الحصيف كما يعطي في الغالب أعلى مسؤول في السلطة المحلية انطلاقة الموسم الرسمية بزيارة مقر انعقاده ومنح شرفائه ذبائح أوقرابين للزوار أو غير ذلك وعند الله تبلى السرائر.
والملاحظ أن تعامل الدولة مع هذه المواسم والمهرجانات تطبعه مفارقة صارخة و«ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه» فهي ترعى من ناحية المواسم الصوفية وفي الوقت نفسه ترعى مهرجانات الرقص والمجون والميوعة ,وتصرف عليهما (المواسم والمهرجانات) الاموال الطائلة التي كان بالامكان استثمارها في اقامة مشاريع اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع على هذه الطبقة الفقيرة المستضعفة التي تغشى هذه المواسم.
كما تتغاضى السلطة عن الكثير من المخالفات القانونية والدينية والاجتماعية ولكن اذا ظهرت الأسباب زال الاستغراب فمن وراء هذه التنازلات تحقق السلطات مافي نفسها من حاجات وتقضي مارب شتى منها الالهاء والاخضاع والتفرقة وضمان الولاء وكسر شوكة الحركات الاسلامية التي تغرد خارج السرب وحماية الوضع الفاسد وضمان استمراره وتوسيع رقعته وقتل الحس النقدي الاحتجاجي وترسيخ ثقافة الانحلال الخلقي وانتاج مجتمع مستهتر بالقيم غارق في الشهوات وتجفيف منابع التدين غير الرغوب فيه بالتطبيع مع الفساد والتفسخ المجتمعي وكذلك من أجل اظهار البلد بمظهر الدولة المنفتحة المتسامحة التي تكفل الحريات وتحترم الخيارات التعبدية وان باحتضان المتناقضات.

أحمد هيهات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل