الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دمعة تزن أطنانا

مفيد بدر عبدالله

2014 / 9 / 28
المجتمع المدني


البعض من إخوتنا لا يستبقوا العيد بزيارة للأسواق التجارية التي تعج هذه الايام بالمتبضعين ليفرحوا ومعهم أطفالهم بالملبس الجديد، ولا تكون وجهتهم (المولات)المكيفة مثل الميسورين، بل لهم أسواقهم الهادئة والتي تفرح أطفالهم وتكفكف دموعهم فيشتروا جديدهم مما كان في مزابل البلدان الأخرى، تصلنا وتنثر على الأرض، بعضه لا يصلح حتى لتنظيف زجاج السيارات أو مسح البلاط (ملابس البالات) والتي تحمل الكثير من البقع وبقايا قطرات الدم الجافة، فيرقع الممزق منه ليستر الأجساد المنهكة .
وانا أمر قرب سوق البالات نظرت المتبضعين وبصحبتهم اطفالهم وهم منهمكين في اختيار الأجود، أعادني منظرهم بذاكرتي لسنين الحصار اللعين في تسعينيات القرن الماضي، فتذكرت أيام كانت أسواق (البالات) ملاذا للكثيرين وأهمهم الموظفين، الذين كان لهم السبق في تطبيق إحدى الظواهر الشائعة آن ذاك، ظاهرة( قلب الملابس على الوجه الآخر) بعدما يكلح الوجه الاول ومنهم انا، كنا نتزاحم حول الخياط ليقلب لنا البنطلون على الوجه الآخر، فيفرحنا كالجديد، كم تمنيت أيامها ان يكون للبنطلون وجه ثالث، ولت تلك الأيام السود بنشوء العراق الجديد والذي دخله البعض والآخر لازال خارج الأسوار، يطرق الأبواب بأيد متعبة خشنة الملمس من الأعمال المجهدة ونظرات خجلة ملؤها الحيف، يتوسل بصوت مبحوح يحمل نبرة مواويل الحزن العراقية، الغريب أن من خارج الأسوار هم من كانوا بالأمس وقودا للحروب (ولد الملحة) ولم يكن بينهم آن ذاك لا ابن وزير ولا سفير أو حتى مدير عام، واليوم يتدافع أبناءهم على مراكز التطوع ونال كثير منهم الشهادة وهم من يسكنون البناء العشوائي (الحواسم) بعد أن تقطعت بهم السبل فتقض مضاجعهم كوابيس الجرافات خوفا من أن تقتلع حلمهم البسيط ووجودهم فتجهز على لبنات أعشاشهم المتهالكة المغطاة بالصفيح، ولازالت أداة البعض منهم الى اليوم الدابة لنقل المياه التي استخدمت في عصور ما قبل التاريخ متناسين أنهم مثل الآخرين لكل منهم صحيفة في سجلات النفوس ويسيرون على ذات الأرض التي حوت كل خيرات الدنيا، لكن ما يهون عليهم عالمهم الجميل، رغم صعوبته لكنه وبسيط، بعيد عن السياسة وتعقيداتها وما تجلبه من خلافات وعقد وأمراض فقلما تجد بينهم من يعاني من الامراض المزمنة كالضغط والسكري فانعم الله عليهم بالكثير ووهبهم مناعة عجيبة ليواجهوا رطوبة بيوتهم المتهالكة ويواجه بها أطفالهم خطورة لعبهم بملاعبهم "المياه الآسنة"، ولولا تلك المناعة لانقرضوا فهم لا يجرون الفحوصات الدورية ولا تنقلهم طائرات خاصة للعلاج والاستجمام بخيرات نفطنا، فالوسادة وحدها من تعرف حزنهم وتتلقى دمعتهم التي تزن عند الله أطنانا فهم كانوا ولازالوا يحلموا بالعراق الجديد، عراق يغادرون فيه أعشاشهم الى دور تليق بهم كعراقيين، عراق يغادر فيه أبنائهم تسول التقاطعات متجهين إلى المدارس، ليرددوا ما يردده في اماكن تسولهم أناشيد ترتل الحب أنغاما للعراق، فهم أكثر من هزجوا ورقصوا حبا للعراق في أفراحه وابكتهم أحزانه وويلاته، هم من تعلمنا منهم ان حب الأوطان لا تصنعه المنافع والمكاسب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الداخلية التركي: اعتقال 41 شخصا لـ-الاشتباه في صلات تر


.. المنظمة الدولية للهجرة تحذر من ارتفاع عدد اللاجئين السوريين




.. ممثل أميركا بالأمم المتحدة: أمن إسرائيل أولوية لواشنطن


.. تغطية خاصة | حرية التعبير المزعومة في أميركا تسقط داخل حرم ا




.. This Ukrainian building known locally as -Harry Potter castl