الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي تقدّمه الرسوم المتحركة (الكرتون) للأطفال ؟

حمودة إسماعيلي

2014 / 10 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جميل هو عالم الأطفال، بريء، نقي، سامي، وممتع. فإذا كنت تثق بهذا الكلام فيا لبرائتك أنت كذلك ! إن ذلك لا ينطبق على الأطفال، لماذا ؟ كتفسير سريع كي لا يأخذنا بعيدا عن الموضوع، هو أن الأطفال إذا لم يكونوا نسخة مصغرة عن والديهم، فهم منتوج ثقافي للحي : فيمكن أن تحكم عن البيت أو الحي من خلال الأطفال، الأماكن الفوضوية يكثر فيها صراخهم ولعبهم العشوائي كتفكير والديهم !

إن الجملة الأولى بالموضوع تنطبق على الرسوم المتحركة، الأطفال في الرسوم المتحركة يبدون كذلك، بريئين ولطيفين ويحبون الخير والمساعدة، والأهم من ذلك أنهم لا يتفوهون بكلمات بذيئة (خاصة في الترجمات العربية التي تجعل أصوات الأبطال تبدو خنثوية أكثر منها بريئة). إن السيء في الأمر، هو حينما يبني الطفل ثقافته عن العالم من خلال الرسوم المتحركة، ما يعني أن العالم الذي يشاهده في التلفاز : عالم وردي وجميل ومريح، حتى الأشرار فيه لطفاء وأغبياء لدرجة غير معقولة، لكن العالم الواقعي يختلف عن تصوراته الكرتونية، فهناك شخص كبير وعاقل قد يستغله جنسيا، وهو الأمر الذي لم يسمع به الطفل أو يعرف كيف يتعامل مع الموقف إذا حدث (هذا إذا استطاع أن يميز ما يحدث) : طالما أن في الرسوم المتحركة التي تشبه العالم ـ أو العالم بالنسبة له ـ لا يحدث فيها ذلك.

بالنسبة للجميع من الجيل الحالي، أو السابق أو حتى السابق عنه، تربوا على صور الرسوم المتحركة، حتى تداخلت العوالم الكرتونية بعالمهم الواقعي في صغرهم (وأعرف من كبروا ولايزال يتداخل لهم الكرتون بواقعهم !). لهذا، وطالما أن الإنتاج الكرتوني يحافظ على نهجه برسم عالم يوتوبي مثالي للأطفال (لا يقوم فيه الأشرار بأكثر من سرقة البوظة أو لوح التزلج..) يجب إفهام الأطفال، أن الواقع يختلف عن الكرتون، ففي العالم الواقعي هناك البيدوفيلي واللص، بل هناك من الأطفال المستعدين للاعتداء على زملائهم وسرقة أغراضهم واستغلالهم مالياً، وتحريضهم على القيام بأمور سيئة، وهناك من الكبار من يكرهون الأطفال ولا يتحدثون سوى بالعنف وهناك المستعدون لخداعهم عند تعاملهم (فليس بائع الكرتون كالبائع هنا !). والأهم من ذلك إفهام الطفل أن شخصيات الكرتون أكثر ذكاء من الناس الواقعيين، فلا يجب أن يهتم بما يقوله له سكان الحي فبمجملهم أغبياء ! فالطفل يربط نتيجة التربية المشوّهة ضخامة الفكر (الذكاء) بضخامة الجسد ! .

إن علاقة الكرتون بالعالم الواقعي هي أنه طريقة تعويضية صُنعت لأجل الطفل، حتى لا يكره العالم منذ صغره، على الأقل حتى يتجاوز سن مراهقته !

ليس للرسوم المتحركة من سن، ليس بالضرورة أن تكون طفلا لتشاهدها، الإشكال هو في أن الطفل يُسقِط تلك الرسوم على الواقع. لقد تنبهت اليابان لهذا الأمر لدى صناعتها للمانغا Manga، وهي رسوم متحركة موجهة للكبار (أكبر نسبيا من الأطفال) وفيها يتم إنتاج مواضيع معقدة تتضمن صراعات تفضح الواقع بما فيه من شرور واستغلال وأحقاد واعتداءات، بذلك يحاول الأبطال فرض عالمهم المثالي ورؤيتهم البريئة في القصة.. وهذا ما يجب أن يتعلمه الأطفال (مع التركيز على فرض المثالية وهي رؤية تشاركية نسبية تساهم في إسعاد الجميع، وليس الرؤى الخاصة السخيفة كداعش والقاعدة وما سواها من جماعات المانغا التي جاءت من العالم الآخر !).

إن ما لا يعيه كثير من الناس (وهي نقطة جد مهمة)، هو أن جزء من رغباتهم وأحلامهم وأمانيهم ومخاوفهم ساهمت فيه تلك الرسوم المتحركة التي شاهدوها وهم أطفال صغار. أيضاً يخرج الطفل من عالم الكرتون ليتلقى صدمات واقعية متتالية كأنه ولد للتو ! هذا إذا لم يتقهقر (وهو الحصر السيكولوجي) ليعود للطفل الذي تركه بالطفولة متشبثا به لسنوات مستقبله المقبله، هذا ما يجعل كثير من الناس من حولنا يشعرونك وكأنهم لم يتجاوزوا سن الرابعة عشر عقلياً ـ أجساد باتمان، عقول السنافر !

يأتي سؤال هنا : قبل الرسوم المتحركة هل كان الأطفال أفضل ؟ ليس بالضرورة لأن القصص الخرافية والحكايات والأساطير الدينية كانت تتكلف بالأمر، بتشكيل مخيّلة وعقلية أسوء مما يقوم بعمله الكرتون. فتلك الخرافات تلتصق بعقله كأنها هبة ربانية ! فهو لم يشاهد أطفالا ملونين بالتلفاز يحكون عن ذلك، بل سمعه من كبار يبدون عقلاء ! والأطفال يصدقون مجمل ما يقوله الكبار. وما يصدقه الناس في صغرهم، يتطلب ثورة وتمردا لنسيانه بالكبر، فذلك يعتبر ـ لاشعورياً ـ تمرداً على الماضي وتكذيباً لمن كانوا يتلقون من الطفل الاحترام والاندهاش والتبجيل. يصبح هنا تكذيب المخاوف والسخافات ذنبا عظيماً !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة