الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فريدريك نيتشة – الثقافة والأخلاق

محمد زكريا توفيق

2014 / 10 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات




بداية كتابات فريدريك نيتشة، كانت ضد العقلانية وفلسفة سقراط. كانت تفضل عليها الإلهام وشهوانية الفن الدايونيسي الجمالي. في كتابه "هذا هو الإنسان" المنشور عام 1878م، نرى أن نيتشة يزداد انفصالا ونقدا للعقلانية والفكر الأرسطي.

في عام 1870م، تطوع نيتشة للحرب التي كانت قائمة بين فرانكو وبروسيا، وكان مكانه في الخدمات الطبية. لكنه أصيب بمرضي الدسنتاريا والدفتيريا، مما جعله يمرض ويقضى فترة نقاهة طويلة. وكان نيتشة يرفض الوطنية المحمومة للرايخ الثاني، لأنه كان يعتبرها انتصارا للثقافة المثالية الألمانية.

كان يرى أن قوة بروسيا الحالية، تشكل خطرا داهما على الثقافة الحديثة. مثل الخطر الذي يشكله التاريخ والماضي على الحاضر. لماذا؟ لأنه يخلع ثوب المثالية والعظمة على أمم قديمة بالية، ثم يجبرنا على تقليد ثقافتها الميتة. هذا يشبه الخطر الذي يشكله التاريخ الإسلامي السلفي على واقعنا المعاصر.

يقول نيتشة، إن الإنسان الحديث ليست له ثقافة يمكن أن يدعي أنها ثقافته. لكننا نملأ حياتنا بعادات غريبة عنا. نستخدم فنونا وفلسفة وديانات وعلوما، كلها أشياء لا تخصنا. نستخدم ونسيء استخدام التاريخ. نهضم الماضي ونجعله يملأ رؤوسنا وعقولنا، لكي نبني به حاضرنا وحضارتنا. التاريخ عبء ثقيل مميت لحاضرنا ومستقبلنا.

يقول نيتشة إن التعليم بصفة عامة يعطينا معلومات عن الثقافة، لكنه لا يثقفنا كما يجب. الإنسان المتعلم حسب مفهومنا، هو الإنسان الذي يحفظ الكثير من المعلومات التاريخية، بدون أن يحيا حياة جمالية.

بمعنى أن التعليم يركز على التفاصيل الدقيقة التاريخية، فيفقد بذلك الشخص المتعلم الموضوعية. هذا يعطل نمو الإنسان الوجداني ونشاطه الخارجي. الإنسان يمكنه أن يكون إنسانا متعلما، بدون معرفته تفاصيل أحداث التاريخ بالمرة. إذا أردنا أن نبني ثقافة جمالية حيوية، علينا أن نكون أقل تعليما بالمعنى التقليدي للتعليم. كلام يحتاج إلى شرح.

الثقافة والإيمان والقيم التي تشكل المجتمعات، لا يمكن بناؤها بالتعليم وحده. الشعوب العظيمة تنتج عادة جهابذة، لكن يحدث هذا بكثرة عندما تكون الدولة أقل تدخلا في أسلوب تعليم الأفراد. الثقافة والدولة أعداء ألداء.

في الواقع، كل فترات الثقافة العظيمة، هي الفترات التي تضعف فيها سلطة الدولة ويضعف معها تحكمها في الأفراد. السلطة السياسية والإقتصادية وسلطة البرلمان أو الكنيسة أو الأزهر أو الجيش، عادة تضعف مستوى الثقافة عند الأفراد.

لكن كيف نصلح من شأن الثقافة الألمانية وننتشلها من الحالة البائسة التي تغوص فيها؟ من المضحك أن الإصلاح يأتـي عن طريق هؤلاء الذين لا نعيرهم انتباها، وهم الشباب.

في البداية، سيكونون أكثر جهلا من طبقة المتعلمين الحاليين. لأنهم لم يتعلموا ما فيه الكفاية، كما أنهم ليست لديهم الرغبة في مناقشة ما ينقصهم من تعليم. ستنقصهم المعرفة، وتصيبهم اللامبالاه وصعوبة الوصول للجيد والصالح من الأشياء.

حينئذ، يكونون مستعدين لبناء ثقافتهم الجديدة على "مية بيضة" كما نقول بالبلدي. بدلا من السير على نهج الثقافة القديمة، وبلعها كما يبلع التمساح فريسته، ثم يصاب بالتخمة، فيخلد للكسل والراحة.

كلام نيتشة هنا يذكرني بالقصة التالية:

ذهب أحد علماء الغرب إلى الهند طالبا الحكمة من ناسك يعيش فوق هضبة التبت. يلتحف بقطعة قماش حول وسطه، ويقتات بالماء وفتات الخبز.

عندما رأى الناسك الضيف، وبعد أن سأله عن مراده، قدم له كوبا من الشاي. أخذ يصب الناسك الشاي فى الكوب حتى ملئ الكوب وبدأ يسيل من جوانبه.

لكن الناسك مستمر فى صب الشاي فى الكوب. فقال له العالم: "ياسيدي، لقد ملئ الكوب ولم يعد يقبل المزيد." فأجابه الناسك على الفور: "هكذا يمتلئ عقلك بالأفكار السابقة. كيف أعلمك شئ وعقلك، ممتلئ مثل هذا الكوب، ولم يعد يقبل المزيد."

هذا هو السبب فى أن الأفكار الجديدة تجد صعوبة بالغة لكي تجد لها مكانا بين الأفكار القديمة الراسخة فى عقول الناس. هذا ينطبق على النظريات العلمية وعلى الأديان والعادات والتقاليد.

هذا هو السبب في معارضة نظرية التطور لداروين. لأن الكوب ليس فارغا بحيث نستطيع أن نرى ما قد رآه داروين. العقيدة والمعلومات القديمة، دائما تقف حجر عثرة فى طريق الفكر الجديد.

التخلص من القديم، وعدم المبالاه بالتاريخ والتعليم، سوف ينتج عنه ثقافة حقيقية حيوية، تمثل حرية النفس والروح. وبعد العلاج والشفاء، يصبح هؤلاء رجالا مرة أخرى، لا مجرد ظلال آدمية تمشي على قدمين.

لقد سلك نيتشة هذا المنحى، لكي يشفي نفسه من سقامها. هذا هو الطريق الوحيد الذي استطاع عن طريقه تحقيق اسلوبه النقدي للجيد والمهم من الأشياء. مما تسبب في ثورة فكرية جديدة في المعرفة والأخلاق وسيكلوجية الإنسان.

هدف الإنسانية، كما يقول نيتشة، لا يتحقق في نهاية الزمن، وإنما في الوصول بالإنسان الآن إلى أعلى المراتب. إذا كان للإنسان أية قيمة، فقيمته تقع في الأعمال الثقافية التي ينتجها عباقرة مفكرين عصره، لا مفكرين ومفسرين ومشايخ من عصور بالية.

إذا كانت الثقافة هي هدفنا الأسمى، وجب علينا فهم معنى الوجود (الميتافيزيقا). لكن، هل يأتي الفهم عن طريق العقل وحده؟ إذا كانت معرفتنا بالعالم الميتافيزيقي ومعنى الوجدود عن طريق العقل أو الرأس وحدها، فماذا يكون عليه هذا الوجود، عندما تقطع هذه الرأس؟

الإجابة على هذا السؤال، هي ببساطة خارج قدرة الإنسان. هذا السؤال تاريخيا، شغل بال الفلاسفة لمدة طويلة. لكن ما هي الفائد من فهم أو قبول وجود عالم الميتافيزيقا هذا؟

بالتأكيد ستكون معرفتنا بعالم الميتافيزيقا، في هذه الحالة، هي معرفة عديمة الجدوى. مثل معرفة التركيب الكيميائي للماء (يد2أ)، لرجل يغرق.

لماذا؟ لأننا ورثة عالم محسوس فيزيائي. داخله فقط تنحصر وتتشكل حياتنا وآمالنا وأفكارنا ورغباتنا. في هذا العالم الفيزيائي، يأتي نقد نيتشة الذكي الذي سيكون له أكبر الأثر في تشكيل الفكر المعاصر.

هنا يهتم نيتشة بفلسفة عمانويل كانط (1724-1804م). كانط هو أعظم الفلاسفة المثاليين الألمان. الفلسفة المثالية هي الفلسفة التي تعتبر أن حقيقة الكون عبارة عن أفكار وصور عقلية، وأن العقل وحده هو مصدر المعرفة.

فلسفة كانط ترجع جذورها إلى أفلاطون، الذي يبحث عن الحقيقة المطلقة في عالم المُثل، وهو عالم خارج هذا العالم المحسوس. شوبنهاور لديه مثل هذا العالم الغير محسوس وأسماه عالم الإرادة.

العالم المحسوس، أي الذي تدركه حوسنا، عند كانط هو "فينومينا"، والعالم الغير محسوس "نومينا". هذه المفاهيم، تجاوزت كل الثقافات والأفراد، بل تجاوزت التاريخ نفسه.

لأننا مقيدون باستخدام العقل والحواس، لن يكون في استطاعتنا أبدا معرفة العالم الغير محسوس "نومينا". وبالرغم من ذلك، يصر كانط على وجود هذا العالم. هو يعتقد أننا معزولين عنه وممنوعين من معرفته بسبب حواسنا.

حواسنا تعمل مثل النظارة المطلية باللون الوردي، تجعل المرئيات كلها وردية اللون. نظارة الزمن ونظارة المكان، لا نستطيع منهما الفكاك. فهما يضعان حائلا يمنعنا من المعرفة الحقة. لذلك، يقول نيتشة، سوف أرفض ميتافيزيقا كانط. وسأقصر بحثي على ما نستطيع معرفته وفقا لقدراتنا.

ما الذي يفصل نيتشة عن كانط؟ هو مفهوم "التغير إلى"، أو "الصيرورة إلى"، عن طريق الزمن والمكان. يقول نيتشة إننا لسنا بحاجة إلى وجود عالم خارج نطاق الزمن والمكان. لسنا في حاجة للميتافيزيقا. لأنها لا تزيد عن كونها غضبة الفلاسفة لعدم ادراكهم للحقيقة. مفهوم "التغير إلى" عند نيتشة، سوف يقودنا إلى مفهوم "كن كما هو أنت"، ثم إلى مفهوم "السوبرمان".

كانط يقدم لنا مصيبة أخرى، من وجهة نظر نيتشة، وهي فلسفة الأخلاق. هي مفاهيم الضرورات الحتمية (Categorical Imperative). يقول كانط إن الإنسان يحتل مكانا رفيعا بين المخلوقات. الأخلاق يمكن حصرها في مجموعة وصايا حتمية يحكمها العقل. بها يجب أن نلتزم ونطيع.

نظرية كانط في الأخلاق، تبين تأثره بالفكر المسيحي. لكن محاولته جعل "الواجب" عملا منطقيا، وليس مجرد أوامر إلهية. وضعته بين مفكري عصر التنوير. حيث نجد أن سبب الأخلاق علمي عقلاني لا ديني.

القيم الخلقية يمكن استنتاجها بالعقل فقط. يقول كانط، علينا أن نتصرف كما لو كانت الحكمة من تصرفاتنا، هو عمل قوانين عالمية لكل الناس، بدون أن تتعارض مع المصلحة العامة.

نحن كمخلوقات عقلانية، من واجبنا طاعة هذا المبدأ. وسأقوم بشرح فكرة كانط هذه في الأمثلة الآتية:

لنفرض أنك قد استلفت من صديق لك 5 جنيهات. ولنفترض أن الصديق لم يراع أصول الصداقة، وقام بالمطالبة بالمبلغ وملاحقتك ومضايقتك. مما جعلك تقول فى نفسك، لو قمت بقتل هذا الصديق الرزل، سيكف عن ملاحقتي ومضايقتي، وأفوز بالخمس جنيهات.

لكن كمعجب بفلسفة كانط وملتزم بأفكاره، سوف تختبر تعميم مبدأ القتل عالميا. وتسأل نفسك، ماذا يحدث لو لجأ كل واحد منا، إلى قتل الآخرين، لتحقيق أغراضه؟ طبعا هذا من الجنون. لأنه لن يبق أحد يمكن أن نطبق عليه القانون الأخلاقي.

ماذا بالنسبة لنقيصة "الكذب"؟ هل يمكن أن أعمم مبدأ الكذب وأن أجعل منه مبدأ عالميا؟ كيف يستقيم أي شئ، لو كانت كل الناس شيمتها الكذب؟ الأخبار في الصحف ومحطات التليفزيون والراديو، كلها كذب في كذب. تصريحات المسؤولين كلها كذب. نصائح المحامي أو الطبيب، كلها كذب. هل يستقيم أي شئ؟

إذا كان القانون العالمي هو "كل واحد يقوم بالنصب والسرقة". هذا أيضا غير ممكن. لأنه سوف يخل بمبدأ الملكية الخاصة. ويصبح كل واحد منا، قادرا على الاحتفاظ بما في يده، طالما يستطيع الحفاظ عليه وحمايته. أي يجعلنا نعود إلى قانون الغاب.

يقول كانط، علينا أن نعامل الناس كما نحب أن يعاملوننا. كانت المبادئ الأخلاقية لكانط، لها تأثير عملي كبير بالنسبة لقضايا المساواة والتفرقة بسبب الجنس أو الدين أو العرق.

كان كانط، حريصا على أن يجعل التمسك بالأخلاق القويمة، نوع من الواجب الإنساني. فعل الصواب كواجب في رأي كانط، أفضل بكثير من فعل الصواب تحت تأثير الشفقة أو العطف.

مبادئ كانط الأخلاقية مستقاه من العقل، وليست من الكتب المقدسة. دافعها الواجب نحو الإنسانية، وليس الخوف من عذاب النار، أو الطمع في ثواب الجنة والحور العين.

لأن المعرفة الإنسانية محدودة، كما يقول كانط، فالإخلاق يجب أن تتعدي النظرة الضيقة التي تنحصر في المنفعة الشخصية.

لكن نيتشة لم تعجبه فلسفة كانط في الأخلاق. يسميها "التعصب الأخلاقي". إنها تبين غريزة كانط الدينية.

الذي يحطم الإنسان ويذله، بأسرع مما تظن، هو شعوره بالخواء الداخلي. هذا الشعور، يجعله قليل الحيلة عديم النفع، ليست له خيارات هامة، يعيش بدون هدف وبدون سعادة وبهجة، إنسان آلي مبرمج لتأدية الواجب فقط. الفضيلة يجب أن تكون من اختراعنا نحن، تنبع من حاجتنا ورغبتنا في الدفاع عن أنفسنا.

هذا يقود نيتشة إلى بيت القصيد. الأخلاق لا يجب أن تعتمد على العقل وحده. لأنها لو كانت تعتمد على العقل وحده، فعقلي ليس مثل عقلك. بتعدد العقول تتعدد القيم الخلقية.

يقول نيتشة أنه على كل واحد منا يجب أن يبني عالمه الأخلاقي بنفسه، هذا هو ضروراته الحتمية. الناس تهلك إذا أخطأت وامتثلت للواجب العام بدلا من واجبها الخاص. فلسفة كانط الأخلاقية، فلسفة خطرة.

وللحديث عن نيتشة وأعماله بقية، فإلى اللقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فريدريك نيتشه
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 2 - 22:03 )
- إن الحالة التي لا نشعر فيها بالألم . هي التي كان أبيقور يعلنها هي الخير الأسمى ويتقاسمها مع الآلهة . خلال اللحظة التي تستغرقها هذه الحالة نتحرر من إكراه الإرادة الشنيع . نستريح من عناء الأشغال الشاقة التي تعاقبنا بها الإرادة وتتوقف عجلة إكسيون - إنتهى كلام نيتشه .
- إكسيون ملك حكم عليه جوبيتر بأن يربط إلى عجلة تدور دون توقف . وجوبيتر هو إبن زحل رب الآلهة والناس وهو كذلك رب النهار عند الرمان .
- أبيقور 341 - 270 قبل الميلاد . صاحب مذهب البحث عن اللذة التي تجلب الخير والسعادة للإنسان وتأتي في المقام الأول اللذة الروحية العقلية الناتجة عن الفضيلة . وقد عاش هذا الفيلسوف حياة تقشف وإعراض عن الملذات التي لا خير فيها . لكن أتباعه شوهوا مذهبه بطلبهم لكل الملذات .
فريدريك نيتشه شن حربه ضد الأخلاق وخصوصا الأخلاق المسيحية . كما هاجم كانط هذا المسيحي الماكر الذي خلق نظرية الواجب لكي يعطي لرؤيته الفلسفية مسحة ذاتية كانطية خالصة . فالأخلاق عند الفيلسوف


2 - فريدريك
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 2 - 22:05 )
نيتشه هي مجرد ثورة العبيد على الأسياد . فعندما تقول المسيحية بأنني أعفو عليه . تترجم عند نيتشه على الشكل التالي -;- - إنني لا أستطيع الإنتقام ولهذا أنا أعفو عليه - ونيتشه لم يهاجم الأخلاق المسيحية فحسب فهو أيضا هاجم علماء النفس الإنجليز الذين وضعوا تاريخ أصوا الأخلاق . ويتساءل نيتشه بخصوص هذا الأمر من وجهة نظر هؤلاء العلماء الإنجليز ويتهمهم بتهم متعددة ومختلفة ويصفهم بالخيانة وبالغريزة الخفية والمنحطة . نيتشه هاجم الجميع فهو الذي يقول -;- - لقد خرجت من مجمع العلماء غاضبا ومصفقا الباب من ورائي - . نيتشه أعلن الحرب على العالم بأسره وأعلنها على تابعيه قائلا -;- لا أريد مجرد أتباع فقط يتبعونني بل أتباع يتبعون أنفسهم قبل أن يكونون أتباعي . ولهذا كانت فلسفة نيتشه صعبة الترجمة إلى لغة أخرى غير الألمانية وقد قيل أيضا بانها عبثا أن تترجم إلى الألمانية . فأنا شخصيا قرأت كتابه - هكذا تكلم زرادشت - ترجمة فليكس فارس . ولما قرأت نفس الكتاب بترجمة لشخص آخر كان على أن أرمي الكتب من يدي . وللحديث بقية .


3 - فريدريك
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 2 - 23:48 )
نيتشه يعتبر الأحكام التي نزن بها أعمالنا بصفتها حسنة وخيرة أو سيئة وشريرة هي أحكام بشرية وإنسانية أطلقها عليها المتميزون والأقوياء الذين رفعهم وضعهم الإجتماعي وسمو روحهم واعتبروا أنفسهم صالحين . فهم من حكموا على أعمالهم بأنها حسنة أي بمقابلتها لكل ما هو سافل وحقير وعامي ورعاعي . ومن أعلى هذا الإحساس بالفارق إستأثروا بحق إبتكار القيم وتسميتها فما يبالون بالمنفعة . إنهم لا يعرفونها تماما . ووجهة نظر المنفعة غير مناسبة هنا بتاتا . فالحسن والقبيح يحدد من طرف الأقوى والأعلى في هرم طبقات المجتمع يقول نيتشه . فالأحكام طبقية ونيتشه يرى الأحكام الصحيحة صادرة من الأعلى وليس من الحضيض ولهذا يرى الأخلاق المسيحية ثورة العبيد على الأسياد . وبلغة نيتشه أن الغريزة القطيعية هي التي تؤول إليها الكلمة في نهاية هذا التناقض . ويمر كثير من الوقت قبل أن تتحول هذه الغريزة إلى سيد . فيظل التقييم الأخلاقي عالقا في حبال هذا التناقض في حين رؤية - كانط - للأخلاق تجعلنا ندرك قيمة الأخلاق ليست في نتيجتها بل في الإرادة التي تقوم عن حسن نية بذلك العمل الأخلاقي بغض النظر عن نتيجته .


4 - فريدريك
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 3 - 00:00 )
المسألة جد معقدة ولسيما في وقتنا الراهن الذي انتشرت فيه الفوضى والغوغائية الناتجة عن شيوع الديمقراطية وارتفاع منسوب الشعوب على منسوب طبقية النبلاء والأريستوقراطيين وأصبح الإصلاح منبثقا عن الطبقات الدنيا وليس حصرا على النخبة . لكن لعل هذه الفوضى الخلاقة تكون إيجابية لكل الناس رغم تكلفتها الباهضة الثمن . والشعور الطبقي لدى طبقة النخب يوجد أيضا في الطبقات الدنيا حتى وإن كان بشكل مختلف . ونيتشه أدرك هذا التفاوت في القيم الإنسانية فقال مقولته المشهورة -;-
- العدالة علمتني أن لا مساواة بين الناس - ومع ذلك فالمساواة كلمة لازالت رنانة ولها أبعادها القيمية
والأخلاقية في ضمير البشرية . وهي أي المساواة سائدة وتتمتع بالصوابية في لغة الضمير الإنساني رغم أنها منطقيا وطبيعيا غير ممكنة التحقق .
نيتشه فيلسوف النخب ولا نقصد هنا بالنخب المتعارف عليها طبقيا بل القصد هو النخب الإنسانية في عالم المعرفة والحكمة المرحة كما يسميها الرجل عن قصد وسبق الإصرار . وللحديث بقية .


5 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 10 / 3 - 01:25 )
الأخلاق موضوعية لا ذاتية , فهي لا تعتمد على رغبات البشر أو نزواتهم فالخير ؛ خير عند الصالح و الطالح و الشر ؛ شر عند الصالح والطالح , فالأخلاق تعتمد على شيء (خارج الذهن البشري) , تعتمد على إرادة الله التي يريدها لهذا العالم , فالأخلاق لها غرضية كونية يُفترض فيها (الإستقلال) عن أفكار البشر و رغباتهم , و القيم الأخلاقية يعتنقها كل إنسان بوعي أو بغير وعي .
يرى [جون لوك] -مؤسس الدولة المدنية- في رسالته في التسامح أن (الملحد) غير مقبول في المجتمع المدني، يقول : (لا يمكن التسامح على الإطلاق مع الذين ينكرون وجود الله , فالوعد و العهد و القسم من حيث هي روابط المجتمع البشري ليس لها قيمة بالنسبة الى الملحد، فإنكار الله حتى لو كان بالفكر فقط يفكك جميع الأشياء) .
المصدر : كتاب : (رسالة في التسامح ص57) لـ[جون لوك] .


6 - فريدريك
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 3 - 07:38 )
سأناقشك ياسيد عبد الله خلف في هذه النقطة بالذات التي تطرقت إليها وقلت عنها مستندا إلى جون لوك
بأن الأخلاق موجودة خارج الذهن البشري
وتعتمد على إرادة الله
طيب أليس ما تقول كان من الضروري أن يكون موحدا عند كل المخلوقات ما دامت هذه المخلوقات من إله واحد ؟
ولما كان على الله أن يرسل وسطاء فقط ليخبروا الناس بوجوده ؟
أليست هناك طريقة أخرى لفعل ذلك ومباشرة أو أن يكون الخلق مبرمج بالفطرة على فعل الخير ؟ وأن يسحب العقاب لأنه في الحالة التي تربطنا بالله لا تحتاج لكل هذه السادية التي ترهن الإنسان الخاطيء للنار والخلود في النار بينما المسألة محسومة ومحسوبة بفعل إلهي ؟
ثم أن الملحد حقيقته ليس كما تراه أنت بل الملحد إنسان مشكلته هي أنه يؤمن بالله أكثر مما ينبغي
وله فقط أسئلة على الله أن يجاوب عليها بهدوء وليس بغضب أو تشنج
فالمسألة هكذا لسبب بسيط وهو أن الإنسان المؤمن والملحد معا يدافعان عن مصيرهما وليس أكثر


7 - فريدريك نيتشه
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 3 - 07:46 )
تصور ياأخي عبد الله لو أن هذا العالم كله لو قام ذات صباح وثار على الإيمان ورفض أن يستسلم لأوامر الله المفترض
فهل تستطيع أن تخمن مالذي سوف يحدث ؟
هل سيبعث الله بجنود للقضاء على التمرد ؟
هل سيخسف بنا الكرة الأرضية لأننا عاقون ؟
بل بالعكس لن يحدث أكثر مما يحدث الآن
بل بالعكس سوف تكون ثورة شاملة فقط تغير الأوضاع لشأن جديد
وحياة جدية وجديدة تناسب فعل التطور نفسه
أنا لا أدعو إلى التمرد على الله
بل بالعكس فأنا أيضا مثلك أدعو الله حينما أكون في مأزق أو شدة أو أو أو وأخاطبه كما أخاطب حقيقة ماثلة أمام عيني ومع ذلك لدي أسئلة متوجهة إليه رغم أنفي
ولكنني حينما أفعل هذا أفعله في اتجاه قوة محتملة ومفترضة لا يمكن التحقق منها أو على الأقل قوة كامنة في داخلنا في أعماقنا
نحن من زكاها
الحياة فيها غموض وفيها أيضا وضوح
الوجود يعتمد ويقتات على التناقض والتفاعل والمؤمن والملح شخص واحد مثل الله


8 - فريدريك
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 10 / 3 - 07:56 )
الأشياء تكمل بعضها البعض ياعزيزي الأستاذ عبد الله خلف
كل شيء يعتمد على الخير والشر
على الماء والنار
على السماء والأرض
على العافية والمرض
إنها ثنائية أسميها أنا شخصيا ثنائية التجدد
من صميم الحياة في اتجاه الموت
فالله نفسه لكي يبدع عليه أن يبدع هذا التضاد
ولهذا أنا أنفي مسألة العقاب والثواب
كما قال نيتشه نفسه في هذا الخصوص

ما يؤلمني هو أن الثواب والعقاب دسا في أمر كل شيء
إنتهى كلام نيتسه

مما يعني في نظري أن تقييم الأشياء وولادة الأخلاق كلها من صميم التراب وليس من أفق السماء
ونحن نتغير باضطراد وبدون توقف
فتأمل معي كل هذه الإكتشافات لو طرحت من قبل على الأنبياء
كانت كفيلة بإفشال مخططاتهم
الأمور معقدة طبعا ولكي نرتاح ونستريح علينا بالإيمان بالوهم
أو حتى ولو كان وهما
لكن الإنسان العظيم هو من يختار الصعب
هذا من حقنا لأننا ندافع عن مصيرنا لأننا حقيقيون
والله هو القوة

اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة