الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسبيّة المعرفة الحسّيّة

محمّد نجيب قاسمي

2014 / 10 / 5
التربية والتعليم والبحث العلمي


تحليل نص : " نسبيّة المعرفة الحسّيّة" أبو حيان التوحيدي
النّصّ :
قال التّوحيدي في المقابسة الرّابعة والستّين من كتاب المقابسات :

سَمِعْتُ أبا سُليمانَ يقولّ : قال " أفلاطُنْ " : إنّ الحقَّ لم يُصبْهُ النّاس ُ في كلّ وُجوهِه ، بل أصاب منْه كلُّ إنسانٍ جهةً.
قال : ومِثالُ ذلك عُمْيانٌ انطلقوا إلى فيلٍ فأخذَ كلُّ واحدٍ منهم جارحةً منهُ فجسّها بيده ومثَّلَها في نفْسِهِ ثمّ انْكَفَـؤُوا .
فأخْبرَ الّذي مسَّ الرِّجْلَ أنَّ خِلْقَةَ الفِيلِ طويلَةٌ مُدَوّرَةٌ شبيهةٌ بأصْلِ الشَّجَرَةِ والنّخلةِ .
وأخبر الّذي مسّ الظَّهْرَ أنّ خِلْقَتَهُ شبيهةٌ بالهَضَبَةِ والرّابِيَةِ المُرْتَفِعَةِ .
وأخْبر الّذي مسَّ مِشْفَرَهُ أنّه شيءُ ليّنٌ لا عظْمَ فيهِ .
وأخبر الّذي مَسَّ أُذُنَيْهِ أنَّهُ مُنْبَسِطٌ رقِيقُ يَطْوِيهِ وينْشُرُهُ .
فَكُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ قدْ أدَّى بَعْضَ ما أَدْرَكَ . وكلٌّ يُكَذِّبُ صاحِبَهُ ويدَّعِي عليه الخَطَأً والغَلَطَ والجَحْدَ في ما يصِفُهُ منْ خَلْقِ الفيلِ.
فانْظُرْ إلى الصِّدْقِ كيفَ جَمَعَهُمْ وانْظُرْ إلى الخطإ كيف دخل عليهم حتّى فرّقَهُمْ.


أبو حيّان التّوحيدي ، المقابسات ، تحقيق محمّد توفيق حسين
ط. 2 ، دار الآداب ، بيروت ، 1989 ، ص 220

التمهيد:
ساهم المفكّرون العرب المسلمون القدامى في البحوث النّظريّة المتعلّقة بالمعرفة والعلم ومصادرهما وأحوالهما .واستناروا في ذلك بما نقلوه عن التراث الإغريقي عن طريق التّرجمة التي نشطت كثيرا في القرن الثالث للهجرة بعد تأسيس "بيت الحكمة " ببغداد زمن الدولة العباسية .

التّقديم المادّي:
يندرج النّصّ ضمن القسم الأوّل في البرنامج " جوانب من الحضارة العربيّة الإسلامية قديما " والمحور الأوّل منه " في التّفكير العلمي " .وهو مأخوذ من كتاب " المقابسات " لأبي حيّان التوحيدي
الموضوع :
يقرّ التّوحيدي بقصور الحواسّ عن إدراك المعرفة العقليّة الكلّيّة ويكشف عن مساهمتها في إنتاج الأوهام انطلاقا من مَثَل العميان الأربعة والفيل .
أقسام النّصّ :

معيار التّفكيك :

النصّ خبر يؤدّي وظيفة حجاجيّة .ولذلك نفكّكه وفق منهج الخبر وبنية النصّ الحجاجي.
القسم الأول : من بداية النصّ إلى قوله: " جهة": السّند أو الإسناد ويتمثل في تحديد سلسلة الرّواة
القسم الثّاني : بقية النصّ : وهو الخبر / المتن .ويمكن تقسيمه داخليا كما يلي :
أ – قول أفلاطون : ويمثل الملفوظ الحجاجي ( المعطى) : نحن لا ندرك الحقيقة الشاملة
بل ندرك جزئياتها
ب – حجج الدّعم ( الضّمان ) : حكاية العميان الأربعة والفيل
ج – النتيجة/ الاستنتاج: الجزئيات تكوّن الكليات
التحليل المفصّل:

الخبر :
أ - السّند :

النصّ خبر تمّ تناقله بالرّواية الشّفويّة ( سمعت ) والمكتوبة / المقروءة عن أفلاطون
"سمعتُ " : ينقل التوحيدي وهو أبرز أدباء القرن الرابع للهجرة ومفكّريه عن شيخه أبي سليمان المنطقي عالم بغداد الشهير في المنطق والحكمة والفلسفة .وهذا يعكس انتشار حلقات العلم والمعرفة عصرئذ.
أفلاطون : هو فيلسوف يوناني مشهور عُرف بمحاوراته الفلسفية وبمثاليته وبكتابه " الجمهورية " وآرائه عن المدينة الفاضلة . وذِكْره في هذه " المقابسة " الرابعة والستين من " مقابسات" التوحيدي مظهرٌ من مظاهر انتقال المعرفة من اليونان إلى العرب المسلمين عن طريق الترجمة ممّا يدلّ على الحركيّة الفكريّة الكبرى آنذاك والمساهمة في نشر المعرفة الإنسانيّة وإنتاجها.
←-;- أطراف الخطاب في النّصّ : التوحيدي وأبو سليمان المنطقي وأفلاطون : هم من كبار المفكّرين في الحضارتين الإغريقية والعربية الإسلامية ممّا يؤكّد الاطمئنان إلى الخبر المنقول من حيث سندُه سواء من جهة المصداقيّة أو الأهمّيّة .

ب - المـــتن :

يقوم المتن -وهو الخبر المروي – أساسا على الحكاية المثليّة . والأغلب أنّه حكاية متخيّلة لا حقيقيّة .وإنّما ورد ذكرها لغاية التّبسيط والتّوضيح وجعل المتلقّي أكثر قبولا للإستماع وأقرب إلى الفهم والاقتناع لا سيما وأنّ الأمر يتعلّق بمبحث حجاجيّ حول مسألة نظريّة مجرّدة حول الحقيقة واليقين واستحالة إدراك الكلّيات دون ربط بين الجزئيات والفروع.

بنية الحجاج :
الحجاج هو فنّ استعمال الحجج لتأييد أطروحة ( فكرة) أو دحض وجهة نظر أو الاستدلال على سلامة تصوّر أو إثبات صدقيّته . فهو الفنّ الذي يهدف إلى الإقناع أو التّأثير أو الحمل على التّصديق.
وبنية الحجاج : المعطى + الضّمان + النتيجة

أ - المعطى : وهو الأطروحة المدعومة في النصّ : " إنّ الحقّ لم يصبه النّاس في كلّ وجوهه بل أصاب منه كلّ إنسان جهة " .
←-;- جملة تقريريّة مصدّرة بأداة تأكيد (إنّ ) ويتخلّلها النفي ب(لم الجازمة) والإضراب ب (بل) . فنحن إزاء معطى مجمل باتّ مفاده أنّ النّاس قاصرون وهم متفرّقون عن إدراك الحقيقة اليقينيّة والإلمام بها من كلّ وجوهها .
ويُمكن، من خلال هذا، استنباط الأطروحة المدحوضة المنفية المستبعدة والقائلة ب"أنّ إدراك الحقيقة في متناول كلّ إنسان على حدة ".

ب – الضّمان : إنّ المعطى أو الحكم الذي أقرّه أفلاطون بصفة مجملة في حاجة إلى تفصيل وإلى حجج تدعمه وتكون بمثابة ضمان في يد المتلقّي للاقتناع به .

• حجّة المثال( analogie) : " ومثال ذلك " : تفصيل المجمل ( ذلك ) بمثالٍ لتقريب الفكرة من الأذهان .ولُبُّه حكاية العميان والفيل .وهؤلاء العميان فاقدون لحاسّة البصر و لديهم عائق في مصادر المعرفة وسيقتصرون في إدراكهم لحقيقة الفيل على حاسة اللمس وحدها . أمّا الفيل فهو حيوان ضخم يستحيل على الفرد الواحد بحاسّة اللمس فقط أن يتحسّس جميع أعضائه مرة واحدة.مما يكشف عن صعوبة المطلوب بل استحالته .
←-;-اقتصار كل فرد على تعريف حقيقة الفيل حسب ما وقعت عليه يداه ( قناة اللمس ). فالتّعاريف كلّها جزئيّة وهي بالتّالي " خاطئة " . بيد أنّنا لو جمعناها كلّها لأدركنا حقيقة الفيل . وهذه الحجّة تدعم المعطى النظري الأوّل

ج – النتيجة : " انظر " : أسلوب الأمر واعتمد لغاية تعليمية وفيه دعوة إلى النّظر والتّفكّر والاعتبار وجميعها من شروط بلوغ اليقين.
←-;- إنّ المعرفة الحسيّة هي معرفة نسبيّة ..بل إنّها توقع في "الوهم " ( l’ illusion ) الذي هو كلّ خطإ في الإدراك أو الحكم ناتج عن الانخداع بالظواهر .ويحصل الوهم عندما يتمثّل المرء في ذهنه صورا كاذبة أو ظواهر غير حقيقيّة يعتقد أنّها موجودة فعلا .ومثل ذلك رؤية العصا المستقيمة منكسرة في الماء ورؤية الكوكب الجبار قرصا صغيرا في السماء .

دروس العربية للرابعة ثانوي شعب علمية واقتصادية
القسم الأول : جوانب من الحضارة العربية الإسلامية قديما
المحور الأول : في التّفكير العلمي
الأستاذ : محمد نجيب قاسمي / معهد المكناسي/ الجمهورية التونسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير