الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخياطه ...8 و 9 و 10 ( آخر حلقة)

ايمان محمد

2014 / 10 / 6
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


(08)

حين بلغت آلاء التاسعة عشر , تقدّم شاب في حيّنا لخطبتها
_أمي اليوم جاء عبد الله إلي و انا في المقهى , لقد طلب آلاء مني كزوجة له
_ عبد الله , سمعت أنه يعمل معلما" للغة العربية في مدرسة ابتدائية مختلطة , اعرف والدته و أخته كنّ يأتين لخياطة الثياب عندي
_ أخجل أن اتكلم مع أختي , ستخبرينها أنتِ كي أعلم عبد الله بموافقتها و تأتي النسوة و تتفقن على التفاصيل
تدخل آلاء مكفهرة الوجه , يبدو أنها كانت تتنصت
_ من قال أنني سأوافق
_ عزيزتي أنه عبد الله إبن أم سمير التي ... تقاطعها آلاء
_ لا يهمني من يكون , لا اريده
فسألتها مستغربا "
_هل أساء أدبه معكِ قبل أن يطلبكِ مني , هل تحدث إليك مسبقا"؟
_ كلا
_ إذن كيف تحكمين على الرجل قبل أن تعرفيه , أنه يصلي معي في المسجد و سمعته مثل الورد
_ قلت لا , لااا ... ثم تنصرف مهرولة نحو الحجرة التي تنام فيها مع والدتي
_ ما هذا ؟ أمي ما ألأمر ؟ ! ظننتها ستسعد
_ دعك منها يا عماد , أنا سأحدثها الليلة بهدوء , هكذا هم الفتيات يرفضن في البداية ثم يوافقن من غير شروط ( تضحك و تحني رأسها خجلا ) انا فعلت نفس الشيء مع أبيك رحمه الله
_ القرار لها في النهاية , لن أجبرها إن لم ترغب به , أخبريها بأني أحترم رأيها فلا تقلق مني
بعد أيام أدركت أن آلاء مصرةٌ على رفض الخاطب و لم يكن بوسعي إجبارها فلزمتُ الصمت تجاه ذلك , قد تكون تحمل في مخيلتها صورة لزوج المستقبل تختلف تماما عن عبد الله
حصلت على تعيين كضابط شرطة , صرت انفق على البيت و انصب جلّ إهتمامي على أخي عمار , أنه طالب في المرحلة الإعدادية , مجتهد و ذكي , لا أريده أن يقاسِ مثلي , بدأت أشجعه و أقوي عزيمته , يدرس كثيرا مما جعله يلجأ الى طبيب العيون الذي نصحه بإرتداء النظارة الطبية , الوحيد الذي يرتدي نظارة في البيت , لطالما سمعت والدتي تقول :
_ سودة علية عمّار , لبس نظارة من القراية , ليل نهار يدرس , يا رب تنول مرادك يا ابني بحق محمد و آل محمد
...................
(09)
بعد مرور عام على تعييني كضابط شرطة و ذات يوم و كالمعتاد انا في محل عملي في مركز الشرطة , حصلت مشاجرة في السوق و جيء إليّ بالمعتدي و بعض الشهود
فتحت محضرا للتحقيق و تسجيل اقوال الشهود
_ اسمك ؟
_ علي حسين كاظم
_ عمرك ؟
_ سيدي ارجوك
_ قلت عمرك
_41 سنة
_ عملك
_ قصاب
.....
كان ملخص المشاجرة كألآتي ...
الجزّار الذي يرتدي دشداشة بيضاء و سروال ابيض , قُبِض عليه و هو يلكم رجلا في السوق , و حسب أقوال الشهود أنه كاد يقضي على الرجل لولا تدّخل الناس المارة , كان الجزّار رجلا" قوي ذو عضلات مفتولة بارز الصدر , بالتأكيد سيكون كذلك فعمله كجزّار جعل عضلاته تنمو
_ لماذا ضربت المدعو عبد المجيد في الشارع ؟
_ سيدي ذلك الرجل سرقني , لقد إقترض مني مالا قبل عام و لم أستلم منه فلسا" واحدا" حتى اليوم
_ و هل أعاد اليك النقود حين ضربته ؟
_ سيدي أرجوك يجب أن أخبرك بشيء مهم
_ هل الشيء له علاقة بقضيتك
_ كلا
_ إذن أجب على سؤالي , هل عاد إليك مالك بعد ان ضربته
_ كلا يا سيدي
_كان بإمكانك أن تقيم دعوة عليه تطالب فيها بحقك , فلو أن كل شخص فعل فعلتك هذه لعمّت الفوضى . هل تعلم أن الرجل الذي لكمته أحيل الى المشفى مغمىً عليه من لكماتك و تقرير الطبيب يقول أنه سيبقى تحت المراقبة لمدة لا تقل عن 24 ساعة إثر تلقيه ضربات قوية على رأسه , لقد أوقعت نفسك في ورطة الآن و سأضطر لسجنك حتى يخرج الرجل من المشفى و يتنازل هو أو ذوويه عن حقهم
_صدق حين قال أبو المثل ( صبح الطالب مطلوب )
_ لا أريد أن اسمع صوتك , خذوه الآن للحجز
_سيدي أرجوك لي طلب على إنفراد
_ما هو ؟
_ على انفراد يا سيدي , أرجوك فألأمر ضروري , لا استطيع قول كلمة امام رجالك
_حسنا"
امرت الكاتب و رجال الشرطة بالإنصراف
_ماذا الآن ؟
_ هناك فتاة
_فتاة !!
_إمنحنِ حلمك يا سيدي , لي صديقة أواعدها في دكاني في السوق الفلاني , تأتي إليّ كل أسبوع مرة او مرتين و و ... انت تعلم يا سيدي
_نعم و ما علاقتها بالقضية ؟
_لقد كنت معها قبل المشاجرة و أغلقت عليها باب الدكان و خرجت لإحضار غداءا لي و لها و لا أحد يعلم بها سواي أنا و الآن انت يا سيدي
_ و المطلوب
_أن تطلقني , ساعة واحدة فقط أذهب فيها لأحرر الفتاة و أقسم لك أنني سأعود ..أرجوك سيدي إنها بنت عائلة مستورة و إذا إنكشف أمرها فسَتُقتَل
_ بنت عائلة و تفعل ذلك
_ لقد أحبتني , أرجوك سيدي الوقت يداهمنا
_ حسنا" سأرسل معك شرطي
_ كلا أتوسل إليك فأغلب الناس يعرفونني بالقصاب ابو حسين و أخشى على الفتاة من الشرطي الذي سترسله معي فقد يلاحقها او يهددها او يبلغ الأمر مسامع زوجتي
_آاه يالّ لهذا اليوم , سأذهب معك بنفسي و لكنني سأجعلك تدفع ثمن فعلتك أيها الزوج الخائن
_إفعل بي ما تشاء
خرجت أنا و الرجل و قد وضعت الحديد في يده من الخلف لئلا يغدر بي
أبدى بعض الشرطة إستغرابهم من خروجي مع السجين لوحدي , حتى بعد ان الفقت كذبة قائلا"
_ سآخذ القصاب الى المشفى كي نأخذ أقوال المعتدى عليه و لحل المشكلة بالتراضي
كانت كذبة واضح فهذا ليس الإجراء الروتيني ثم أنني أصدرت قبل قليل أمرا" بسجن القصاب فكيف أغير رأيي الآن , لابدّ أن المنتسبين إعتقدوا أن القصاب قد وعدني برشوة رغم أنني ضابط شرطة ذوو سمعة طيبة و نظيفة و لكن الناس تسيء الظن دائما ...
قدت السيارة بنفسي و الرجل بجانبي مكبّل بالقيود ...و أنا أقود أفكر كيف لفتاة أن تفرط بشرفها مع رجل لأجل الحب , كان الصمت يسود تلك اللحظات و لكن ضوضاء الأفكار تعج في رأسي , لا عذر لأي إمرأة مهما كانت الظروف التي دفعتها لذلك , نظرت الى القصاب , لم يكن يتكلم إلا بعض الكلمات ليرشدني إلى محل عمله حيث الفتاة سجينة تنتظر الغداء , فجأة وجدتني أسأله :
_ قلت أنها أحبتك , وهل مثلك تحبه إمرأة ؟
_ لا تحكم عليّ من تلك المشاجرة يا سيدي فأنا كريم مع ألأنثى , كريم و طيب
_ هكذا توقع بالنساء
_أنا لا ألاحق إمرأة و لا ادنو عليها ما لم تبادر هي بذلك
_ و صاحبتك بادرت
_إنها إنسانة فقيرة
_ إذن باعت نفسها من أجل المال
_ كلا , لكنها وجدت بي إلإنسان الذي يعوضها ما تحتاج ...
_وماذا تحتاج ؟
_توقف هنا يا سيدي هذا هو محل القصابة الخاص بي , قصابة أبو حسين , ذلك كان أسمه
ترجلت من السيارة و فتحت الباب للرجل المكبل , قلت له ساخرا":
_إنزل أيها الولهان
_سيدي المفتاح في جيبي ألأيمن
نحن أمام الباب ألآن , بينما أفتح الباب أسمع صوتها , صوت إنثوي رقيق خلف الباب , صوت ملهوف طال عليه الإنتظار ,صوت مألوف لمسامعي
_ علي , لقد تأخرت أمي ستقلق عليّ
دفعتُ الباب , كانت خلفه ....نظرتُ إليها ....تشبه آلاء , كلا إنها آلاء ... أختي الصغرى
(10)
لم تكن سوى رصاصتين , رصاصة في رأسها و رصاصة في رأسه و وجهتُ المسدس نحو صدغي لكنه لم يطلق , لا أعلم لماذا لم تنطلق الرصاص رغم أني ضغطتُ على الزناد ... فضربتُ رأسي بالحائط و فار الدم كالبركان و غبت عن الوعي و أفقت في المشفى , كان إنهيارا عصبي ..لم أنطق منذ رأيتها و لم أنطق أثناء محاكمتي , لزمت الصمت لمدة شهرين
....
والدتنا المتعبة أصابتها جلطة دماغية فور بلوغها الخبر من مركز الشرطة , لقد عثر عماد على أخته آلاء مع رجل غريب في محل قصابة و قتلهما بمسدسه ...كانت فضيحة للعائلة , إنتشرت كالجراد في حيّنا بل في بغداد كلها , صاعقة نزلت على رأس أخي عمار أفقدته الثقة بنفسه أمام زملاءه و مدرسيه في المدرسة , لم يعد يذهب للمدرسة , ترك دراسته لعام كامل , لم يعد يستطع التركيز فيما يقرأ , كما لو أن عقله توقف ..
حكمت عليّ المحكمة بالبراءة لأنها قضية غسل للعار ...
و لكنني مجرم قاتل و أستحق الإعدام ....
كانت هذه إحدى قضايا الشرف و القتل غسلا للعار التي حُكِمَ فيها بالبراءة على القاتل ...
كانت هذه قضية الضابط عماد مع أخته الخياطة آلاء , قضية وردت إحدى المحاكم العراقية في سبعينيات القرن العشرين , حُكِمَ له بالبراءة لأنه غسل العار بالدم
فهل يُغسَل العار بالدم ؟؟
أصيب الضابط عماد بالجنون , ألأنه قتلَ أم لأن أخته خانت شرف العائلة ؟ هو نفسه لا يستطيع الإجاب على هذا السؤال
أُدخِل مشفى المجانين و بقي هناك عشرة اشهر خرج بعدها نصف عاقل او نصف مجنون ,
إضطر لبيع بيتهم و شراء بيت في مكان لا يعرفهم فيه أحد و تزوج من إبنة خاله الصغرى و كرس حياته في عمله و للإعتناء بوالدته حتى وافتها المنية , اما أخوه عمار , عاود الدراسة في مدرسة أخرى و ظل مجتهدا حتى صار طبيبا" و إختص بفرع امراض النساء و التوليد , لعله أراد أن يدرس عالم النساء ليستدل عن سبب دفع أخته لتلك العلاقة ... من يدري قد يكون إستهدى لسبب مقنع , لكنه عزّف عن الزواج و ظل عازبا" حتى اللحظة كما لو أنه فقد الثقة بكل الإناث بسبب أخته الكبرى التي لاطالما كانت تعطيه الدراهم كي يشتري الدفاتر و لوازم الدراسة مما تجنيه من عملها كخياطة ..
لكن عماد لا يزال يشعر بالذنب و يرى نفسه قاتلا" مهما كانت المبررات و ظل يردد دائما"
( القاتل قاتل مهما كانت المبررات )....
بقلم د.ايمان محمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دار المرأة في حسكة


.. هبا عويدان




.. سوسن مسعود


.. الذاريات محمد




.. ابتسام كامل رمام