الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقع أثري لأقدام ديناصورات( 250 مليون سنة) ورسومات فنيقية (أكثر من 4000 سنة) مُهملة في غياهب منسية

حسن البوهي

2014 / 10 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


"من المؤلم أن الخيانة التي تنجح، لا يجرؤ أحد على تسميتها خيانة"
يكاد لا يختلف اثنان في أن تراث أمة ما، هو عنوان تجدرها التاريخي ورمز هويتها الحضارية، وطريقة التعامل معه، معيار أساسي للحكم على مدى وعيها بكينونتها الثقافية والفكرية، ومؤشر دال على نضج طريقة تفكيرها من عدمه، واهتمام المسؤولين والأوصياء عليه دليل على احترامهم للذات الجماعية وعلى تقديرهم لأفراد الأمة، والعكس بالعكس...إذا صحّت هذه المتلازمات الدلالية، فإن مسؤولينا في وزارة الثقافة ومصلحة المحافظة على الآثار لا يقيمون وزنا للمواطنين ولا يحترمون كينونتهم الحضارية والثقافية، فطريقة تعاملهم مع التراث الذي يعكس غنى وتنوع الثقافة المغربية يؤطره منطق الاستخفاف وسياسة اللامبالاة، وتظهر تجليات ذلك من خلال الحالة المزرية للعديد من المواقع الأثرية المُهملة دون أن تحرك ساكنا لتوثيقها أو حمايتها من عبثية ولصوصية المتربصين بالتحف الناذرة...
ففي موقع جبلي تشكلت معالمه نتيجة عوامل التعرية الطبيعية منذ عشرات الملايين السنين، وعلى بعد أمتار قليلة من "دوار واوريكت" بمنطقة تغزى المتوارية خلف غياهب جبلية، احتفظت ضروب الدهر بآثار كائنات استوطنت الأطلس الكبير الأوسط قبل أن يستوطنها الإنسان المغربي...إنها آثار أقدام ديناصورات استقرت بالمنطقة منذ أزيد من 250 مليون سنة، استطاعت أن تقاوم نوائب الزمن وتُوثّق لمراحل مهمة من تاريخ تعمير هذه الربوع من كوكب الأرض، تكونت أثار هذه الأقدام حسب بعض المتخصصين نتيجة نزوح الديناصورات من منطقة "تامدا" و"عزيب أفركال" التي غمرتها مياه فيضان ضرب المنطقة آنذاك، غير مستبعدين أنها مرت من منطقة تغزى في اتجاه منطقة "بو كماز" التي توجد بها آثار أقدام ديناصورات أخرى.
يوجد الموقع الأثري لأقدام الديناصورات بين كتل صخرية متناثرة بشكل عشوائي قُبالة واجهة جبلية مُطلة على مجموعة من الدواوير المُقامة على جنبات واد يعبر منطقة تغزى...أثناء زيارتنا لهذا الموقع الأثري الضارب في القدم لم نتعرف على أثار أقدام الديناصورات بسهولة لعدم وجود أي علامات توضيحية أو واجهات تشرح أهمية الموقع وتاريخ تكونه، كما لا يوجد أي حارس أو مُوجّه يحرس الموقع، اضطررنا إلى الاستعانة بالخدمات التوجيهية لبعض سكان المنطقة الذين حددوا لنا بدقة الزاوية المناسبة التي تظهر منها أثار أقدام الديناصورات.
وغير بعيد عن منطقة تغزى، يوجد موقع أثري أخر لا تختلف وضعيته المتردية عن سابقه، إذ يعيش هو الآخر على وقع الإهمال واللامبالاة على بعد كيلومترات قليلة من "دوار ورزازت" (بكسر الواو وسكون الزاي الثانية) ، يضم هذا الموقع نقوشا ورسوما فنيقية تعود لأزيد من 4000 سنة، نقشت بعناية ومهارة فائقة فوق صخور متناثرة في أماكن متفرقة من الموقع، يتخذ البعض منها أشكالا دائرية ومستطيلة، وأخرى تجسد مجسمات هندسية قريبة من بعض أدوات الصيد كالرماح والسكاكين، تؤرخ لنمط عيش الفنيقيين الذين عرفوا في المؤلفات والمصادر التاريخية بولعهم بالأنشطة والمبادلات التجارية وبتنقلهم المستمر بين العديد من المدن والمراكز القديمة ك"صور" بسلطنة عمان و"ليكسوس" (العرائش) و"موكادور"(الصويرة)...
إن الأهمية التاريخية والرمزية الحضارية لهذه النقوش والرسومات الصخرية التي توثق لفترات عبور أو استقرار الفنيقيين بمنطقة "الياكور" و "ورزازت"، تصطدم بواقع مُخجل من الإهمال والتردي، فهذا الموقع هو الأخر لا توجد به أي علامات أو واجهات توضيحية، كما لا يوجد به أي حارس أو موجه، مما يجعله عرضة لعمليات السرقة أو التشويه كما هو الحال سنة ،2012 عندما قادت الصدفة عدسة سائحين أجنبيين إلى التقاط صور لأحد رعاة الأغنام وهو يقوم بتشويه معالم نقش أثري دون وعي منه بأهميته التاريخية والحضارية، فعُرضت الصور في أحد المتاحف بمدينة باريس، وأثيرت حولها ضجة إعلامية داخل المغرب استنفرت المسؤولين والوزراء المشرفين من كراسيهم المريحة ومكاتبهم المُكيّفة، فسال حولها مداد كثير" وحلت العديد من الوفود الإعلامية والحكومية على رأسها وزير الاتصال مصطفى الخلفي من أجل الوقوف على حقيقة هذا التشويه، إلا أنه بانقضاء هذه السحابة العابرة عادت الأمور إلى سابق عهدها من دون أن تسفر عن أي إجراءات لحماية هذا الموقع، أعقبها صمت مُطبق، والوعود التي أدلى بعض المسؤولين من أجل حماية هذا الموقع تبخّرت وذهبت أدراج الرياح، فبعد مرور حوالي سنتين لم تحل بالمنطقة أي لجنة لمعاينة الوضع الحالي للنقوش والرسومات الصخرية"، كما أن غالبية سكان المنطقة غير واعون بالرمزية التاريخية والحضارية لهذا الموقع الأثري لأنه لم ينفتح عليهم أي مسؤول أو باحث متخصص من أجل توعيتهم بأهميته وبضرورة المحافظة عليه.
إن الوضع المزري للموقع الأثري لأقدام الديناصورات المُهمل بمنطقة تغزى، والوضعية العشوائية لموقع الرسوم والنقوش الصخرية المنسية بمنطقة "الياكور"، تبعث على طرح أكثر من علامة استفهام وتعجب حول المنطق الذي تتعامل به مصلحة الآثار ووزارة الثقافة مع الإرث التاريخي والحضاري لمجموع المواطنين المغاربة، فسياسة الاستخفاف بالمخاطر المحدقة بهذين الموقعين الأثريين ومنطق اللامبالاة الذي يُبخّس القيمة الحضارية والتاريخية لهذه الأيقونات الحضارية التي نجت من مخالب متغيرات الدهر، قد تثير أطماع لصوص المواقع الأثرية الذين لن يجدوا صعوبة في الاستيلاء عليها وتهريبها خارج التراب الوطني وبيعها في السوق السوداء الدولية للتحف الأثرية، في سيناريو شبيه بالنقوش والرسوم الصخرية التي اختفت في وقت سابق من منطقة محاميد الغزلان... فماذا ينتظر المسؤولون والأوصياء على التراث والثقافة؟ هل ينتظرون إلى أن يتم الإجهاز على هذه التحف الأثرية لكي يطلوا على المغاربة من نشرات الأخبار ومن الصفحات الأولى للجرائد وهم يتفننون في انتقاء عبارات التنديد والإدانة التي لا تغير شيئا من هول الخسارة؟؟؟ فهذا الصمت غير مبرر، وإهمال التراث الانساني بهذه الطريقة المسيئة لرمزيته الحضارية جريمة تاريخية في حق تراث المغاربة والإنسانية جمعاء، سيحاكمهم عليها التاريخ والأجيال اللاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة