الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المسيحيين الثقافى فى العالم العربى -الحلقة الرابعة

ماريو أنور

2005 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العصر الذهبى : القرنان العباسيان الأولن
نقل المؤلفات
فى مرحلة أولى , فى القرنين الثامن و التاسع , ظهر النقل الأول إلى العربية , تارة من اليونانية و تارة من السريانية , و كان هذا التقل لا يزال قليل الدقة إلى حد ما . و فى النصف الثانى من القرن التاسع و طوال القرن العاشر , توطدت تلك الحركة و تحسنت , وحل محلها طريقة دقيقة , بدافع من حنين بن إسحق ( المتوفى فى 873 ) و تلاميذه . وكان النص المنقول تعاد قراءته و يقارن بالنص اليونانى الأصلى , للحصول على نقل أفضل . فازدادت اللغة الفلسفية دقة و أصبحت تقنية , لأن الذين ينقلون و يعيدون النقل كانوا أنفسهم فلاسفة . و انتهى عمل نقل التراث الهلنستى فى الربع الثالث من القرن التاسع .
ففى حقل النقل , قام مسيحيون بنقل 90 % من الفكر اليونانى المعروف فى ذلك الزمان . إنطلقوا من نقل المؤلفات المفيدة , أى تلك التى تختص بالتقنية و الرياضيات و الطب . و هكذا نقل حنين ستة و تسعين مؤلفاً طبياً لجالينس و بقراط ( هييوقراطس ) . يستطيع من كانت له خبرة فى النقل أن يتصور أى عملية هذه .
مثال قسطا بن لوقا
كانت أعمال النقل هذه شاقة تتطلب أحياناً تشكيل فريق فى مراحل متعاقبة . فكيف الوصول إلى نقل مفاهيم رياضية أو فلكية أو أسطورية أو فلسفية أو طبية أو صيدلية , فى لغة أدبية و شعرية فى أساسها , غير معدة لتلك العلوم و الحقائق . نتحقق اليوم من هذه الصعوبة , حين يجب علينا أن ننقل إلى العربية مؤلفات علمية أو طبية أو فلسفية أو ألسنية , أو مفردات الأنترنت إلخ ......... كل ذلك يتطلب تعاوناً بين أجيال من العلماء الناطقين بعدة لغات .
ففى حقل الريضيات , فى مطلع القرن العاشر , نعرف قسطا بن لوقا البعلبكى الأصل و الذى كان يعيش فى بغداد . كان آخر شخص نقل الفصول العشرة من مبادىء إقليدس , بعد أن نقل شخصان آخران بعض فصول .
كان أولئك العلماء , بوجه عام , يتخصصون بحقل محدود , كالطب أو الميكانيكا أو الفلسفة إلخ ........... من دون الاقتصار عليه . فهكذا نرى قسطا بن لوقا يتخصص بالطب ( ترك لنا 55 مؤلفاً هى مزيج من النقل و التأليف ) و الرياضيات , و لا سيما بالميكانيكا , وهى حقل حبذه الخلفاء لأنه يفيد صناعة الأجهزة الحربية , لإلقا القذائف مثلاً . و هو أيضاً صاحب مؤلف المرايا المحرقة التى كانت لها أهمية فى الحرب . لإحراق معسكر العدو بواسطة مرايا لها بؤر مركزة إلى أقصى حد .
هذا و إن قسطا بن لوقا كتب المقالة الأولى للمحافظة على الصحة فى القيام بالحج إلى مكة , نزولاً عند طلب أحد الوزراء أن يرلفقه بصفة طبيب شخصى . لكنه اعتذر لعدم استطاعته أن يرافقه , لأن امرأته و أولاده كانوا فى حاجة إلى حضوره . و مع ذلك , فقد حرر له مقالة علمية و عملية , لكى يعرف كيف يتقى المرض .
الشروح
فى مرحلة تالية , تدخل جيل نقلة جديد و ذهب إلى أبعد من النقل , أى إلى الشروح . إنطلقت هذه الحركة فىالمدارس والرهبانية , و امتدت إلى خارجها ابتداءً من القرن التاسع . و كانوا يسيرون على هذه الطريقة : كانوا يملون على الطالب موجزاً قصيراً من أحد المؤلفات الكبرى ( يسمونها الجوامع ) , و كان المعلم يعلق على الموجزات , قارئاًً و شارحاً إياها شفهياً . و كان ألمع الطلاب ينسخون تلك الشروح , و لقد و صلت بعضها إلينا .
و فى تلك المدارس , كان طلاب الأجيال الأولى مسيحيين جميعاً . وعلى مر الأيام ازداد عدد المسلمين حتى أصبحوا الأكثرية . يمكننا أن نذكر أشهر فيلسوف أرسططاليسى عرفه الربع الثالث من القرن العاشر , و هو يحيى بن عدى ( 893 – 974 ) الذى تتلمذ له عدد كبير من الطلاب أشهرهم ستة مسلمين و أربعة مسيحين . و هؤلاء المسيحيون ( ما عدا الرابع ) , أى أبو على عيسى بن زرعة ( 942 – 1008 ) , و أبو الخير الحسن بن صوار الملقب ابن الخمار ( 942 – 1017 ) ., و أبو على بن السمح ( المتوفى فى 1027 ) , و أبو على نظيف بن يمن ( نهاية القرن العاشر ) هم الذين كتبوا تعليم الأستاذ الذى وصل إلينا فى مخطوط رائع من باريس ( الكتاب العربى 2346 ) , نشره قبل قليل فى لبنان تلميذان من تلامذة الأب فريد جبر .
( لا شك فى انكم لاحظتم أن جميع أولئك الكتاب يحملون أسماء تبدو إسلامية فى أيامنا , كعلى و حسن . فى الواقع , إنها أسماء عربية , و هى إذاً مشتركة بين الجميع : إن أحيانا الانعزالية هى التى تشدد على التمييز بين الطوائف الدينية ) .
و أخيراً , فى مرحلة ثالثة , ابتداء من القرن العاشر , أخذوا يبتكرون مؤلفاتهم الخاصة , مستوحين الفكر اليونانى , و ذلك فى حقول الطب و الفلسفة , وبقدر أقل فى حقل العلوم . إنها أشد شرائح مساهمتهم إيحاء فى الحضارة العربية , ولكنها الأقل شهرة .
نلفت النظر هنا , بطريق المصادفة , إلى أن الموارنة , بعد ذلك بعدة قرون , ساروا على الطريقة نفسها ما بين القرن السابع عشر و التاسع عشر , فى ما خص الثقافة الغربية . فلقد نقلوا , ثم شرحوا و علقوا من دون أن يذكروا دائماً مصادرهم , قبل أن يؤلفوا مباشرة . هذا هو الأسلوب المستخدم فى كل ظاهرة انثقاف , فى أى زمان و مكان .
الفارابى الذى تتلمذ لثلاثة معلمين مسيحيين
إن الفارابى الذى سمى , فى الفلسفة العربية , المعلم الثانى , بمعنى (( أرسططاليس الثانى )) أو (( أرسططاليس الجديد )) , ولد فى 872 بالقرب من فاراب فى بلاد الأتراك , و أتى إلى بغداد و هو شاب .
تتلمذ لثلاثة معلمين فى الفلسفة , و كانةا ثلاثتهم مسيحين نسطوريين . ذهب أولاً إلى حران , مدينة صغيرة فى ما بين النهرين الشمالية , ليدرس على يد الطبيب و الفيلسوف النسطورى إبراهيم المروزى . و بعد وموته , خلفه نسطورى آخر بصفة معلم فلسفة , و هو يحيى أو يوحنا بن حيلان الذى انتقل من مرو إلى بغداد بعد 908 , و حين مات هو أيضاً , أغلقت المدرسة أبوابها. فانتقل الفارابى إلى بغداد ليتتلمذ للمعلم أبو بشر متى بن يونس , فيلسوف نسطورى هو أيضاً , و صلت إلينا شروحه لأرسطو .
و حين مات معلم الفارابى فى بغداد , رأى أنه تعليم كل شىء و أن تكوينه قد اكتمل بقدر كاف , فشعر بأنه لم يعد مرتبطاً ببغداد . فحين دعاه المللك الحمدانى سيف الدولة إلى بلاطه , فى 942 , غادر بغداد و ذهب إلى حلب حيث عاش حتى وفاته فى دمشق سنة 950 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 105-Ali-Imran


.. 106-Ali-Imran




.. 107-Ali-Imran


.. 108-Ali-Imran




.. 109-Ali-Imran