الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الزمن و الكون و الوهم

حسن عجمي

2014 / 10 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تختلف النظريات العلمية و تتصارع. فإحدى النظريات العلمية تقول إن الكون مادي و أخرى تقول إن الكون معلوماتي و نظرية ثالثة تؤكد على أن الكون وهم. لكن هل من الممكن التوحيد بين هذه النظريات المتنافسة و قبولها معاً ؟ يبدو أنه من الممكن ذلك إذا اعتبرنا أن الحقيقة نفسها تتكوّن من حقائق مختلفة.

بالنسبة إلى نظرية علمية معاصرة , الكون صورة ثلاثية الأبعاد. و بذلك الكون ليس سوى وهم. و الحجة القوية وراء هذه النظرية هي التالية : بما أن قياس الطاقة في أية منطقة متناسب مع مساحة سطح تلك المنطقة بدلا ً من حجم تلك المنطقة , إذن على الأرجح العمليات الفيزيائية تحدث على سطح العالم و ما نراه مجرد ظلالها. عبّر الفيزيائيون عن هذه النظرية بقولهم إن كل معلومة في الكون مخزَّنة بعيداً في تخوم الفضاء. والنتيجة المترتبة عن ذلك , كما يقول الفيزيائيون كالفيزيائي سسكيند , هي أن كل الكون صورة عن الواقع الحقيقي المختبىء و المجهول بالنسبة إلى حواسنا. هذا قانون جديد في الفيزياء و مضمونه أن كل شيء من الممكن وصفه على أنه موجود على سطح العالم بدلا ً من أن يكون موجوداً داخل العالم ؛ فالمعلومات المتجسدة في كل المواد و الطاقات مخزَّنة على سطح عالمنا. و لذا الكون من حولنا وهم ( Brian Greene : The Fabric of the Cosmos. 2005. Vintage & Leonard Susskind : The Black Hole War. 2009. Little, Brown and Company ).

بالإضافة إلى ذلك , يقول الفيزيائي لي سمولن إن معظم الفيزيائيين يعتبرون أن عبور الزمن من ماض ٍ إلى حاضر فمستقبل هو عبور وهمي , و بذلك الحاضر و الماضي و المستقبل مجرد أوهام بالنسبة إليهم. لكن سمولن يؤكد على أن الزمن حقيقي و موجود في الواقع. و بذلك يحاول سمولن بناء ثورة علمية ضمن الفيزياء المعاصرة. يعتبر سمولن أن معظم الفيزيائيين مخطئون في اعتبار الزمن مجرد وهم. و هذا لأنهم يظنون أن النماذج الرياضية التي من خلالها يعبِّر الفيزيائيون عن القوانين الطبيعية الحاكمة للكون و الوجود و الخالية من مفهوم الزمن تطابق الواقع بدلا ً من أن تكون نماذج رياضية و فيزيائية لتنظيم فهمنا للواقع. بالفعل النماذج الرياضية خالية من الزمن لكونها مجرّدة , و رغم ذلك هي ناجحة في وصف و تفسير عالمنا الواقعي. لكن , بالنسبة إلى سمولن , هذا لا يعني أن الكون خال ٍ من الزمن. فإصرار الفيزيائيين على استنتاج أن الكون قائم بلا زمن و أن الزمن وهم هو في الحقيقة استبدال النماذج الرياضية بالكون و الواقع و التخلي عنهما ؛ فثمة فرق بين النماذج العقلية الرياضية الخالية من الزمن و الواقع المادي الحاوي على الزمن. هكذا يبرهن سمولن على صدقية أن الزمن حقيقي و موجود بالفعل ( Lee Smolin: Time Reborn. 2013. Houghton Mifflin Harcourt ).

لكن من الممكن وصف الكون بنجاح على أنه مادي و يتكوّن من ذرات و جُسيمات كالإلكترونات و طاقاتها كما من الممكن وصف الكون نفسه بنجاح على أنه مجموعة معلومات. فالحقائق و الأحداث تتشكّل من جُسيمات مادية و طاقات كما تتشكّل من معلومات و عمليات تبادل للمعلومات ( Paul Davies and Niels Gregersen ( Editors ): Information and the Nature of Reality. 2010. Cambridge University Press ). الآن , بما أننا ننجح في وصف الكون على أنه يتشكّل من مواد تماماً كما ننجح في وصفه على أنه معلومات بدلا ً من مواد , إذن الحقيقة ذاتها تملك مستويات واقعية متعددة و مختلفة. فالحقيقة نفسها تتكوّن من مجموعة حقائق متنوعة. و لذا تنجح و تصدق النظريات المختلفة في وصف و تفسير الكون. من هذا المنطلق , من الممكن علمياً وصف العالَم من خلال النماذج الرياضية الخالية من الزمن كما من الممكن بحق وصف العالَم من خلال الجُسيمات و طاقاتها القائمة في الزمن. و بذلك ينجح وصف الكون على أنه موجود في الزمن تماماً كما ينجح وصفه على أنه بلا زمن. و من الممكن للعقل البشري أن يتقلب بين الكونيْن : كون بلا زمن و كون بزمن. الكون نفسه كونان : كون مادي بزمن و كون رياضي بلا زمن. فواقع من دون تجريد عقلي رياضي خارج الزمن واقع مجهول. و واقع من دون زمن واقع من دون انتظام الجسد و الفكر و الشعور.

يوجد أساس علمي صلب وراء القول بأن الكون نفسه يتكوّن من كونيْن : كون بزمن و كون بلا زمن. فبالنسبة إلى نظرية ميكانيكا الكم العلمية , عالمنا يتكوّن من عالميْن : عالم حيث الجُسيم كالإلكترون هو فعلا ً جُسيم و ليس موجة , و عالم حيث الجُسيم نفسه هو موجة و ليس جُسيماً. فالجُسيمات تتصرف على أنها جُسيمات و موجات في آن. لكن الجُسيمات نقيض الموجات. و بذلك الحل الوحيد هو وجود كونيْن في كون واحد. كون حيث الجُسيم هو جُسيم و كون حيث الجُسيم نفسه هو موجة و ليس جُسيماً ( Tony Hey and Patrick Walters : The New Quantum Universe. 2003. Cambridge University Press ). من هنا , من الممكن القول إن عالمنا يتكوّن من عالَميْن : عالَم بزمن و عالَم بلا زمن. و بذلك نوحِّد بين المذاهب الفلسفية و العلمية المتعارضة فيصدق وجود الزمن و تصدق وهمية الزمن في آن.

إن كان الزمن وهماً فهو ما يزال جيناً بيولوجياً ننظِّم من خلاله تجاربنا الإنسانية. و بذلك الزمن هو مجموعة معلومات متوارثة كالجينات البيولوجية التي من خلالها تتشكّل أجسادنا الحية. و لذلك يصبح الزمن حقيقة و واقعاً لكونه مجموعة معلومات. كون بلا زمن كون بلا إنسان. و إنسان بلا وهم شبه إنسان. و الوهم نفسه معلومات تصف أكواناً ممكنة قد تكون متحققة في عالمنا و قد لا تكون. من هنا , إن كان الكون وهماً فما زال موجوداً لأن الكون و الوهم متفقان على أنهما معلومات. هكذا نجمع بين وهمية الكون و وجوده. كون بلا وهم كون بلا معلومات. و كون بلا معلومات كون بلا وجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح