الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم الله - الجزء الأول : حول ما سُمي بالبرهان الأخلاقي

مهاب مجدى يوسف
()

2014 / 10 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقال الآتي هو الحلقة الأولى من سلسلة أطلقت عليها " علم الله " تقديراً لذاك المحتوى الراقي و العقلاني الذي يقدمه الأب فاضل سيداروس السيوعي في المعهد العالى للدراسات اللاهوتية بالسكاكيني في مادة يُطلق عليها نفس الاسم ، و لكنني أقدمها بطريقتي و ألفاظي الخاصة مع بعض الإضافات و الإقتباسات التى تساعد إلى حد كبير لتوضيح الفكرة الرئيسية لكل مقال .

تعرضت لقضية " برهان وجود الله " منذ أكثر من عام متخذاً البداية كتاب " دراسات في علم اللاهوت النظري " للراهب بنيامين المحرقي ، تقديم : د. موريس تاوصروس ، و هو كتاب يُقدَّم لطلاب الكلية الإكليريكية بدير المحرق العامر بأسيوط . عندما بدأت في قراءة هذا الكتاب تكوّنت لديّ بعض التساؤلات و الإعتراضات - أحياناً - ثم تقابلت مع الكاتب شخصياً و تحدثت معه حول تلك النقاط ، و للأسف لم يأتِ بجديد ، قِيلَت نفس الأفكار بألفاظ آخرى ليس إلا . على أى حال أوجه إليه كل الشكر و التقدير ، فهو بالفعل أول مَن ساعدني في بداية هذا الطريق الطويل الشائك .

من المنطقي جداً أن يتم كتابة مقدمة أى فكرة في بداية عرض الفكرة ، و لكنني أرى أنه يجب تأجيل المقدمة او الفكرة الأصلية لهذه السلسلة في السطور الأخيرة لآخر مقال في هذه السلسلة ، سأبدأ فقط في عرض نقاط بسيطة في كل مقال لأصل في النهاية إلى الفكرة الرئيسية ، و أكتفي بهذه المقدمة ( التى لا يمكننا أن نطلق عليها مقدمة ) .

يمكنني الآن أن أبدأ في الجزء الأول و الفكرة الأولى .....

** البرهان الأخلاقي على وجود الله :
-----------------------------------

و يُسمى أيضاً " شهادة الضمير " أو " البرهان الأدبي " .. فلكل إنسان " ضمير " و هو ما يقوده أو يشير له على ما هو يجب فعله و ما لا يجب فعله ، و قد يكون هناك إختلاف بين الناس في أماكن و أزمنة مختلفة و حسب التربية و درجة الثقافة ، و لكن العامل المشترك هو وجود " الشعور بالواجب الأخلاقي " بصفة عامة ، و وجود بعض المبادئ المشتركة التي لا يختلف عليها الناس بغض النظر عن إختلافهم ثقافياً و إختلاف وجودهم في أزمنة و أماكن مختلفة .

فيقول " كوستي بندلي " في كتابه السبل إلى الله ( طبعة رابعة صـ109 ، 110 ) :
" نعم أن حضارات و عصوراً مختلفة كانت لها نواميس أخلاقية مختلفة و لكن هل نتصوّر بلداً تفتخر بالرجل المسئ إلى المحسنين إليه أو بالولد العاق نحو والديه ؟..... و حتى المتوحشون الذين يقتلون والديهم عند شيخوختهم ليوّفروا عليهم عذاب الشيخوخة ، يتممون على طريقتهم الخاطئة المبدأ العام القائل بإحترام الوالدين و محبتهما " .

البرهان هنا يقول خُلاصةً أن واضع هذا الضمير هو كائن متسامٍ و متعالٍ فوقنا و هو " الله " ....

كوستي بندلي يوضح كيف وصل تدريجياً لفكرة أن الله هو واضع هذ الضمير ، فهو يناقش ما قد يكون هو مصدر الضمير كالآتي :

1 - الضمير غريزة : أى أن الضمير هو " غريزة في الإنسان " شأنها شان أي غريزة آخرى . و لكنها نظرية غير كافية للتفسير ، فمثلاً " غريزة حب النوع " ( الرغبة في مساعدة إنسان يحتاج إلى المساعدة ) يوجد إختلاف بين الرغبة في المساعدة و بين الشعور بالواجب الأخلاقي لمساعدة شخص ما . كما أن هناك " غريزة البقاء " فلو حدث تعارض بين الغريزتين ( حدوث موقف يستدعى مساعدة شخص في خطر و لكن المساعدة نفسها يوجد بها خطر ) فبالرغم من وجود غريزة حب البقاء إلى أننا نشعر بواجب أخلاقي يشير إلى الشئ الذي يجب أن نفعله ( و إن لم نفعل لكنه يشير ) ، هذا الشعور هو أرقى بكثير من مفهوم الغرائز إنه الناموس الأخلاقي.

2 - الضمير مُكتسب :

أ) نظرية " العُرف الإجتماعى " : و هي أن الناموس الأخلاقي هو عُرف اصطلح عليه المجتمع . و لكن هذه النظرية يمكن الإعتراض عليها لأن العُرف الإجتماعى يكون مُختلف من زمن لآخر و من مكان لآخر ، بينما الناموس الأخلاقي فيه ثوابت عديدة مشتركة بين الشعوب و الأزمنة .

ب) نظرية " الأنا الأعلى " : أى أن فكرة الضمير نشأت عند الشخص من الصغر بواسطة الأهل و طرق التربية ، و يمكن الإعتراض بالقول أنه هناك العديد من التقاليد و الموروثات التى يثور عليها الشباب في سن المراهقة مثلاً أو فيما بعد يقوم بالتنقية عندما يكون أشد وعياً ، و لكنه لا يمكن أن يتخلى عن الناموس الأخلاقي الثابت ، فيستمر الشعور بالواجب الأخلاقي بالرغم من الإنتقال إلى مرحلة البلوغ و التخلص من تقاليد الطفولة .

ثم يصل كوستي بندلي إلى إستنتاجه الأخير ( صـ113 ) :
" الضمير يكشف لنا إذاً وجود كائن متميز عنا و بالوقت نفسه متعالٍ فوقنا . و إلا فمن أين للضمير هذه السلطة الغريبة المزعجة لنا أحياناً ؟ "

و هنا يعترض الأب فاضل سيداروس اليسوعي على هذا الإستنتاج السريع و يضع فرضية آخرى و يراها مقبولة بقدر كبير و " منطقية " أيضاً على حد تعبيره و هي أن بندلي تكلّم عن الهو id ( الأنا السفلى ) و الأنا الأعلى super-ego و لكنه لم يتطرّق إلى الأنا ego ( الأنا السفلى و الأنا و الأنا الأعلى هى مصطلحات إفترضها فرويد كأقسام للنفس ) بمعنى أنه من الممكن أن يكون الشعور بالواجب الأخلاقي - الضمير - " طبيعي إنساني " كون الإنسان كائناً عاقلاً وجدانياً حراً ، دون الحاجة إلى واضع للضمير بشكل قاطع ... ثم يُكمل الأب فاضل و يقول أن لأى مؤمن الحق في أن يقول أن واضع الضمير أو واضع الطبيعة البشرية ككل هو الله لكنه يجب أن يعرف أنه في هذه الحالة يتحدث كـ " لاهوتي " يبدأ مما يؤمن للوصول لتفسير ما حوله ، لكنه فلسفياً يمكن التوقف عند نقطة أن الواجب الأخلاقي هو طبيعي إنساني و هو رأي يُحترم أيضاً . فالضمير أو الشعور بالواجب الأخلاقي قد يكون إشارة إلى وجود الله و لكنه لا يعني بالمطلق برهاناً على أن هناك إله واضع ذلك الضمير ...


أود فقط أن أضيف تعليقاً قد يكون خارج الفكرة الرئيسية لكننى أرى أنه مهم .. أقتبس من كتاب " دراسات في علم اللاهوت النظري - الجزء الأول " للراهب بنيامين المحرقي ( طبعة أولى صـ 62 ) :
" إذا لم يكن الله موجود ، فلماذا التمييز بين الخير و الشر ؟ أو بين العدل و الظلم أو بين الفضية و الرذيلة ..... لماذا وُضعت الشرائع على عاتق البشرية إن لم تكن من الله ؟ و ما الغاية من وضعها إذا لم يكن ثواب ولا عقاب ؟ و من يكافئ إن لم يكن إله ! "

و نفس الفكرة قدمها الدكتور ماهر صموئيل في مهرجان " احسبها صح 2014 " أنه على الشخص الذي لا يؤمن بوجود إله فعليه أن ينكر الأخلاق وألا يلتزم بها ، فلا إله لا أخلاق .

* بغض النظر عن لفظ " على " ( بالمعنى الإلزامى ) الذي أتى به الدكتور ، لأننى لم أكن أعلم أن الذين لا يؤمنون بوجود إله لهم كتاب ( مثل الكتاب المقدس في المسيحية أو القرآن الكريم في الإسلام ) يقول لهم أوامر أو تشريعات !!!! لكن دعنى أقول رأيي واضعاً في إعتبارى فكرة أن الضمير شئ طبيعي إنساني : أى شخص يفعل ما يطابق الناموس الأخلاقي الثابت و هو لا يؤمن بوجود إله و ثواب و عقاب هو أفضل بكثير ممن يفعل ذلك بدافع الخوف من العقاب أو إشتهاءاً للثواب ، فالضمير غايته أنه يحقق أنسنة الشخص و أنسنة المجتمع ..

.
.
http://www.facebook.com/mohab.magdy.youssef









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24